اعترف الجيش الأميركي بتحقيق تقدم ضئيل في الجهود المبذولة لتدريب القوات الأمنية في العراق وسوريا على مقارعة تنظيم الدولة، وهذا ما أثار حفيظة بعض المحللين الذين توقعوا تكرار سيناريو الانهيارات العسكرية السابقة.
ففي تقرير صدر عن الكونغرس مؤخراً، ورد بأن القوات التي دُرّبت على يد الولايات المتحدة في العراق: "لم تحقق مكاسب ملحوظة في مجال القدرة على محاربة تنظيم الدولة" ومن بين هذه الجهود العملية التي عرفت بعملية العزم الصلب.
فيلم مكرر
بقيت تلك القوات المحلية تعتمد على سلاح الجو الأميركي إلى حد كبير، وتعاني من مشكلة كبيرة في تجنيد العسكر ضمن قوات النخبة لديها، وذلك بحسب ما ورد في تقرير وضعه كبير المفتشين العامين على عملية العزم الصلب.
وفي هذه الأثناء، أصبحت القوات التابعة للولايات المتحدة في سوريا تحصل على رشى وانصرفت عن مهمة محاربة تنظيم الدولة بسبب الهجمات التركية، وذلك بحسب ما ورد في تقرير نشر في مطلع شهر آب الجاري.
بيد أن هذه العوامل تضع الجهود الأميركية في هذين البلدين على مسار مقلق، بحسب رأي جوناثان لورد وهو عضو رفيع في مركز أمن أميركا الجديد، إذ يشبّه هو وغيره المشكلات التي وردت في التقرير بالأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في السابق عند تدريبها لقوات أمنية من أهالي بلد معين، فقد أدى الفشل في هذا المجال إلى انهيار الجيش العراقي في عام 2014 أمام تنظيم الدولة، وكذلك انهيار الجيش الأفغاني أمام طالبان في عام 2021.
وحول ذلك صرح لورد بالقول: "إن كان كل ما نفعله هو ما نقدمه اليوم، فإننا سنرى الانهيار يحدث من جديد، إلا أننا سبق أن شاهدنا هذا الفيلم، لذا علينا ألا نعيده مرة أخرى".
حفلة تخرج لعساكر من أكاديمية التدريب السورية في منطقة الشدادي – التاريخ 3 نيسان 2023
قوات النخبة عاجزة عن التجنيد
حاربت الولايات المتحدة تنظيم الدولة منذ أن سيطرت تلك الجماعة المقاتلة على ثلث مساحة سوريا و40% من مساحة العراق في عام 2014، ولهذا أعلن الجيش الأميركي في مطلع هذا العام بأن هنالك نحو 900 مجند أميركي في سوريا ضمن بعثة الجهود المشتركة مع قوات قسد لمنع ظهور تنظيم الدولة.
كما نُشر نحو 2500 مجند أميركي في العراق في مهمة استشارية رسمية حصراً نظراً لانتهاء المهمة القتالية للقوات الأميركية هناك منذ عام 2021.
خصص الكونغرس 5.5 مليارات دولار لهذه الجهود خلال السنة المالية لعام 2023، بحسب ما ورد في تقرير المفتش العام، وذكر المستشارون أن قوات مكافحة الإرهاب في العراق والتي تعتبر قوات النخبة لكونها تنفذ عمليات خاصة، لم تتمكن من تجنيد أي عنصر جديد منذ عام 2018، ولكن لديها من العناصر 16506 عنصراً، إلا أن هؤلاء لا يشكلون سوى 43% من القوات المخصصة لهذه القطعة العسكرية، وهذا ما يجعل الأمر مقلقاً بنظر بعض الخبراء.
يذكر أن التنسيق بين قوات الأمن العراقية وقوات الأمن الكردية توقف بحسب ما اكتشفه المفتش العام.
طالب لدى قوات الأمن الداخلي التابعة لقسد وهو يتفحص نبض زميله في محاكاة لعملية إنقاذ بعد الإصابة في محافظة الحسكة- التاريخ: 6 أيار 2023
ما يزال سلاح الجو العراقي يعتمد على المساعدة الأميركية في مجال تحديد أهداف الغارات، كما أن حاجة الطيارين العراقيين لتعلم اللغة الإنكليزية أضحى عقبة أمام عمليات التجنيد بحسب ما ورد في التقرير، وهذا ما أثار مخاوف شبيهة بتلك التي ثارت بخصوص تدريب الطيارين الأفغان.
"نموذج يفي بالغرض"
اعترف الرائد جيفري كارميتشيل، وهو الناطق الرسمي باسم عملية العزم الصلب، بأن بعض القوات الشريكة حققت مستوى أدنى من التقدم مقارنة بغيرها، ولكنه ذكر بأن تنظيم الدولة أصبح ضعيفاً للغاية، وأضاف في تصريح له صدر يوم الخميس: "عموماً، يمكن القول بأن النموذج يفي بالغرض".
تراجعت نسبة هجمات تنظيم الدولة خلال الفترة الواقعة بين نيسان وحزيران بنسبة 70% مقارنة بما كانت عليه خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وذلك بحسب ما ورد في تقرير المفتش العام، ثم إن معظم تلك الهجمات صغيرة ومباغتة واعتمدت على اقتناص فرص سانحة، كما أن الصعوبات المالية تمنع التنظيم من دفع رواتب منتظمة لمقاتليه.
غير أن محللين وصفوا المشهد بأنه مريع على المدى البعيد بالنسبة للوجود الأميركي في العراق ويزداد الأمر سوءاً مع سوريا.
إذ في الوقت الذي ضعف فيه تنظيم الدولة كثيراً، فمن المرجح أن يعود ليتسيد المشهد في الوقت المناسب، وذلك بحسب رأي المحللين والمسؤولين العسكريين الأميركيين.
هنالك زهاء عشرة آلاف مقاتل تابع لتنظيم الدولة محتجزون في سجون توزعت في مناطق مختلفة من شمال شرقي سوريا، وتخضع هذه السجون لحراسة من قبل قسد التي تعتبر شريكة للولايات المتحدة، إلا أن تعداد تلك القوات ذات الغالبية الكردية محدود، وبعضهم يتقاضى رشى، بحسب ما ذكره المفتش العام.
رغم أن تركيا حليف للولايات المتحدة، إلا أنها لا تفرق بين قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني الذي صنفته الولايات المتحدة كتنظيم إرهابي.
حفل تخرج وتوزيع شهادات على دفعة من أكاديمية التدريب السورية – التاريخ: 3 نيسان 2023
ساحة معقدة
مما يعقد الأمور المشهد الجيوسياسي المعقد بالأصل، إذ لروسيا والولايات المتحدة وجود عسكري في سوريا بموجب مهمة عسكرية معلنة تقضي بمحاربة تنظيم الدولة، إلا أن كلتيهما تدعمان الفصائل المسلحة التي يقف بعضها ضد بعضها الآخر، كما اتهمت الولايات المتحدة روسيا أكثر من مرة بالتحليق فوق القواعد العسكرية الأميركية.
ثم إن الميليشيات الموالية لإيران تشن هي الأخرى هجمات بمسيرات وصواريخ على القوات الأميركية وقوات التحالف في سوريا، وقد تسبب هجوم لها وقع في شهر آثار بمقتل متعاقد أميركي وجرح 25 جندياً آخرين.
بيد أن القوات الأميركية وقوات التحالف أعادت ضبط نظم المراقبة لتتحول إلى نظام الدفاع بدلاً من نظام الهجوم خلال العمليات الساعية لدحر تنظيم الدولة.
ولذلك يشجع المحللون رجال السياسة والجيش على ضرورة التعلم من أخطاء الماضي في العراق وأفغانستان وذلك لتبقى قوات قسد موجودة في المنطقة في حال انسحاب القوات الأميركية، وهذا يعني بأن على الولايات المتحدة أن تنتهج استراتيجية بعيدة المدى تسعى من خلالها لمعالجة المشكلات دبلوماسياً وعلى رأسها النزاع بين تركيا و"قسد"، وضعف الحكم في العراق، والنفوذ الروسي والإيراني في المنطقة.
إلا أن البنتاغون يبدو مهتماً أكثر بعدد هجمات تنظيم الدولة وعدد من قتل من قادته، بحسب رأي برايان كارتر وهو محلل لدى معهد المشروع الأميركي، وهذا ما دفعه للقول: "إننا نركز على الضربات القاضية التي تودي بكبار قادة تنظيم الدولة، إلا أن المشكلة تكمن هنا، وذلك لأن هذا الوضع لن يفضي إلى تحقيق نجاح دائم".
المصدر: Star & Stripes