في ١٥ يوليو الحالي، نشرت صحيفة الوطن السورية المحسوبة على نظام الأسد مقالاً تحت عنوان "عذراً علي أكبر ولايتي.. كان ليَسقط العالم وسوريا لن تسقط". تمّ تخصيص المقال للرد على تصريحات لـ علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الايرانية، كان قد أدلى بها في 13 من يوليو، خلال محاضرة ألقاها في ملتقى "فالداي" للحوار في موسكو، وقال فيها إن "حكومة بشار الأسد كانت ستسقُط خلالَ أسابيع لولا مساعدة إيران".
يعتبر هذا المقال سابقة من حيث اللغة المستخدمة في تفنيد كلام واحد من أرفع المسؤولين الإيرانيين وأكثرهم قرباً إلى المرشد الأعلى علي خامنئي. ومن البديهي القول أنّه ما كان لهذا المقال أن يُنشر لو لم يكن هناك ضوء أخضر من نظام الأسد،
أصبح الإيراني -في مرحلة من المراحل- بحاجة إلى من يسنده داخل سوريا، فكان أن سرّع من عملية الاستعانة بالميليشيات الشيعيّة، لاسيما العراقية والأفغانية والباكستانية، إلى أن اضطر في نهاية المطاف أن يستعين بروسيا في العام ٢٠١٥.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: لماذا الآن؟ وما الهدف من نشر مقال كهذا؟ خاصّة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ التصريحات الإيرانية حول دور طهران الحاسم في إنقاذ نظام الأسد من السقوط في مراحل مبكّرة من الثورة السورية ليست جديدة وليست طارئة لا شكلاً ولا مضموناً.
عادةً ما يُنظر إلى الأسد باعتباره الحلقة الأضعف في الصراع داخل سوريا وعليها، فقد اضطر منذ اندلاع الثورة السورية في العام ٢٠١١ إلى الاستعانة بالإيرانيين وميليشياتهم –على رأسهم حزب الله/لبنان- لمنع نظامه من السقوط. لم يستطع هذا التدخل أن يحل دون تغيّر بنية النظام وتحلّله فقط، وإنما أصبح الإيراني -في مرحلة من المراحل- بحاجة إلى من يسنده داخل سوريا، فكان أن سرّع من عملية الاستعانة بالميليشيات الشيعيّة، لاسيما العراقية والأفغانية والباكستانية، إلى أن اضطر في نهاية المطاف أن يستعين بروسيا في العام ٢٠١٥.
منذ ذلك الوقت، يتم تقاذف الأسد بين روسيا وإيران. ولطالما تساءل كثيرون عمّا إذا كان تأثير طهران على الأسد أكبر من تأثير موسكو أو العكس الصحيح. في كثير من المحطات ثبت أنّ نفوذ نظام الملالي على الأسد أكبر وأعمق، وقد ظهر ذلك بشكل جلي في نهاية معركة حلب، حيث حاول الأسد مع إيران عرقلة الاتفاقات الثنائية بين روسيا وتركيا. لكن منذ تلك الفترة راحت موسكو هي الأخرى تعزز من نفوذها وتأثيرها عليه لاسيما مع زيارة بوتين لسوريا واستدعاء الأسد عدّة مرات لموسكو.
بموازاة هذه التطورات، كان هناك خلاف دائم داخل نظام الأسد نفسه حول النفوذين الإيراني والروسي، خاصّة مع اتجاه الطرفين إلى إذلال أتباعه مراراً وتكراراً كطريقة للتعبير عن مدى قدرة كل منهما على إخضاع النظام السوري للأجندة الخاصة بهما. نوع آخر من الإذلال مارسته إسرائيل على نظام الأسد خلال العامين الماضيين بصورة بارزة، ويتضمن القصف المستمر لمواقع مهمّة داخل العمق السوري. حتى عندما حاول النظام أن يتحدى عمليات القصف هذه، تعرّض لأكبر حملة جوية إسرائيلية على الإطلاق منذ عقود، وكانت إسرائيل واضحة فيما تريده، وأتقنت فن استخدام سياسة العصى والجزرة معه بشكل تام.
في مايو الماضي، هدّدت إسرائيل الأسد بالقتل إن هو سمح لإيران باستخدام الأراضي السورية كقاعدة لإطلاق عمليات ضدها، وقال وزير الطاقة الإسرائيلي وعضو مجلس الوزراء الأمني المصغّر يوفال شتاينتز"إذا سمح الأسد لإيران بتحويل الأراضي السورية إلى قاعدة عسكرية ضدنا، لمهاجمتنا، فعليه أن يعرف أنها ستكون نهايته". وبعدها بشهرين تماماً، قال رئيس الوزراء نتنياهو إن إسرائيل "لا تعارض استقرار نظام بشار الأسد في سوريا"، على أن يتم إبعاد الإيرانيين من الحدود مع إسرائيل.
ومن المفارقات في هذا المجال، أنّه وعلى الرغم من أنّ الأسد هو الحلقة الأضعف،
لطالما تذرّعت موسكو بأنّ تدخلها في سوريا شرعي لأنّه جاء بطلب من "الحكومة السورية"، وكذلك فعل ويفعل الإيراني.
إلاّ أن حرّية عمل كل من إيران وروسيا وإسرائيل داخل سوريا، أصبحت تعتمد عليه بشكل كبير، وهذا ما يفسر إلى حدّ بعيد التجاذب والتنافس الحاصل بين هذه الأطراف الثلاث على إثبات مدى نفوذها وتأثيرها عليه. لطالما تذرّعت موسكو بأنّ تدخلها في سوريا شرعي لأنّه جاء بطلب من "الحكومة السورية"، وكذلك فعل ويفعل الإيراني، فعند مطالبته بمغادرة سوريا، يكرر معزوفة أنّه لن يخرج منها إلا بطلب من "الحكومة السورية". وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار التصريحات الإسرائيلية الأخيرة حول الأسد مضافةً إلى المقال المشار إليه أعلاه حول إيران، نستطيع أن نستنتج أنّ الأسد يحاول أن يستفيد من هذه المواقف للقيام بعملية إعادة تموضع وتحقيق التوازن بين نفوذ مختلف الأطراف.
ثمة ما يؤكّد مثل هذه التوجه، فعلى الرغم من أنّ الأسد مايزال يحتاج إلى النظام الإيراني، إلاّ أنّ نفوذ الأخير الطاغي داخل سوريا أصبح يشكّل خطراً، ليس عليه فقط، بل على عدد من القوى الإقليمية والدولية بما في ذلك روسيا وإسرائيل. ومع سيطرة النظام السوري على المزيد من الأراضي، أصبحت الحاجة إلى الجانب الإيراني أقل مما كانت عليه في السنوات السابقة بكثير. وبما أنّ نظام الأسد سيكون بحاجة في المرحلة القادمة إلى تأكيد شرعيته على الصعيد الإقليمي والدولي، فإن دور كل من موسكو وتل أبيب سيكون أكثر أهمّية بالنسبة إليه من دور طهران، لاسيما أنّنا على أبواب اشتباك أمريكي-إيراني في المنطقة على خلفية انسحاب الرئيس الأمريكي ترامب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات قاسية على نظام الملالي ستدخل حيّز التنفيذ في أغسطس ونوفمبر المقبل، ولا شك أنّ نظام الأسد لا يريد أن يكون في قلب هذه المعركة الخاصة بإيران لأن مصيره قد يصبح على المحك حينها.