هروب ستة أسرى فلسطينيين، معظمهم محكوم مؤبد، من سجن حصين في إسرائيل، عبر نفق حفروه في دورات المياه، في عملية "مثيرة" لا تحدث إلا في الأفلام السينمائية، هزت الجهازين السياسي والأمني في إسرائيل لدرجة الصدمة، وسط فرح وترحيب فلسطيني، فيما لا تزال تفاصيل العملية تتكشف تباعاً لحل هذا "اللغز".
لليوم الثاني من عملية هروب ستة أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع، لا تزال قوات الأمن الإسرائيلية تبحث عن أثر يوصلها إليهم، أو يفك لغز العملية التي هزت الجهازين السياسي والأمني الإسرائيليين، خاصة وأن هذا السجن يعتبر الأكثر تحصيناً في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ويطلق عليه اسم "الخَزنَة" لأنه محكم الإغلاق.
في ساعات الفجر الأولى من يوم أمس، الإثنين، وبينما يحتفل الإسرائيليون بعيد رأس السنة العبرية، وصل ستة أسرى فلسطينيين إلى ساعة الصفر لتنفيذ عملية الهروب من أعتى سجون الاحتلال، في عملية وصفها الفلسطينيون بأنها "عملية انتزاع الحرية".
بدأت العملية في نحو الساعة الواحدة والنصف، رفع الأسرى غطاء معدنيا من أرضية دورات المياه في الزنزانة التي حبسوا فيها، وتسللوا عبر نفق استغرقوا في حفره خمسة أشهر.
ونشرت مصلحة السجون الإسرائيلية شريط فيديو لفتحة أسفل مغسلة في الزنزانة التي يوجد فيها الأسرى قبل فرارهم. وتؤدي الفتحة إلى نفق يصل إلى خارج حدود السجن. لكن السلطات لم تشرح كيف تم حفر النفق وأين ذهب الرمل الذي تم استخراجه خلال عملية الحفر؟
وقالت مصلحة السجون أنها عند الساعة 3:29 صباحاً (يوم الإثنين)، أبلغت الشرطة عن اختفاء ثلاثة أسرى فأرسلت الشرطة تعزيزات إلى السجن. وفي الساعة 4:00 صباحاً تبين أن ستة أسرى هربوا من السجن، وليس ثلاثة.
وأضافت، بأنها عثرت على مخرج النفق على بعد أمتار قليلة خارج جدران السجن وكان مغطى بالأعشاب.
اكتشفوا ثغرة هندسية في مبنى السجن
ذكر موقع "واللا" العبري، أن هروب الأسرى الستة، من سجن جلبوع، لم يحدث بين عشية وضحاها، وإنما نتيجة تخطيط طويل وتنقيب ورسم خرائط، وتشير التقديرات إلى أنها استغرقت عدة أشهر.
ويضيف الموقع الإخباري، أن حفر نفق بالطول والجودة التي نفذها الأسرى يتطلب وقتاً طويلاً وقدراً كبيراً من التنظيم، ما طرح كثيرا من الانتقادات لمسؤولي سلطة السجون لأنهم لم يكتشفوا عملية الهروب أثناء الإعداد لها، منذ فترة طويلة.
وبحسب صحيفة "معاريف"، نفت التحقيقات الأولية من قبل غرفة الطوارئ، التي أنشأتها الشرطة لمتابعة هذه العلمية، ادعاء كبار المسؤولين في مصلحة السجون، بأن الأسرى لم يحفروا النفق كله، وإنما استغلوا فراغاً قائماً تحت دورات المياه في السجن.
وأشارت التحقيقات، أن الفارين استعانوا بخرائط للسجن، نشرتها الشركة الهندسية التي أعدت تصميم المبنى على موقعها الإلكتروني.
وكانت الخرائط متاحة لجميع المستخدمين الراغبين في تحميلها، ولكن بعد كشف عملية الهرب تم إغلاق موقع الشركة على الشبكة، إلا أن صور الخرائط لا تزال معروضة على محرك البحث "غوغل".
وذكرت "هآرتس"، أن المخطط الهندسي يظهر مبنى السجن وأقسامه المختلفة، بما في ذلك القسم رقم "2" الذي نفذت منه علمية الفرار.
يعد سجن "جلبوع" من أحصن السجون الإسرائيلية وأشدها رقابة، تحتجز فيه سلطات الاحتلال أسرى فلسطينيين، تتهمهم بتنفيذ عمليات داخل إسرائيل، أفتتحته في عام 2004، بعدما أشرف خبراء إيرلنديون على بنائه.
وقال وزير الأمن الداخلي، عومر بارليف، في منشور له على الفيس بوك إنه " لا داعي لأن تكون عبقرياً عظيماً لتفهم أنها حادثة إخفاق خطيرة هنا".
وأشار بارليف إلى الإخفاقات الهندسية في بناء سجن جلبوع، وقال إنه من أجل الوقت والمال تم بناء السجون فوق أعمدة رفعته قليلاً عن الأرض وخلق نوعاً من الخندق تحت أرضية السجن.
شكوك بتلقيهم مساعدة
وتحقق وحدة "لاهاف 433" (منظمة إسرائيلية لمكافحة الجريمة تابعة لجهاز الشرطة، أنشئت في 2008، وتعرف باسم "مكتب التحقيقات الفيدرالي الإسرائيلي") في إمكانية قيام أشخاص من طاقم العاملين في السجن بمساعدة الأسرى على الهرب.
وبحسب معظم التغطيات في الصحافة العبرية، لهذا الحدث الذي أثار ضجة كبيرة في إسرائيل، يسود الاشتباه بأن هناك من ساعد الأسرى على الهرب.
وتشير التحقيقات إلى أن السجانة التي كانت تحرس في برج المراقبة، استغرقت في النوم، وأن الحراس الذين جلسوا أمام تسعة شاشات بلازما وكان من المفترض أن ينظروا إلى ما تنقله الكاميرات الأمنية لم يدركوا ما كان يحدث بسبب قلة الانتباه، وفي الحقيقة قدموا بسبب إهمالهم "مساعدة" كبيرة لعملية الهرب الخطيرة، بحسب "معاريف".
وأظهرت الكاميرات الأمنية، أن الأسرى الفارين بعد ابتعادهم لمسافة ثلاثة أميال على الأقل، عن مبنى السجن، أقلتهم سيارة واحدة، على الأقل، نقلتهم بعيداً وتقول الشرطة الإسرائيلية: "لقد استعانوا بمساعدين من الخارج، وربما كانوا أكثر من واحد".
هذه ليست الحادثة الأولى من هذا النوع، ففي عام 2014 وقع حادث مماثل في السجن نفسه، حيث اقتلع أسرى أمنيون دعامة سرير وحفروا بواسطتها في حمام إحدى الزنازين. ولكنه تم القبض عليهم في اللحظة الأخيرة، الأمر الذي يعكس حجم الإخفاق.
التحقيقات الأولية
تعيش إسرائيل، على المستوى الرسمي والشعبي، حالة من الاستنفار الأمني والسياسي، قطعت إجازة عيد رأس السنة، في البحث عن الأسرى الفارين والكشف عن ملابسات العملية، التي أحدثت ضجة من العيار الثقيل.
وتكشف عناوين الصحف الإسرائيلية "حالة الصدمة" التي أصابت المسؤولين الإسرائيليين، منذ اكتشاف عملية الهرب عبر نفق عمل الأسرى على حفره طوال خمسة أشهر، ومن داخل زنزانة في قسم رقم 2 إلى خارج السجن.
ووصفت وسائل الإعلام ما حدث بأنه "إخفاق تلو إخفاق"، وحسب تقديرات الشرطة فإن بعض الأسرى الستة باتوا في الضفة الغربية أو الأردن أو حتى لبنان.
ولاتزال الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تبحث عن الأسرى الستة في حين فتحت الجهات المختصة تحقيقا في تداعيات الحادث من مختلف جوانبه، والتي وصلت حد التشكيك في تلقي الأسرى الفارين مساعدة من طاقم السجن.
وقامت مصلحة السجون بنقل الأسرى من القسم "2" في سجن جلبوع، القسم الذي فر منه الأسرى، ووزعتهم على عدة سجون في إسرائيل، وذلك بهدف "تفكيك مركز القوة في القسم الذي هرب منه الأسرى"، بحسب مسؤول في هذا الجهاز.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الشرطة الإسرائيلية نشرت 200 نقطة تفتيش في عموم إسرائيل.
وتشارك كثير من قوات الشرطة الإسرائيلية حالياً في البحث عن الأسرى. وحسب الصحيفة، فقد نشر نحو ألف شرطي، من مختلف الوحدات، في أنحاء البلاد، تحسباً لمحاولة الأسرى تنفيذ هجمات داخل البلاد أو اجتياز الحدود إلى الخارج.
من هم الأسرى؟
تبين من الرصد الذي أجراه موقع "تلفزيون سوريا" أن الأسرى الستة معظمهم في العقد الرابع من العمر، أربعة منهم محكومون مؤبد، وتعتبرهم سلطات الاحتلال "سجناء أمنيين"، وجميعهم من سكان جنين وما حولها في الضفة الغربية، وهم:
- الأسير محمود عبد الله عارضة (46 سنة) من عرابة جنين، معتقل منذ عام 1996، ومحكوم مؤبد.
- الأسير محمد قاسم عارضة (39 سنة) من عرابة، معتقل منذ 2002 ومحكوم مؤبد.
- الأسير يعقوب محمود قادري (49 سنة) من بير الباشا، معتقل منذ 2003 ومحكوم مؤبد.
- الأسير أيهم نايف كمنجي (35 سنة) من كفر دان، معتقل منذ 2006 ومحكوم مؤبد.
- الأسير زكريا زبيدي (46 سنة) من مخيم جنين، معتقل منذ 2019، بتهمة الانتماء إلى "كتائب الأقصى" في مدينة رام الله بالضفة الغربية، وكان موقوفاً ولم يصدر بحقه حكم.
- الأسير مناضل يعقوب انفيعات (26 سنة) من يعبد معتقل منذ 2019.
ونقلت قناة "كان" الإسرائيلية، شبه الرسمية، عن مصادر أمنية، لم تسمّها، أن الأسير زبيدي انتقل إلى الزنزانة التي نفذت منها العملية قبل يوم واحد فقط.
في المقابل، احتفل مئات من الفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة، عبر تنظيم مسيرات وتوزيع الحلويات، ابتهاجاً بالعملية، ورفعوا لافتات كُتب عليها "أبطال عملية انتزاع الحرية".
إلى ساعة نشر هذا التقرير، لم تعثر المطادرات الإسرائيلية الحثيثة على الأسرى الفارين، وسط تقديرات بأنهم اجتازوا الخط الأخضر واحتمال وصول اثنين منهم إلى الأردن.