icon
التغطية الحية

تضاعف مأساة النزوح.. سفينة "المفوضية" أسوأ أنواع الخيام في سوريا | صور

2022.03.10 | 05:25 دمشق

4_5969688586465839285_-_copy.jpg
خيمة من نوع "السفينة" في إحدى مخيمات الشمال السوري (الدفاع المدني)
إدلب - فائز الدغيم
+A
حجم الخط
-A

"لمست جسد طفلتي فوجدته كقطعة جليد.. أنا أعيش في خيمة السفينة، وكأنك تقضي الشتاء بلا خيمة"، بهذه الكلمات لخص والد الطفلة فاطمة الحسن الوضع الذي كان سبب وفاة طفلته نتيجة البرد في مخيم الليث قرب بلدة حربنوش بريف إدلب.

لم تكن فاطمة الحسن ذات الأيام السبعة هي الوحيدة التي توفيت بسبب البرد في مخيمات الشمال السوري، حيث لاقت أمينة سلامة ذات الشهرين المصير نفسه في مخيم آخر في الليلة الشتوية الباردة ذاتها، التي قضتها آلاف العائلات في المخيمات بلا أي وسيلة تدفئة وبخيام لا تقيهم برد الشتاء القارس.

بلغ عدد المخيمات المتضررة من العوامل الجوية في العام الماضي 611 مخيماً، حيث تهدّمت 3245 خيمة ولحق الضرر بقرابة ربع مليون شخص، بحسب إحصائيات فريق منسقو استجابة سوريا المختص بمتابعة الوضع الإنساني في شمال غربي سوريا.

وفي شهر كانون الثاني الفائت تعرضت مناطق شمال غربي سوريا لعدة منخفضات جوية، حيث امتدت العاصفة الأولى الثلجية والمطرية ليومين بتاريخ 18 و19 كانون الثاني، وضربت الثانية المنطقة منتصف ليل 23 كانون الثاني، حيث شهدت مناطق ريف حلب الشمالي تساقطاً كثيفاً للثلوج أدى إلى محاصرة عدد من مخيمات النازحين وغرقها بالمياه وقطع الطرق المؤدية إليها.

وتضررت من جراء العواصف الثلجية والمطرية خلال الشهر الفائت أكثر من 2750 خيمةً بشكل جزئي (تساقطت عليها الثلوج بكثافة ومنها ما تسربت إليه مياه الأمطار) و1320 خيمة انهارت بشكل كامل (غمرتها الثلوج والأمطار بشكل كامل) وكانت تقطن في تلك الخيام أكثر من 3450 عائلة، بحسب الدفاع المدني.

ولا تقتصر معاناة النازحين في المخيمات على العوامل الطبيعية، فالحرائق هي الأخرى تكثر ضمن المخيمات بسبب طبيعة أغطية الخيام البلاستيكية والقماشية، حيث أحصى فريق منسقو استجابة سوريا أيضاً نشوب 157 حريقاً تضرر خلالها 302 خيمة خلال العام الماضي، بينما بلغ عدد الحرائق في شهر كانون الثاني لهذا العام 28 حريقاً، تسببت يتضرر 37 خيمة، ووفاة ثلاثة أطفال وإصابة ثلاثة أطفال آخرين وثلاثة أطفال.

 

271175357_5255436321167713_6559882748445365439_n.jpg

 

الخيام الأكثر انتشاراً في الشمال السوري

يبلغ عدد المخيمات في الشمال السوري 1489 مخيماً ما بين مخيمات منظمة وأخرى عشوائية، تؤوي أكثر من مليون ونصف المليون شخص، وتنتشر في تلك المخيمات أنواع عديدة من الخيام أبرزها حسب التسميات المحلية "خيمة القوس"، و"خيمة الجملون"، و"خيمة السفينة"، والخيام المصنعة محلياً.

ولكل واحدة من تلك الخيام نقاط إيجابية وأخرى سلبية، حيث زار موقع تلفزيون سوريا عدداً من المخيمات والتقى بالنازحين إليها وتحدث معهم عن أنواع الخيام وجودتها وسلبياتها وأجمعت آراء النازحين على ترتيب الخيام المقدمة كدعم من المنظمات الإنسانية والجهات الدولية وفق التالي:

خيمة القوس: اعتبر النازحون أنها الأفضل، لأن تصميمها الذي يشبه نصف الدائرة يجعل من الجدران والسقف قطعة وحدة منحنية، لا تتجمع المياه والثلوج على سقفها، ولا جدران منتصبة تتعرض لضربات الرياح وتتمزق، ولا يخاف سكانها من خطر اقتلاع الرياح لها.

كما أن أعمدتها وعوارضها من الحديد وأغطيتها من أقمشة مقاومة للعوامل الجوية وتسرب المياه.

 

 

خيمة الجملون: وتأتي بجودتها بعد خيمة القوس ويطلق عليها أسماء محلية أخرى بعضها تنسب للمنظمات التي أدخلتها إلى الشمال السوري كاسم خيمة الآفاد نسبة إلى منظمة آفاد التركية، وتمتاز هذه الخيمة بأعمدة وعوارض معدنية، وأغطية من أقمشة جيدة تتحمل العوامل الجوية بشكل جيد وتقاوم تسرب المياه، لكن انتصابها القائم على الأرض يهدد باقتلاعها أمام الرياح.

Picture1_0.jpg
صورة لخيمة الجملون من موقع الشركة المصنعة

خيمة السفينة: والتي تعتبر الأسوأ على الإطلاق بحسب تجارب النازحين، والمعروفة عالمياً باسم "خيمة المفوضية" نسبة إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر،

الخيمة التي يبلغ سعرها على موقع الشركة المصنعة لها Western Shelter 600 دولار أميركي، مصممة لإيواء ما يصل إلى خمسة أشخاص لمدة عام واحد فقط، الشركة أيضاً تضع في الإعلان المخصص لبيع الخيمة أنها تتوافق مع الحد الأدنى الموصى به من مساحة المعيشة في المناخات الحارة، وتتجاوز المتطلبات في المناخات الباردة، مقاومة للماء ، والعفن ، والأشعة فوق البنفسجية ، ومصنعة من مواد مثبّطة للحريق.

 

خيمة السفينة

 

لكن أي من ذلك لم يكن صحيحاً بحسب تجارب النازحين الذين يعيشون داخلها، فالنازحون قالوا إن الخيمة " لا تصلح لأن تكون إسطبلاً للحيوانات".

وتقضي بعض العائلات سنوات عديدة تحتها دون أن يتم استبدالها من قبل المنظمات الإنسانية، إلا في حالات تمزقها، أو احتراقها.

 

erert.jpg
صورة خيمة السفينة من موقع الشركة المصنعة

 

الحياة داخل خيمة السفينة

الحياة داخل خيمة السفينة أو خيمة المفوضية لا تشبه الحياة بحسب وصف النازحين الذين التقاهم موقع تلفزيون سوريا، فهي لا ترد حر الصيف حيث أصيب عدد كبير من يعيشون بداخلها وخصيصاً الأطفال بضربات الشمس خلال فصل الصيف، كما أنها لا تقيهم برد الشتاء وهو ما تسبب بوفاة الطفلة فاطمة الحسن التي قضت أيامها القليلة قبل مفارقتها الحياة تحت ظلها، فرداءة الخيمة تجعلها لا تقاوم الظروف الجوية من حر وبرد، فضلاً عن كونها سريعة الاشتعال.

مخيم الشيخ بحر الجنوبي هو أحد المخيمات المنظمة، والذي تشرف عليه جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية حصلت فيه حالتا احتراق لخيام السفينة ولم تستغرق تلك الخيام أكثر من ثوان معدودة حتى احترقت بشكل كامل، وفق ما أفاد به سكان المخيم لموقع تلفزيون سوريا.

واشتكى النازحون من رداءة الخيمة، وقالوا إنهم وُعدوا بتغيير خيمة السفينة واستبدالها بنوع آخر من الخيام منذ نقلهم من المخيمات العشوائية إلى هذا المخيم المنظم لكنها لم تستبدل منذ عام ونصف، وأن "جمعية عطاء" تصر على إبقاء جميع خيام المخيم من نوع خيام السفينة فقط، وتستبدل الخيمة التي تتعرض للتمزق بفعل الرياح أو تتعرض للاحتراق بخيمة سفينة أخرى، حتى إنها تأخذ بقايا الخيمة القديمة ولا تترك لهم الفرصة لاستخدامها كغطاء على شكل طبقة ثانية لدعم غطاء الخيمة الرقيق الرديء.

نقل موقع تلفزيون سوريا شكاوى النازحين إلى منسق قطاع إدارة المخيمات والمأوى في جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية محمد زيتون، الذي قال بأن دور عطاء في مخيم الشيخ بحر أو باقي المخيمات المنشأة من قبل المنظمة الدولية للهجرة IOM هو فقط الأنشطة ذات الصلة بقطاع إدارة وتنسيق المخيمات، أما ما يتعلق بالمساكن فهو نشاط متعلق بقطاع الإيواء، ومنحتهم لا صلة لها به.

وحول منع السكان من إجراء تعديلات على طبيعة المسكن أو تغيير نوع الخيمة أو إجراء أعمال بناء جزئية كبناء حواف بيتونية تثبت الخيمة وتمنع تسرب المياه إلى داخلها؛ أجاب زيتون بأن عطاء لا شأن لها بهذا الأمر ولا تستطيع منع أحد من إجراء أي تعديل، لكن ذلك يخالف المدونة الموقعة مع النازحين عند إسكانهم في المخيم والتي تنص على منع إجراء أي تغييرات في المسكن أو إنشاء بناء مكانه أو التصرف فيه كبيعه أو تأجيره أو تسليمه لأسرة أخرى.

وأكد زيتون أن أي خرق للمدونة يعطي الطرف الآخر  IOM حق مطالبة العائلة بالمغادرة.

وحول دورهم في عطاء، قال زيتون إنهم يعملون دوماً على المناصرة والتذكير ورفع مطالب النازحين إلى IOM بما يتعلق بموضوع المساكن.

تنتشر في الشمال السوري 11 مخيماً تتبع للمنظمة الدولية للهجرة وجميع خيامها من نوع السفينة ويعاني سكانها معاناة مضاعفة عن غيرهم في خيام أخرى، مع إصرار المنظمة على الإبقاء على هذا النوع من الخيام حصراً.

وراسل موقع تلفزيون سوريا مروان الجندي مسؤول برنامج المياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية والمأوى في المنظمة الدولية للهجرة، للرد على شكاوي النازحين ومعرفة ما إذا نفذت المفوضية استبيانات تقييم بشأن خيمة السفينة، وسبب إصرار المنظمة على شراء وتقديم هذا النوع من الخيم؛ إلا أننا لم نلق إجابة على تساؤلاتنا.

لا تقتصر سلبيات خيمة السفينة على رداءتها في مواجهة العوامل الجوية، بل تتخطى ذلك إلى حرمان العوائل من التمتع بخصوصيتها بسبب رقة جدرانها حيث تبدو جميع تحركات من في داخل الخيمة المضاءة واضحة للخارج في الليل، كما أن ارتفاعها القليل يسبب المضايقة في الوقوف لسكانها الذين لا يستطيعون رفعها على جدران إسمنتية في الخيام المنظمة.

 

 

كما أن رداءة الأنواع الجديدة من خيام السفينة والتي تحدث النازحون عن فقدانها الطبقة العازلة التي كانت تطلى بها خيام السفينة القديمة يجعلها عبارة عن قطعة قماش لا أكثر، الأمر الذي يجبر النازحين على شراء أغطية عازلة "شوادر" لتثبيتها فوق سقف وجوانب الخيمة القماشية لمنع تسرب مياه الأمطار إلى داخلها.

 

Picture1.jpg
تصميم خيمة المفوضية أو خيمة السفينة بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين

 

أنواع خيم أخرى أقل انتشاراً

هناك أنواع أخرى من الخيام في الشمال السوري لكنها قليلة الانتشار كخيمة مأوى الطوارئ والتي تتكون من أعمدة وعوارض خشبية وأغطية بلاستيكية، التي تبلغ كلفتها 100 دولار أميركي فقط، والتي يبلغ العمر الافتراضي لأغطيتها شهراً واحداً ولأعمدتها وعوارضها الخشبية عاماً واحداً في أحسن الأحوال، وقد رصد موقع تلفزيون سوريا قيام منظمة SARD  ببناء هذا النوع من الخيام

 

 

"وحدة إسكان اللاجئين" أو "خيمة البيتر شلتر" أو "الخيمة البلاستيكية" كما تسمى محلياً والتي يبلغ سعرها 1300 دولار أميركي، يقدر عمرها الافتراضي بثلاث سنوات، بحسب الشركة المصنعة  "Better shelter" والتي صنعتها من ألواح بلاستيكية صلبة لمقاومة العوامل الجوية ومنح الخصوصية للعوائل داخلها، ويشيع استخدامها في مراكز احتجاز اللاجئين في اليونان، كما بدأت تنصب في الشمال السوري في بعض المخيمات المنظمة التي تشرف عليها منظمتا وطن ومرام كمخيمات كفر جالس.

 

5O0B5818-logo.jpg
خيمة بيتر شلتر

 

أيضاً تنتشر كرفانات الإيواء مسبقة الصنع والتي يبلغ سعرها قرابة 3000 دولار أميركي، ويتراوح عمرها الافتراضي من 5 إلى 10 سنوات، لكنها لا تستخدم للسكن حيث إن وجودها يقتصر على إقامة النقاط الطبية والمراكز الصحية للمخيمات فيها.

 

بلايبلايبلسي.jpg

الخيام محلية الصنع هي الأفضل

على الرغم من تقديم أنواع كثيرة من الخيام من قبل المنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة، إلا أن نوعاً آخر من الخيام يشيع استخدامه في مخيمات الشمال السوري والعشوائية تحديداً، وهي الخيم المصنعة محلياً، والتي طورها النازحون بحسب الظروف الجوية التي يعيشونها وطبيعة الأسرة.

وتتألف الخيمة المصنعة محلياً من أعمدة وعوارض حديدية قابلة للفك والتركيب في حال الانتقال إلى موقع آخر، بسعر إجمالي للخيمة الكبيرة ذات الأبعاد 6×4 متر قرابة 180 دولاراً أميركياً، كما أن لغطاء الخيمة عدة طبقات: العلوية عازل بلاستيكي يسمى (شادر) يبلغ سعره نحو 50 دولاراً أميركياً وتحته طبقة من الأغطية (بطانيات) تبلغ قيمتها نحو 50 دولاراً، وأرضية لعزل الخيمة تبلغ قيمتها قرابة 12 دولاراً.

ويمنح هذا النوع من الخيام جزءاً أفضل من العزل وكذلك الخصوصية، ومن الممكن تقطيع الخيمة إلى عدد من الأقسام كقسم لنوم الفتيات وآخر لنوم الشبان وقسم ثالث للجلوس والطعام، كما تمتاز هذه الخيام بمتانتها وطرق تثبيتها الكثيرة عبر وجود الدعائم والحبال، فضلاً عن ارتفاعها المناسب.

 

5O0B0042-logo.jpg
خيمة محلية الصنع

 

تجارة الخيام رائجة في الشمال السوري

لا تكلفك عملية البحث في الشمال السوري سوى عن سؤال أي شخص في أحد الأسواق عن تاجر "مواد إغاثية" وهو ما حصل مع موقع تلفزيون سوريا عندما التقى أبو محمود تاجر المواد الإغاثية الذي تحدث عن امتلاكه أنواعاً عديدة من الخيام.

وأكد أبو محمود أن النازحين في المخيمات العشوائية يبيعون الخيام المقدمة إليهم ليشتروا بدلاً منها خياماً أخرى تكون ذات جودة أفضل أو مساحة أكبر، كاستبدال خيام السفينة بخيام القوس أو الجملون، حيث تختلف أسعار الخيام بحسب التصميم ونوعية معدن الأعمدة والعوارض ونوعية طبقة غطاء الخيمة فمثلا تتدرج أسعار بعض الخيام كالتالي:

  • خيمة الجملون: قياس كبير ذات غطاء جلدي عازل ممتاز سعرها 180 دولاراً أميركياً
  • خيمة الجملون: قياس صغير (آفاد) بنفس المواصفات سعرها 145 دولاراً أميركياً
  • خيمة مرام ذات الـ 26 قضيباً معدنياً حديدياً - قياس صغير سعرها 165 دولاراً أميركياً
  • خيمة السفينة سعرها 130 دولاراً أميركياً

وعند سؤاله عن الفئة التي تشتري خيام السفينة، أفاد التاجر بأن المنظمات هي من تشتري هذه الخيام لتعاود بناءها للنازحين، الذين بدورهم سيبيعونها لاستبدالها بنوعية أفضل.

خلاصة ما سبق تفيد بأنه على المنظمات الدولية والمحلية المعنية بالشأن الإنساني استبدال الخيام عند انتهاء عمرها الافتراضي، وعدم الإبقاء عليها لسنوات طويلة دون تبديل، فالمواد الداخلة في صنع الخيام تفقد خواصها بفعل العوامل الجوية ومرور الزمن، حتى تتحول إلى قطعة من القماش لا قيمة لها، كما أن دعم عجلة صناعة الخيام محلياً يعود بالنفع على اقتصاد المجتمعات النازحة، ويؤمن للنازحين خياماً تتواءم مع طبيعة أسرهم وخصوصيتها وتتلاءم مع الظروف الجوية المختلفة، وتتمتع بديمومة أطول.

لكن في العموم تبقى الخيمة بحد ذاتها مهما كان نوعها مشكلة أساسية يعيشها النازح الذي فقد منزلاً كان يمنحه الدفء والخصوصية والاستقرار.

العيش في المخيمات يعني حالة عدم استقرار يعيشها ملايين السوريين، وعدم بقائهم ضمن شريحة المستهلكين بعيداً عن عملية الإنتاج التي يحتاجها الفرد والمجتمع الذي طال به أمد النزوح، ولا بصيص أمل يلوح في الأفق عن عودة قريبة.