في بداية شهر أيار/ مايو الحالي كشفت وسائل إعلام تابعة للنظام السوري عن تأجيل اجتماع لجنة الاتصال العربية مع سوريا المكونة من الأردن والعراق والسعودية ولبنان ومصر، حيث كان انعقاد الاجتماع الجديد مقررا خلال الشهر الحالي في العاصمة العراقية بغداد.
تأسيس لجنة الاتصال ربيع عام 2023 بالأصل نتج عن اختلاف رؤى الدول العربية تجاه التعاطي مع النظام السوري، حيث اندفعت السعودية لاستعادة العلاقات الدبلوماسية معه وأتاحت لبشار الأسد حضور قمة الرياض في أيار/ مايو 2023، بالمقابل تحفظت الأردن على هذه الاندفاعة لأنها لا تلبي مطالبها الأمنية، في حين رفضت كل من قطر والكويت تطبيع العلاقات مع النظام، وربطت مصر عملية التطبيع بحصول تقدم بالحل السياسي، وفي نهاية المطاف تمكنت الأردن عبر دبلوماسيتها الدفاع باتجاه تشكيل لجنة مراقبة عربية للمسار، لضمان ربط عملية التطبيع بتغيير سلوك النظام تجاه الدول الجوار.
تبدل المعطيات السياسية
بعد إطلاق لجنة الاتصال العربية حصلت تبدلات عديدة في المعطيات السياسية على الساحة الدولية، أثرت إلى حد بعيد على تطبيع الدول العربية مع النظام السوري بالإضافة إلى نشاطات لجنة الاتصال العربية.
دخلت العلاقات السعودية مع النظام السوري في مرحلة تباطئ بعد اندفاعية وصلت إلى حد افتتاح سفارة للنظام في الرياض، لكنها حتى اللحظة تحجم عن تعيين سفير لها في دمشق، نظراً لأن دخولها في هذا المسار بالأصل مدفوع بتفاهمات حصلت بشكل منفصل مع كل من روسيا وإيران، تضمنت التوافق على تصفير المشكلات بما فيها دفع التسوية اليمنية إلى الأمام، لكن مع عودة تصعيد جماعة الحوثي في البحر الأحمر منذ آواخر عام 2023 وعودة زخم الهجمات الأميركية ضد الجماعة، ضغطت واشنطن من أجل منع استكمال تفاهمات التسوية اليمنية برعاية سعودية، ليعود التوتر والتحشيد على الجبهات اليمنية بانتظار أي شرارة قد تشعل فتيل المواجهة مجدداً.
يبدو أن الإمارات اتخذت بعض الخطوات للوراء مع النظام السوري، في ظل ما يظهر أنه تفضيل الأخير لتوثيق علاقته مع السعودية بحكم وزنها العربي والإقليمي
حافظت السعودية على قنوات الاتصال الدبلوماسية مع النظام من أجل استثماره في إطار تعزيز حضور الرياض على الساحة الإقليمية، خاصة بعد اندلاع حرب غزة وحاجة كل من إيران وإسرائيل وأميركا لقنوات دبلوماسية غير مباشرة من أجل احتواء توسع المواجهات واتساع رقعتها، وهنا تبرز أهمية الاحتفاظ بالاتصال مع النظام السوري الذي تنتشر قواته على حدود هضبة الجولان إلى جانب الميليشيات المدعومة إيرانياً، لكن الأمر حتى اللحظة لا يتخطى بعض الاتصالات التي تحقق بعض المكاسب السياسية للنظام لكن دون توفير انتعاش اقتصادي له.
على صعيد آخر، ثمة تقدم في مسار المباحثات السعودية الأميركية من أجل صياغة اتفاق أمني يحقق للسعودية متطلبات أمنها القومي، ومع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، والتي قد تفضي إلى عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وحينذاك قد لا تكون الرياض مضطرة كثيراً لخطواتها التي اتخذتها خلال السنوات الماضية من أجل محاولة التقارب مع كل من روسيا والصين وإيران في ظل عدم الاستجابة الأميركية لمصالحها.
ويبدو أن الإمارات اتخذت بعض الخطوات للوراء مع النظام السوري، في ظل ما يظهر أنه تفضيل الأخير لتوثيق علاقته مع السعودية بحكم وزنها العربي والإقليمي.
عموما، تترقب دول الإقليم المرحلة التي ستلي بعد حرب غزة، لمعرفة طبيعة توجهات السياسة الدولية تجاه المنطقة وخاصة أميركا، وبناء عليه إما ستجري الدول الإقليمية مراجعة لمساراتها الحالية أو ستقوم بتعميقها.
الأردن يغير تعاطيه مع النظام السوري
تضمنت مقاربة الأردن تجاه النظام السوري فتح قنوات الاتصال معه، مقابل التلويح بجزرة إقناع الإدارة الأميركية بتخفيف العقوبات الاقتصادية عنه، أملاً بأن يستجيب النظام ويوقف عمليات تهريب المخدرات والسلاح باتجاه الأردن، وقد نجحت عمان وبعض الجهات العربية الأخرى من خلال دبلوماسيتها بتجنب إقرار إدارة بايدن لقانون مكافحة التطبيع مع الأسد، دون قرارات تتعلق بتخفيف العقوبات عنها.
إلى جانب ما سبق، أدركت عمان أن قرار وقف تهريب المخدرات والأسلحة من عدمه مرتبط بقرار الفصائل المنضوية ضمن الحشد الشعبي، وعلى الأخص كتائب حزب الله التي أعلنت في نيسان/ أبريل 2024 استعدادها لتسليح آلاف الأردنيين، ولذا اتجهت للحديث بشكل مباشر مع قيادة الحشد الشعبي على أمل إقناعها بالحفاظ على أمن الأردن، وقللت من اعتمادها على المحادثات المباشرة مع النظام السوري.
وفي ظل عدم قدرة النظام السوري على عدم الخروج من العباءة الإيرانية كما يحاول الترويج لها في الأوساط العربية، باتت العواصم العربية تدرك ضرورة التفاوض مع إيران أو وكلائها الأكثر تأثيراً على سياساتها في المنطقة من الأسد بهدف حل المشكلات العالقة، وهذا قد يضع النظام السوري في معضلة حقيقية تدفعه لتقديم التنازلات للآخرين لكن مقابل حصد إيران للمكاسب.