تشابك الصراعات.. غزة ولبنان وشمالي سوريا في لعبة إقليمية معقدة

2024.09.27 | 06:39 دمشق

آخر تحديث: 27.09.2024 | 06:39 دمشق

y]GF
+A
حجم الخط
-A

في خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة، نجد أنفسنا أمام مشهد سياسي وعسكري بالغ التعقيد، حيث تتشابك المصالح وتتداخل الأجندات بشكل يصعب فك شيفراته بسهولة. 

فبينما تشتعل جبهة جنوب لبنان بتبادل القصف بين إسرائيل و"حزب الله"، نرى تصعيداً متزامناً من قبل نظام الأسد على مناطق في شمالي سوريا، خاصة في منطقة "كفريا" شرقي إدلب. يثير هذا التصعيد العديد من التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين هذه التطورات وما تخفيه من أبعاد استراتيجية، وهل يعكس الأمر مجرد تزامن في التصعيدات أم أن هناك تنسيقا خفيا بين الأطراف المختلفة؟

من الواضح أن نظام الأسد يستغل التوترات الإقليمية والانشغال الدولي ليواصل ارتكاب المجازر ضد المدنيين دون رادع أو محاسبة، وسط غياب أي آلية دولية لحماية المدنيين أو محاسبة النظام. ويؤكد هذا الأمر مطالب مؤسسات المعارضة السورية السياسية والعسكرية بإنفاذ الحل السياسي وفق قراري مجلس الأمن 2254 و2118 لتحقيق تطلعات الشعب السوري وإنهاء مأساته.

هذه التطورات تسلط الضوء على تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في الشرق الأوسط، حيث تبدو التحالفات والمعارك متداخلة، والخلافات أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه على السطح.

من الصعب الجزم، لكن من المؤكد أن الصراعات في المنطقة غالبًا ما تكون متداخلة. قد يسعى النظام السوري إلى إرسال رسائل متعددة الأطراف من خلال تصعيده العسكري في إدلب، خاصة مع انشغال "حزب الله" بجبهة لبنان.

ربما نكون أمام احتمالات تعاون غير معلن بين النظام السوري وإيران و"حزب الله" من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، رغم الصراعات المعلنة بين هذه الأطراف. فكل منهم يتطلع إلى تحقيق مصالحه الخاصة في الوقت المناسب، وفي بعض الأحيان، تتقاطع تلك المصالح بشكل لا يرضي الجميع، ولكنه يحقق الحد الأدنى من المكاسب المشتركة.

السؤال الأبرز وسط هذه التطورات المتسارعة هو: لماذا التصعيد الآن في كفريا وإدلب؟ يبدو أن تصعيد النظام السوري في هذه الفترة يستهدف إحباط أي محاولة من فصائل المعارضة السورية لاستغلال الوضع الإقليمي المتوتر، وقد يرى النظام في انشغال "حزب الله" بجبهة لبنان فرصة سانحة لتثبيت سيطرته على مناطق في الشمال السوري وقطع الطريق أمام أي زحف محتمل لفصائل المعارضة نحو مناطق سيطرته في حلب أو مناطق أخرى شمالي سوريا.

هدف التصعيد من قوات نظام الأسد، إذن، هو إحباط أي محاولة من قبل فصائل المعارضة لحشد القوات والاستفادة من ضعف "حزب الله" وسحب قواته من سوريا، إضافة إلى إحباط النظام بسبب رؤية حلفائه يتعرضون للضربات الإسرائيلية.

منطقة "كفريا"، التي كانت قرية شيعية قبل تهجير سكانها بموجب اتفاق المدن الأربعة برعاية إيرانية، تمثل منطقة حساسة. يسعى النظام من خلالها لإرسال رسالة إلى حلفائه وأعدائه على حد سواء بأنه لا يزال يحتفظ بالقدرة على توجيه ضربات قوية في الشمال السوري.

في المقابل، فإن التصعيد في جنوبي لبنان، حيث تشن إسرائيل هجمات مكثفة على مواقع "حزب الله"، يفتح الباب أمام عدة سيناريوهات. التدخل الإسرائيلي يأتي ردا على دعم "حزب الله" وإيران لـ"طوفان الأقصى" في غزة. وإذا ما استمرت هذه الضربات، فقد يتطور الموقف إلى معركة أوسع على الساحة اللبنانية، خاصة مع التهديد المستمر من حزب الله بالرد على إسرائيل.

السؤال الأبرز أيضاً هو: هل التوغل في سوريا قادم؟ وهل يمكن أن نشهد تغييرات جوهرية بعد الانتخابات الأميركية؟ قد تكون هناك خريطة جديدة للمنطقة تهدف إلى قطع شرايين إيران من لبنان وسوريا. كما أن التوغل الإسرائيلي لمسافة 200 متر داخل الحدود السورية قد يشير إلى استعداد لعمل عسكري أوسع.

أما في شمالي سوريا، فإن السيناريوهات تتباين. قد يسعى النظام السوري إلى استغلال التوترات الإقليمية لتكثيف قصفه لمناطق المعارضة، بينما تتجنب إيران و"حزب الله" معركة واسعة في سوريا نظرا لاستنزاف قدراتهما في لبنان وجنوبي سوريا.

بعيدا عن التحليل التقليدي للصراع، قد يتشارك النظام السوري وإيران وإسرائيل في مصالح خفية. بينما تبدو هذه الأطراف في حالة صراع معلن، قد تكون هناك تفاهمات غير معلنة لتحديد مسار الصراع بما يخدم أهدافهم المشتركة.

دعونا نقارن بين ما يجري في غزة ولبنان أو الشمال السوري. رغم تحفظات البعض على تعاون "حماس" مع إيران وحزب الله والنظام السوري، فإن ما يجري في غزة يمثل مقاومة حقيقية لشعب يبحث عن الحرية. أما في لبنان، فإن "حزب الله" يأخذ البلاد رهينة لأجندات خارجية.

في الشمال السوري، يبدو أن تصعيد النظام في قصف المناطق المحررة يشير إلى محاولات لإرسال رسائل لمن يفكر باستغلال الوضع الإقليمي لفتح جبهات جديدة.

ولا يمكن إغفال تأثير ما يجري في لبنان على نظام الأسد نفسه. أي تصعيد بين إسرائيل و"حزب الله" في جنوب لبنان سيؤثر بشدة على النظام السوري الذي يعتمد على دعم "حزب الله" وإيران.

وفي ظل هذه المعطيات المعقدة، يبدو أن المنطقة مقبلة على إعادة تموضع للقوى المختلفة. الانتخابات الأميركية المقبلة، والتوترات الإقليمية المستمرة، قد تدفع باتجاه فرض خارطة جديدة للمنطقة.

ومع كل هذه التطورات، يبقى السؤال: هل ستتغير موازين القوى بشكل جذري في المنطقة، أم أنها ستستمر في السير وفقاً لسيناريوهات الفوضى المحكومة؟