سجلت موسكو نقطة جديدة على حساب واشنطن ميدانها محافظة دير الزور، جاءت من خلال تسييرها دورية عسكرية هي الأولى من نوعها بين القامشلي ودير الزور برفقة مروحيات، لا يُعرف إن كانت تراقب عناصر تنظيم "الدولة" المتوارين بين رمال البادية الشرقية لسوريا، أم أنها (المروحيات) تحاول توثيق الغياب الأميركي عن هذا الاختراق الروسي لمناطق نفوذه شمال شرقي سوريا.
روسيا تحاول مد نفوذها إلى مناطق "قسد" وأميركا بدير الزور
في 30 من تشرين الأول أكد ما يسمى "مركز المصالحة السوري – الروسي" بدير الزور وجود اتفاق بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ممثلة بـ "الإدارة الذاتية" ونظام الأسد وروسيا، لإعادة انتشار قوات النظام في مناطق سيطرتها بمنطقة الجزيرة (بمحافظة دير الزور).
سبق هذا الإعلان تسريب لصحيفة "الوطن" الموالية يكشف عن مسودة وثيقة لحل الخلافات الموجودة بين "الإدارة الذاتية" ونظام الأسد بهدف التنسيق المشترك لصد أي هجوم تركي باتجاه "قسد" في الرقة والحسكة.
من هذين الحدثين وجدت روسيا الفرصة مناسبة للتمدد في مناطق الجزيرة بمحافظة دير الزور الغنية بالنفط والخاضعة لنفوذ أميركي.
وبدأت أولى محاولات روسيا نهاية تشرين الأول الماضي، في قرية الحصان بريف دير الزور الغربي، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل الذريع بعد أن احتشد عشرات الأهالي أمام قوة عسكرية روسية كانت تحاول العبور من مناطق النظام واستخدام ريف دير الزور الغربي للوصول إلى محافظة الرقة.
ولم يقتصر رفض الأهالي لهذا العبور على قرية الحصان بل تعداه إلى تنظيم تظاهرات واسعة النطاق في مناطق سيطرة "قسد" في ريف دير الزور لوضع خط أحمر لأي فكرة توسع روسي في مناطقهم.
ومع ذلك يبدو أن روسيا لا تستسلم بسهولة لرغبات الأهالي، ففي 19 من تشرين الثاني الحالي، تمكنت روسيا من إدخال رتل عسكري كبير في مناطق "قسد" باتجاه دير الزور قادما من القامشلي، وكانت تسانده طائرات مروحية.
وسبق مرور الرتل إيصال روسيا تهديداً للأهالي بعدم اعتراض الرتل، وفق مصدر محلي نقل عن "قسد" قال إنها عملت على حماية الرتل عبر إحاطته بالعشرات من عناصرها، مشيرا إلى أن الأهالي وصلهم تهديد مباشر مفاده أن هناك أوامر بإطلاق النار على أي هدف يعترض طريق الرتل.
لكن وبالرغم من التهديدات نظّم الأهالي مظاهرة عند دوار المدينة الصناعية بريف دير الزور الشمالي، عبّروا خلالها عن رفضهم مرور الأرتال الروسية من شرقي الفرات، مما استدعى التحالف الدولي لإرسال قوة إلى هناك لإثبات وجوده في المنطقة، وقد تحدث ممثلوه للأهالي عن عدم معرفتهم بمرور الرتل الروسي، وزاد هذا التبرير من استياء الأهالي، الذين اعتبروا أن "قسد" مشاركة في تسهيل تحرك روسيا في مناطق النفوذ الأميركي بدير الزور.
خلقت هذه التطورات على الأرض أسئلة عن مدى قدرة روسيا اختراق هذه المنطقة والتمركز فيها،
#عاجل | مظاهرات بالقرب من دوار المعامل بدير الزور رفضا لمرور رتل عسكري روسي#تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/51l90uyDUQ
— تلفزيون سوريا (@syr_television) November 19, 2021
ويعتبر الجيش الروسي أن هذه الدورية تعتبر "نسخة تجريبية من سلسلة دوريات مقبلة، وهدفها إثبات الوجود، وفق ما نقله موقع "Tvzvezda" الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية.
في سياق متصل، سوقت مؤسسات نظام الأسد إلى وجود "تسوية" جديدة في دير الزور وزعمت أن العشرات من سكان مناطق "قسد" جاؤوا لإجراء تلك "التسوية".
وركز نظام الأسد على التسويق الإعلامي لهذه "التسوية"، وقد ظهر مدير المخابرات العامة (أمن الدولة) في نظام الأسد اللواء حسام لوقا في مدينة دير الزور أثناء إجراء هذه "التسويات"، في الوقت الذي تعمل فيه روسيا على المحاولة للتغلغل ميدانيا.
وظهر لوقا مع كبار ضباط المحافظة وأمين فرع "حزب البعث" في صالة رياضية في دير الزور، وسط حشد من عناصر النظام والقليل من أبناء المحافظة، الذين قيل إنهم جاؤوا لإجراء "تسوية".
احتمالات نجاح محاولات التوسع الروسية في دير الزور
الباحث في مركز "عمران" نوار شعبان المختص بالشأن العسكري، يرى في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن روسيا ليس لديها الرغبة ولا القدرة على الاصطدام بالقوات الأميركية، وقال إن روسيا تريد تغطية الفراغ الذي تتركه أميركا في المنطقة، مشيرا إلى ما جرى عام 2019 في تشرين الأول عندما قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب من سوريا ثم عدل عن الفكرة، حينها استغلت موسكو ذلك وملأت قواتها القواعد الأميركية قرب الحدود مع تركيا.
وإلى جانب زيادة نفوذها، تعتبر روسيا أن ملء الفراغ الأميركي أمر ضروري إذ تخشى من عاملين أولهما عودة واسعة لتنظيم "الدولة"، والثاني بحسب شعبان، هو الزحف التركي مع الجيش الوطني السوري الحاضر في كل وقت نحو مناطق سيطرة "قسد".
ووفق شعبان فإن ما يجري في دير الزور حاليا من تحريك روسيا لدورياتها في عمق الأراضي الخاضعة للتحالف الدولي بقيادة أميركا يمثل جس نبض لواشنطن، كي تتضح لموسكو ما النقاط على خارطة المنطقة التي ستتمكن مستقبلا من التحرك فيها بسهولة، واستدرك أن ملامح هذه الخارطة بدأت تتضح عندما أيدت القوات الأميركية الرفض الشعبي في ريفي دير الزور لمرور القوات الروسية في تلك المناطق، ما يعني أن أميركا قد تمنع روسيا من التمدد هناك، كما أوقفت قبل ذلك المناورات العسكرية الروسية في منطقة تل تمر بريف الحسكة، مع التأكيد على أن ريف الرقة يشهد تساهلا أميركيا للتحرك الروسي.
أما المحلل السياسي الروسي أندريه أنتيكوف فلديه رؤية أخرى للتطورات في دير الزور، ويقول لموقع تلفزيون سوريا، إن روسيا ستواصل تعزيز وجودها في مناطق "قسد" في دير الزور منطلقة من سياستها القائمة على أن الوجود الأميركي في سوريا غير شرعي وخرق للقوانين الدولية، وفق تعبيره.
وأضاف "أن روسيا ماضية في العمل على إعادة جميع مناطق سوريا لسيطرة النظام".
وعن رفض سكان المنطقة للوجود الروسي وفق عشرات التسجيلات المصورة التي أكدت ذلك، يرجع أنتيكوف هذا الرفض إلى أن السكان يعولون على الولايات المتحدة الأميركية ويؤمنون بأنها ستقف إلى جانب "قسد" في وجه أي قوى قد تهدد المنطقة، لكن هذا التصور "خاطئ" وفق قوله.
وبرر رأيه بالقول بأن أميركا في الأصل تنظر إلى الكيان الفدرالي الذي تشرف عليه "قسد" ومن خلفها "الإدارة الذاتية" على أنه ورقة ضغط على روسيا وتركيا في المنطقة لا أكثر، وإن كان بمصلحة أميركا التخلي عن هذا المشروع فستفعل ذلك، وهذا ما حدث في تشرين الأول 2019، عندما هاجمت تركيا مناطق في الرقة والحسكة ضمن ما سميت بعملية "نبع السلام" عندما انسحبت القوات الأميركية من قواعدها على عجل ودون سابق إنذار، بحسب أنتيكوف.
وزاد المحلل الروسي أن أميركا لا تريد بطبيعة الحال أن يقوى الموقف الروسي في شرق الفرات ولذلك سنرى أنها ستعرقل ذلك التمدد هنا وهناك، لكن بالطبع دون وصول الطرفين إلى حالة من الصدام، والأمور بينهما ستبقى قائمة على إجراء تكتيكات تخدم كل طرف، "ولا ننسى وجود خط اتصال مباشر بين القوتين في سوريا ينهي أي خلاف قد يحدث دون أن يتطور الأمر وقد حصل ذلك عدة مرات بين دوريات البلدين".