شاركت قوات نظام الأسد والميليشيات الموالية منذ 15 أيار الجاري في تنظيم ورعاية حملة دعم لانتخاب بشار الأسد في ريف الرقة الجنوبي، وهو تاريخ انطلاق الفعاليات الذي حدّدته غرفة العمليات التي أنشأها فرع حزب "البعث" في المنطقة لإدارة الحملة بالتعاون مع الميليشيات والفروع الأمنية والمسؤولين في اتحاد الفلاحين والنقابات والمديريات المختلفة.
الميليشيات والقوات الأمنية حشدت الناس ونقلتهم للمشاركة في الفعاليات التي توزعت على 10 نقاط على الأقل في مراكز المناطق الثلاث وعددا من القرى التابعة لها، وفرضت على شيوخ العشائر النافذين في المنطقة تغطية تكاليف إنشاء الخيام واللافتات والصور والإنارة والنقل وغيرها من نفقات الحملة التي ستستمر لعشرة أيام على الأقل.
تمتد سيطرة نظام الأسد في محافظة الرقة على ثلاث مناطق رئيسية وهي: معدان والسبخة ودبسي عفنان، ويتخذ مجلس المحافظة التابع للنظام من السبخة مقراً له، وتتبع للمناطق الثلاث، عشرات البلدات والقرى على الضفة اليمنى لنهر الفرات جنوبي الرقة، وفيها تنتشر عدة تشكيلات تتبع لقوات النظام والميليشيات الرديفة أهمها: مقاتلو العشائر التابعة لقوات النمر (الفرقة 25 مهام خاصة)، بالإضافة إلى "كتائب البعث" و"لواء القدس" و"الفيلق الخامس" المرتبط بروسيا، والميليشيات الإيرانية وأبرزها "فاطميون".
وقال معاون وزير الإدارة المحلية في "الحكومة السورية المؤقتة" سعد الشويش - ينحدر من محافظة الرقة - إنّ "الحملة الدعائية لانتخابات الأسد مهزلة كبيرة، وما نراه اليوم هو مشهد مكرر منذ عقود من إنتاج وإدارة سلطة البعث وأجهزة النظام الأمنية والمخابراتية"، مردفاً "ما يحصل في ريف الرقة وعموم مناطق سيطرة النظام يعكس مدى توحش النظام الذي دفع الناس بالترهيب للمشاركة في حملة الدعم وإظهار التأييد والولاء للأسد بشكل مبالغ فيه.. السوريون في الرقة وغيرها من المناطق التي يسيطر فيها النظام خياراتهم قليلة، إما المشاركة في حملات النظام أو التعرض للمخاطر من اعتقال وترهيب وغيرها من الأساليب القمعية والوحشية التي يتبعها النظام في إحكام قبضته".
وأضاف "الشويش" لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ "انتخابات الرئاسة التي يروج لها نظام الأسد هي انتخابات باطلة قانوناً، ففي العرف القانوني إذا كانت الدولة في حالة حرب فلا تجري انتخابات إن كانت رئاسية أو برلمانية فما بالك بهذه الحرب الموجهة ضد السوريين، كيف تجري انتخابات والطائرات الحربية والمدفعية ما تزال تقتل الأبرياء في إدلب وريف حلب، كيف تجري الانتخابات وما يزال مصير آلاف السوريين مجهولاً في معتقلات النظام، كيف تجري انتخابات رئاسية وما تزال عمليات التهجير المنظم قائمة، وآخرهم تهجير أبناء بلدة أم باطنة في ريف القنيطرة، هذه ليست انتخابات رئاسة، إنما مسرحية هزلية تقيمها عصابة مارقة".
أنشطة الحملة
انتدب حزب "البعث" إلى ريف الرقة الجنوبي للمشاركة في حملة دعم انتخابات الأسد، عضوين في القيادة المركزية للحزب، هما هدى الحمصي - رئيس مكتب المنظمات الشعبية والنقابات المهنية المركزي - وياسر الشوفي - رئيس مكتب التربية والطلائع والتنظيم المركزي - وقالت "الحمصي" في احتفالية أقيمت بالخيمة المركزية في بلدة السبخة إنّ "البعثيين يقولون نعم للقائد لأنه رمزنا وضمان سيادة واستقرار وطننا الذي سطر أروع ملاحم البطولة والانتصار في دحر ومواجهة الإرهاب وإعادة الأمن والأمان وقد عهدناه سيد الرجال والمواقف، الربان الفذ الذي قاد سوريا إلى النصر المحتوم الصامد صمود الجبال".
وتنقلت "الحمصي" - ومعها أمين فرع حزب"البعث" في الرقة والمحافظ - بين قرى الفخيخة وجعيدة قرب الرصافة ومعدان ودبس عفنان ودبس فرج للمشاركة في الفعاليات.
تضمنت الفعاليات حفلات غنائية وراقصة أحيتها فرقة العجيلي الشعبية، وندوات فكرية قدمها أعضاء في "البعث" وحلقات دبكة، ومسيرات مؤيدة جوالة بالسيارات والدراجات النارية شارك فيها عناصر الميليشيات والفروع الأمنية، ونظمت أنشطة رياضية في معدان والسبخة، وأنشطة طلائعية وشبيبية شارك فيها أطفال المدارس.
الحشد للحملة
مصادر محلية متطابقة في بلدة السبخة قالت لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ "كتائب البعث فرضت على عدد من شيوخ العشائر والوجهاء المحليين في البلدة والقرى المحيطة مبالغ مالية لتغطية تكاليف إنشاء الخيام والمولدات الكهربائية لإنارة الساحات التي أقيمت فيها الفعاليات (بسبب الانقطاع الطويل للكهرباء)، ولتزيين الشوارع بصور بشار الأسد والأعلام.
وأضافت المصادر أنّ "ميليشيات النظام وعناصر الأجهزة الأمنية نفذت عمليات انتشار غير مسبوقة في المنطقة وطوقت مواقع الاحتفالات وسيرت دوريات راجلة وبالمركبات لدفع الناس للتوجه إلى مواقع فعاليات الحملة، ومنح عناصر الميليشيات والأمن صلاحيات مفتوحة لاعتقال أي شخص مشتبه به أو متخلف عن المشاركة".
الناشط المدني رياض محمد - من أبناء بلدة معدان - قال لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ "نظام الأسد يعتمد على شيوخ عشائر وشخصيات محلية معروف عنها الموالاة ووقوفها ضد الثورة، وهؤلاء لا يمثلون الشريحة الواسعة والكبيرة من أهالي معدان والسبخة ومناطق جنوبي الرقة، وهي مناطق ثائرة قام النظام وتنظيم داعش بتهجير غالبية سكانها، أبناء الرقة وبالعموم لا يعترفون بهذه الانتخابات المهزلة التي ينظمها القاتل".
وأضاف أنّ "من بين الشخصيات التي تشرف على فعاليات الحملة في منطقة معدان على سبيل المثال "صالح الذياب وعبد المجيد الرجا وعبد الحميد الحرناوي ومهيدي صالح السباك وحسين الهرفي وعبد الخدلي ورئيس البلدية عبد الحكيم الصالح"، وهؤلاء جميعهم "بعثيون وموالون ومقربون مِن الميليشيات والفروع الأمنية"، مشيراً إلى أنّ "قسماً كبيراً من سكان مناطق جنوبي الرقة مدفوعاً قسراً للمشاركة في حملة دعم انتخابات الأسد، وهناك تهديد بالاعتقال من قبل كتائب البعث والميليشيات الإيرانية لمن يتخلف عن المشاركة، الترهيب والتخويف هو سبب التحاق الناس بالفعاليات".
الترويج للحملة
الناشط الإعلامي شعبان الأحمد - من منطقة تل أبيض شمالي الرقة - يرى أن "مناطق سيطرة النظام في ريف الرقة تعيش حالة استثنائية مختلفة عن باقي مناطق سيطرة النظام، وفيها مستوى توحش وقمع نظام الأسد للأهالي مرتفع للغاية، ومعدل انتشار الميليشيات والفروع الأمنية والقوات الرديفة (روسية وإيرانية) كبير جداً، وهذا أحد أهم العوامل التي خلقت حالة من الخوف والهلع من الملاحقة والمساءلة لدى الناس في المنطقة، ودفعتهم للمشاركة بقوة في الفعاليات لإبعاد أي شبهة عنهم، ببساطة من لا يشارك يقال عنه إرهابي أو يدعم داعش وقسد والجيش الحر".
وأضاف "الأحمد" خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ "حملة دعم انتخابات الأسد في ريف الرقة وغيرها من المناطق السورية تعكس قوة القبضة الأمنية والبعثية والميليشياوية للنظام، فالمنظومة الأمنية والحزبية وشبكة علاقاتها المتغلغلة ما تزال مهيمنة بعد 10 سنوات، وقد عززت سيطرتها بشكل أكبر كما يبدو، والأطفال السوريون ليسوا وحدهم من تم تسخيرهم في دعاية انتخابات الأسد، هناك الشيوخ والنساء وموظفو كل قطاعات العمل العام والخاص، والنقابات والاتحادات العمالية والفلاحية، حزب البعث أدار كل شيء وجهز للمشهد الذي ترونه منذ بداية العام 2021".
وأشار "الأحمد" إلى أن "عناصر الميليشيات والفروع الأمنية والبعثيين في ريف الرقة الجنوبي عملوا مراسلين ومصورين لنقل فعاليات الحملة التي لم تتمكن وسائل إعلام النظام الرسمية من نقلها وتغطيتها بشكل كبير بسبب بعدها عن مراكز الثقل السكاني الأخرى التي جرى الترويج فيها للحملة بشكل أكبر، وقد خصص فرع البعث مكتباً صحفياً لنقل وقائع الاحتفاليات، لقد خططوا لكل شيء لإتمام المهزلة التي نعرفها كيف يتم الحشد لها وكيف تدار، ما يحصل هو تراث نظام مخادع اعتاد على سوق الناس بالإكراه والإرهاب للهتاف من أجل بقائه".