نفى المتحدث باسم الرئاسة التركية "إبراهيم كالن" في 24 من أيلول 2022، وجود توجه لدى بلاده لعقد لقاء دبلوماسي مع النظام السوري، وذلك خلال حوار تلفزيوني، تزامن مع تصريحات صدرت عن وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد لقناة روسيا اليوم، أكد فيها عدم إجراء أي مفاوضات مع تركيا من أجل تطبيع العلاقات.
وفي رده على أسئلة الصحفيين خلال مؤتمر صحفي في 28 من أيلول 2022، أشار الرئيس التركي أردوغان إلى استمرار التواصل الاستخباري مع النظام السوري، مؤكداً أن خطة التعامل التركية ستسير بحسب الوضع.
التصريحات الصادرة عن أنقرة والنظام السوري، مثلت إعلاناً صريحاً عن الصعوبات التي تقف في وجه الوصول إلى تطبيع للعلاقات السياسية بين الجانبين، وعدم القدرة على التفاهم في الملفات الخلافية.
عقبات تعترض التطبيع السياسي
وفي 24 من أيلول 2022، وخلال لقائه مع قناة روسيا اليوم، وصف وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد القوات التركية في سوريا بأنها "قوات احتلال"، مؤكداً عدم إمكانية تطبيع العلاقات دون انسحاب تركيا من إدلب، ووقف الدعم لمن وصفهم بـ "المجموعات الإرهابية" في إشارة إلى فصائل المعارضة السورية.
وبحسب ما أكدته مصادر مطلعة لموقع "تلفزيون سوريا"، فإن النظام السوري لم يبد استجابة مع المطالب التركية خلال المفاوضات التي ترعاها روسيا، حيث تريد أنقرة إبرام اتفاقية أمنية تتيح انتشار القوات التركية شمال وشمال غربي سوريا وبعمق يصل إلى 32 كيلومتراً، من أجل ضمان إبعاد كوادر حزب العمال الكردستاني، وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" عن المناطق الحدودية".
وقالت المصادر إن أنقرة "لا تثق برغبة وقدرة النظام السوري على منع تمدد قسد المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، والمدعومة من أميركا".
في المقابل، فإن النظام السوري يتطلع لتحقيق مكاسب اقتصادية، من خلال ضمان فتح المعابر التجارية بينه وبين مناطق المعارضة السورية، وتسهيل حركة التجارة على الطرق الدولية، لكن هذا الملف شائك كونه متعلقاً بخرق العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظام الأسد.
وترى تركيا أنه من المبكر عقد اللقاءات السياسية مع النظام السوري لأن مرحلة اختبار النوايا لم تنته، بالإضافة إلى أن التطبيع مع النظام يعني بالضرورة إبداء استجابة لمطالبه التي يتمسك بها، والمتعلقة بالانسحاب من الأراضي السورية.
وكذلك فإن أنقرة ترغب بتنشيط العملية السياسية بين النظام السوري والمعارضة من أجل التوصل إلى حل سياسي، وهذا يجعلها تتحرك بشكل حذر لتحافظ على قدرتها بلعب دور الوساطة.
اختبار إمكانية التعاون
ورغم العقبات التي تحول في الوقت الراهن دون التطبيع السياسي، يبدو أن أنقرة والنظام السوري يعملان على اختبار إمكانية التعاون في بعض الملفات، بحكم حاجة الطرفين لإجراء بعض الترتيبات.
فبعد افتتاح النظام السوري لـ "مركز التسوية" في بداية أيلول الجاري بمنطقة خان شيخون، أقام في 28 من الشهر ذاته "مؤتمر السلام الوطني"، بحضور محافظ إدلب المعين من طرف النظام السوري واللواء حسام لوقا مدير المخابرات العامة، وجرى التأكيد خلال المؤتمر على أنه سيتم السماح بعودة السكان إلى مدينة معرة النعمان مع تسوية أوضاع المطلوبين للخدمة الإلزامية.
ويحاول النظام السوري بضغط من روسيا إظهار تساهله مع عودة النازحين المنتشرين قرب الحدود التركية، والمنحدرين من جنوب وشرق إدلب وريف حماة، بهدف إرسال رسائل إيجابية للجانب التركي.
وأكد مصدر مطلع لموقع تلفزيون سوريا، أن المباحثات التركية – الروسية تطرقت إلى مسألة تسهيل عودة السكان إلى كل من سراقب ومعرة النعمان، على أن تكون المدينتان خاليتين من القواعد العسكرية ويتولى جهاز الشرطة المدنية ضبط الأمن فيها تحت مراقبة روسية – تركية، ومن الممكن تعميم هذا النموذج في حال نجاحه على كل من منبج وتل رفعت ومحيطها لاحقاً.
إبعاد الميليشيات عن الحدود
وتستهدف تركيا من خلال هذه الخطوات ضمان إبعاد الميليشيات وخاصة الإيرانية عن المناطق الحدودية، بالإضافة إلى تخفيف العبء الإنساني للنازحين قرب حدودها، وبالتالي الحد من الهجرة غير الشرعية باتجاه أراضيها، في حين أن روسيا والنظام السوري يأملون أن تتساهل تركيا مع فتح معابر تجارية بين المناطق الخاضعة للمعارضة السورية والتي يحكمها النظام.
وأرسل وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد المزيد من الرسائل الإيجابية باتجاه أنقرة، حيث أبدى ترحيبه بعودة كل السوريين إلى الأراضي السورية، مع التلويح بإحداث تغييرات على طبيعة الخدمة الإلزامية لتصبح أسهل، للمساهمة في تسهيل عودة السوريين الرافضين للتجنيد الإجباري إلى الأراضي السورية.
ومن الواضح أن مسار التقارب بين تركيا والنظام السوري شائك، بسبب المصالح المتضاربة والملفات الخلافية الكثيرة، لكن الضغوطات الروسية على النظام السوري دفعته لاتخاذ بعض الخطوات من أجل إبداء إيجابية تجاه تركيا.
ما سبق لا يعني ضمان تقدم المسار بسبب العقبات الكثيرة، خاصة مع وجود إيران كلاعب دولي مؤثر بسلوك النظام السوري، وتنامي هذا التأثير منذ الغزو الروسي لأوكرانيا وإعادة ترتيب موسكو لأولوياتها، حيث تمتلك طهران قدرة على التخريب في حال تأكدت أن التقارب سيحقق مصالح أنقرة على حسابها أو يقصيها عن التأثير في شمال غربي سوريا، كما أن تركيا قد تقوم بتجميد خطواتها في حال عدم تغيير النظام السوري لسلوكه وأصر على ملاحقة النازحين العائدين إلى مناطقهم أمنياً، ورفض التجاوب مع جهود دفع العملية السياسية.