تفاجأ نحو 150 شاباً سورياً، عندما وجدوا أنفسهم داخل خيمة قرب معبر باب السلامة من الجانب التركي، للتوقيع على أوراق العودة الطوعية إلى سوريا، بعد أن تم اعتقالهم من أماكن متفرقة في مدينة إسطنبول، واحتجازهم لمدة 10 أيام، لأسباب ودوافع يجهلونها، رغم أنهم يحملون وثائق حماية مؤقتة (كملك) نظامية وأذونات سفر، ما يعني عدم وجود أي مخالفة قانونية.
واعتُقل الشبان من قبل رجال الأمن التركي، بالرغم من حيازتهم بطاقات الحماية المؤقتة (كيملك)، وأذونات عمل، وبعضهم من طلاب الجامعات، وأصبحوا الآن في حيرة من أمرهم بعد وصولهم إلى الأراضي السورية وتوزعهم على مختلف بلدات ريفي إدلب وحلب، فمنهم من ينتظر ما سينتج عن جهود اللجنة السورية التركية المشتركة، ومنهم من يفكر في توكيل محام، أو الدخول مرة أخرى إلى تركيا عبر طرق التهريب.
وأثار تسجيل مصور بثه الشبان السوريون المرحلون وهم يتحدثون باللغتين التركية والعربية، مخاوف السوريين من عودة حملات الترحيل والاحتجاز بدعوى عدم امتلاك إذن سفر أو أسباب أخرى، سبق أن أكد خبراء القانون وجمعيات حقوقية تركية أنها ليست مخالفات تستدعي الترحيل.
مراحل عملية الترحيل
تحدث عدد من الشبان المرحّلين إلى سوريا عن المراحل التي مرّوا بها، منذ اعتقالهم في إسطنبول حتى وصولهم إلى سوريا، ومنهم فارس الشامي (32 عاماً) الذي قال إنه كان يسير برفقة صديقه في ميدان أسنيورت بإسطنبول، بتاريخ 17 كانون الثاني الماضي، فنادى له شخص مدني، وأخبره أنه يعمل ضمن البوليس، وطلب بطاقة الكيملك الخاصة به.
ويضيف الشامي في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا: "أعطيته البطاقة، فطلب مني الصعود إلى السيارة، وكان فيها 6 شبان، و4 أفراد من الشرطة، وبعد أن صعدت تغيرت معاملتهم معنا بشكل جذري، فسحبوا الهواتف المحمولة، ومنعوني من التواصل مع أي أحد، ثم فتشوني ووقّعت على ورقة تتعلق بالأمانات والأموال والأغراض المصادرة".
وتابع: "طلبت من البوليس إطلاعي على سبب الاعتقال، فأجابوا بأن هناك إجراءات أمنية، وسيتم نقل الموقوفين إلى مركز توزلا، وبعدئذ تنتهي مهمتهم كبوليس، وبالفعل تم نقل الجميع إلى توزلا بعد إجراء فحص كورونا في أحد المشافي".
كل 13 شخصاً في غرفة صغيرة
بعد أن وصل الشبان إلى مركز توزلا، تم سجن كل 13 شاباً في غرفة صغيرة، وكان في المركز نفسه موقوفون منذ نحو شهر، وقال الشامي، إن الشرطة وضعت ورقة على بوابة الغرفة الموجود فيها، كُتب عليها "شانلي أورفة"، ما يعني أنه سيتم نقل الأشخاص الموجودين في الغرفة إلى أورفا.
وفي ليلة الترحيل إلى سوريا، تم بشكل مفاجئ تغيير مضمون الورقة، من شانلي أورفة، إلى كلس، وبتاريخ 31 كانون الثاني تم جمع الشبان، ونقلهم إلى كلس عبر عدة باصات برفقة "عدد كبير من عناصر الأمن"، في رحلة استمرت 20 ساعة.
هل تم التوقيع على العودة الطوعية؟
أفاد الشامي بأنهم دخلوا إلى "خيمة كبيرة" بعد وصولهم إلى الحدود السورية التركية، وكان داخلها عدد من الموظفين، ثم جرى نقل الأشخاص على دفعات (8 أفراد) إلى مكان مخصص للتوقيع على أوراق العودة الطوعية إلى سوريا.
وأضاف الشامي: "اعتقدت أن التوقيع هو لإعادتي إلى الولاية الأصلية، وما لفت انتباهي أن الموظفين كانوا موجودين في المكان، علماً أن الساعة كانت 3 فجراً، وكل دفعة تنتهي من التوقيع، يتم نقلها عبر سيارة إلى مكان لا نعرفه (تبين لاحقاً أنه معبر باب السلامة)".
وأردف: "طُلب مني التوقيع فوقّعت، ثم دعوني للبصم، فلاحظت كتابة باللغة العربية على الورقة، منها العودة الطوعية، فرفضت الأمر، لكن أُجبرت لاحقاً بحجة تثبيت النفوس، وبعدئذ نُقلت إلى معبر باب السلامة، وقيل إن أمر الترحيل صدر من أنقرة".
ولفت إلى أنه موجود في تركيا منذ أربع سنوات، ويعمل في تجارة الأحذية، ومعه كملك، وإذن عمل، والرقم الضريبي في تركيا (Vergi Numarası).
من جانبه يعمل الشاب أحمد عبد العال في معمل خياطة، وفي أثناء استراحته ذهب لتعبئة رصيد للهاتف المحمول، وأمام أحد المحال طلب منه رجل أمن الهوية الشخصية، ثم اعتقل ونُقل إلى مركز توزلا، الذي قضى فيه 11 يوماً قبل الترحيل.
وروى عبد العال لموقع تلفزيون سوريا، أنه عندما تم نقله إلى الحدود السورية التركية، طلب رجال الأمن منه البصم على ورقة، بحجة أنها تساعد على استصدار إذن سفر، مضيفاً أنه اعترض كونه قرأ محتوى الورقة وتبين أنها للترحيل "طوعاً" إلى سوريا، لكن اعتراضه لم يدم طويلاً بسبب الضغوط التي تعرض لها.
الداخلية التركية تتابع القضية
لم يصدر بيان رسمي من الحكومة التركية عن أسباب ترحيل الشبان، لكن مديرة الاتصال في اللجنة السورية التركية المشتركة التابعة للائتلاف السوري، إناس النجار، أكدت لموقع تلفزيون سوريا، أن وزارة الداخلية وإدارة الهجرة التركية، بدأت بمتابعة القضية للوقوف على أسباب ودوافع ترحيل اللاجئين، بعد أن تم التواصل مع هذه الجهات بشكل رسمي.
وأوضحت النجار أن اللجنة السورية التركية تواصلت مع الشبان، وأرسلت قائمة تتضمن معلومات وأرقاماً عنهم لكل من وزارة الداخلية وإدارة الهجرة التركية، وأشارت إلى أن عدد الشبان الذين تتواصل معهم اللجنة لمتابعة قضاياهم بلغ نحو 50 شخصاً، في حين غادر 20 شخصاً الحدود السورية باتجاه عائلاتهم وتوقف التواصل معهم.
وثائق رسمية
تواصل موقع تلفزيون سوريا مع العديد من الشبان، وكانت قصص ترحيلهم مشابهة من ناحية الاعتقال والمدة التي قضوها في مركز توزلا، ومنهم الشاب نبهان نبهان، الذي زود الموقع بصورة بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة به.
ويحوز الشبان أوراقاً ووثائق رسمية، وقال المرحّل محمد خطيب إنه يعيش في ولاية كلس، وذهب إلى إسطنبول لزيارة أقاربه، وهناك تم اعتقاله من جانب ميدان أسنيورت، وهو أب لثلاثة أطفال، ومعه وثائق رسمية (كيملك - إذن سفر)، وسبق أن تقدم للحصول على الجنسية التركية، ووصل إلى المرحلة الرابعة.
الشاب عمرو مغربي كذلك معه مختلف الوثائق الرسمية، من بينها كيملك وإذن عمل، وله سجل تجاري، ويملك محلاً لبيع الهواتف المحمولة في إسطنبول.
بدوره يحمل الشاب محمد الحصري بطاقة كيملك وإذن عمل، وتم اعتقاله من مكان عمله في مدينة إسطنبول، وأوضح أن حاله ينطبق على كثير من الشبان الذين تم ترحيلهم، ممن يحوزون أذونات عمل.
ما خيارات الشباب المرحّلين؟
يحاول الشاب محمد خطيب اللقاء بوالي كلس خلال اليومين المقبلين، ليشرح له القصة، على أمل أن يُسمح له بالعودة إلى ولايته، لكون أوراقه رسمية، ومعه إذن سفر إلى إسطنبول، ولدى خطيب خيارات بديلة، إذ قال لموقع تلفزيون سوريا إنه تواصل مع محامية تركية، وزودها بالوثائق، وهي بدورها ستعمل على حل مسألة التوقيع على ورقة العودة الطوعية.
وأشار إلى أن المحامية تسلمت سابقاً قضايا مشابهة، ونجحت في إعادة أحد الشبان السوريين إلى تركيا مقابل 20 ألف ليرة تركية.
وينتظر غالبية الشبان قرار الحكومة التركية، وفي حال لم يتم إعادتهم بشكل جماعي، سيحاول بعضهم العودة إلى تركيا عبر التهريب.
تعليق قانوني ونصائح للسوريين
يرى رئيس تجمع المحامين الأحرار، غزوان قرنفل، أن عمليات الترحيل التي تمت أخيراً غير قانونية، فقانون الحماية لا ينص على ترحيل شخص لمجرد أنه لم يوجد في ولايته التي استخرج منها بطاقة الحماية، ولذا فارتكاب اللاجىء مخالفة من هذا النوع لا يجب أن يترتب عليها ترحيله خصوصاً أنه يتم إكراه المرحلين على التوقيع على ما يسمى بوثيقة "عودة طوعية" تحت التهديد والضرب، ومنع الضحايا من التواصل مع ذويهم ومحاميهم، وتلك مخالفة إضافية للقانون.
وأفاد قرنفل في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، بأن قانون الحماية المؤقتة ينص على حالات محددة، يحق فيها للسلطات ترحيل الأشخاص وهي: انتساب الشخص لمنظمات إرهابية، أو الترويج لأفكار متطرفة وإرهابية، أو ارتكاب سلوك يهدد السلم الاجتماعي، ولذا فإن ترحيل هؤلاء غير قانوني.
ونصح المحامي جميع السوريين بتصحيح أوضاعهم القانونية لجهة تحديث العناوين وكذلك الإقامة في الولاية التي استُخرج منها بطاقة الحماية، إضافة إلى عدم التنقل بلا إذن سفر، وذلك لتفويت الفرصة ما أمكن على من يسعى لترحيل السوريين.
ويعتقد قرنفل أن حل ملف الترحيل مرتبط برؤية وموقف قانوني مغاير تجاه مسألة اللاجئين السوريين في تركيا من قبل السلطات التركية، بمعنى أن مسألة الحماية المؤقتة لم تغذ لدى اللاجئين الشعور بالأمان والطمأنينة اللازمين للاستقرار والاندماج، وما لم يتم مقاربة هذا الأمر من زاوية منح السوريين الحماية الدولية (وليس الحماية المؤقتة) وكذلك نزع صلاحية الترحيل بقرار منفرد من دائرة الهجرة التركية من دون قرار قضائي نهائي، فلن يكون السوريون بمأمن أبداً.