icon
التغطية الحية

تدخّل "حزب الله" في سوريا.. كيف أضعفه عسكرياً وأمنياً وشعبياً؟

2024.09.30 | 05:43 دمشق

آخر تحديث: 30.09.2024 | 10:07 دمشق

العلم السوري مرفوع عالياً إلى جانب علم حزب الله فوق مركبة عسكرية على الحدود السورية اللبنانية - آب/أغسطس 2017 (أ ف ب)
علم النظام السوري مرفوع عالياً إلى جانب علم حزب الله فوق مركبة عسكرية على الحدود السورية اللبنانية - AFP
إسطنبول - باسل المحمد
+A
حجم الخط
-A

في شهر آب من عام 2011 نشرت صحيفة النهار اللبنانية خبراَ عن تشييع قتيل من "حزب الله" يدعى حسن علي سماحة بمنطقة زحلة شرقي لبنان، وبحسب الصحيفة فإن سماحة سقط "خلال قيامه بواجبه الجهادي" من دون إشارة إلى المكان، وهو مؤشر ضمني على سقوطه في سوريا، بعد ذلك استمر تكتم الحزب على مشاركة عناصره في سوريا، إلى أن أعلن في شهر تشرين الأول عام 2012 عن وفاة القيادي محمد حسين الحاج ناصيف الملقب بأبي عباس، في سوريا "أثناء تأدية واجبه الجهادي" أيضاً.

إلا أن إعلان الحزب حربه على الثورة السورية واستعداده لإرسال آلاف المقاتلين للدفاع عن نظام بشار الأسد تمثل فيما أسماه وقتها "معركة استعادة القصير" عام 2013، والتي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، إذ أعلن حسن نصرالله وقتها أن "سوريا هي ظهر المقاومة وسندها، والمقاومة لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي وتسمح للتكفيريين بكسر عمودها الفقري".

هذا التحول الاستراتيجي لحزب الله من فكرة محاربة إسرائيل، إلى فكرة الاصطفاف إلى جانب نظام الأسد للقضاء على الثورة السورية، ومشاركته في قتل وتهجير السوريين بحجة محاربة "الجماعات التكفيرية"، أو بمعنى آخر الانتقال من كونه حزب للمقاومة إلى فصيل عسكري أدت إلى انكشافه وفقدانه للجاهزية القتالية المطلوبة ضد "إسرائيل" التي ارتفع مستوى التصعيد معها منذ السابع من أكتوبر.

خسائر في الكوادر والقيادات

على الرغم من تأكيد "حزب الله" في أكثر من مناسبة أن عناصره امتلكوا خبرة قتالية عالية من خلال مشاركتهم في الحرب السورية، من خلال انتقالهم من أسلوب حرب العصابات إلى استراتيجية قتالية أكثر هجوميةً، واستخدامهم لأسلحة أكثر تطوراً، إلا أنه مقابل ذلك تشير العديد من التقارير إلى أن الحزب خسر في الفترة من 2011-2018 نحو 2500 قتيل، بما فيهم 10% من كبار القادة الميدانيين، إلى جانب أكثر من 8 آلاف مصاب، في حين تشير مصادر في المعارضة السورية المسلحة إلى أن الخسائر أكثر من ذلك بكثير، إذ بلغت ما يقارب الـ5 آلاف عنصر، ولتعويض نقص الكوادر، اضطر الحزب إلى تجنيد مقاتلين أصغر سنا وأقل تأهيلا، مقابل ذلك بلغت خسارة الحزب في حربه مع إسرائيل في الفترة بين 1982 و2000 حوالي 1200 مقاتل فقط.

ومن بين قتلى حزب الله عشرات القادة العسكريين والأمنيين، خاصة المطلوبين منهم للأنتربول الدولي، وعلى رأسهم مصطفى بدر الدين وجهاد مغنية وفادي الجزار وحسن علي جفال، وسمير القنطار، إلى غير ذلك من القيادات التي دائماً ما يتحفظ الحزب على أسمائهم ودورهم في سوريا، ويكتفي بترديد عبارة "مات أثناء تأدية واجبه الجهادي".

وبحسب مراقين فإن امتداد المساحة الجغرافية التي كان يقاتل فيها حزب الله بسوريا والتي بلغت 236 موقعا مشتركاً مع "الحرس الثوري" في عام 2024 (بحسب دراسة لمركز جسور) أسهمت في ازدياد خسائره البشرية، مما دفع إيران إلى نشر قوات "الحرس الثوري" والميليشيات الشيعية المتحالفة معها في سوريا، وذلك بعد ارتفاع معدل قتلى الحزب.

استنزاف اقتصادي وسياسي

لتغطية هذا التدخل والزج بآلاف العناصر والأسلحة في سوريا كان لابد للحزب من تخصيص نسبة أكبر بكثير من ميزانيته للإنفاق العسكري، إذ تم توجيه نسبة كبيرة من هذه الميزانية إلى عائلات الجرحى والمعاقين إلى جانب تمويل المؤسسات المرتبطة بالبنية التحتية العسكرية لـ"حزب الله".

هذه الضغوط المالية والاقتصادية، إلى جانب العقوبات الأميركية المفروضة على الحزب دفعته إلى تخفيض رواتب مقاتليه المتزوجين إلى النصف.

كما تم خفض رواتب المقاتلين غير المتزوجين بشكل أكبر، بجانب أن تعويضات الحزب للمصابين والعائلات التي فقدت أبناءها في سوريا، كانت أقل من المبالغ الموزعة خلال حرب 2006 مع إسرائيل.

وذكرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في تقرير بعنوان "لبنان: تراجع المساعدات الإيرانية يدخل حزب الله في حمية"، أن إيران خفّضت تحويلاتها للحزب إلى النصف، وذكرت الصحيفة أن الأجور المدفوعة لمقاتلي حزب الله العائدين من سوريا (بين 600 دولار و1200 دولار) انخفضت بنسبة 50 في المائة، حتى رواتب العناصر المتفرّغة كلياً للقتال ستُخفّض.

أما على المستوى السياسي فإنّ الحزب صُنّف كمنظمة إرهابية من قبل جامعة الدول العربية (تراجعت عن قرارها في شهر أيار من هذا العام) وقبلها من قبل مجلس التعاون الخليجي، وشدّدت وزارة الخزانة الأميركية من عقوباتها تجاهه. كل ذلك شكل بحسب مراقبين عائقاً أمام الدول الداعمة على وجه الخصوص لتسويق الحزب أو توفير الرعاية له. 

سوريا تكشف حزب الله أمنياً

يرى كثير من الخبراء العسكريين أن انتقال "حزب الله" من طريقة حرب العصابات أو ما يسمى "الذئاب المنفردة" إلى ما يشبه الجيش المنظم أدى إلى إخراج العديد من قياداته وعناصره تحت أضواء المسرح العملياتي، وجعل هذه القيادات وتحركاتهم مكشوفة أمام الرصد الإسرائيلي، الذي نفذ عمليات اغتيال دقيقة طالت الصف الأول من قيادييه، بدءا من فؤاد شكر مروراً بمجموعة قادة الرضوان وصولاً إلى إبراهيم عقيل.

يوضح الصحفي اللبناني صهيب جوهر أن "حزب الله" ظهر مكشوفاً على المستوى الأمني منذ سنوات عديدة، عبر استهداف الجيش الإسرائيلي لمواقع وكوادر الحزب في الميدان السوري.

وأضاف جوهر في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن الأزمة الأكبر للحزب هي في قدرة الموساد الإسرائيلي على تجميع داتا معلومات كبيرة عن القدرات والمسؤولين الكبار والكوادر الأساسية في سوريا، وجزء من هذا المعلومات استغلتها إسرائيل في عملية التصفيات التي قامت بها منذ بداية جبهة الاسناد اللبنانية، بعد السابع من أكتوبر.

من ناحيته يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي عبدالله الأسعد: "استهداف الكيان الإسرائيلي يمكن أن يكون من أحد أسبابه اختراق من جانب عملاء محليين من عناصر النظام وضباطه، الذين كانوا يعطون إحداثيات لعناصر لقيادات تابعة لحزب الله أو إيران مقابل مبالغ مالية، أو قد يتم ذلك -يضيف الأسعد- من قبل باقي أفراد الميليشيات العراقية أو الأفغانية التابعة لإيران".

ويشير الأسعد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا  إلى أن "التدابير الأمنية لحزب الله تبدو عاجزة أمام وسائل الاستطلاع الإسرائيلية ومنظماتها المتطورة التي رفعت الغطاء عنها وتستطيع كل فترة أن تقتل قياديا ضمن بنك أهداف جمعت معلومات وإحداثياته بشكل واضح ومحدد ودقيق".

وفي هذا السياق يشير كثير من المراقبين لنشاط الحزب في سوريا أنه لا يبدو من قبيل المصادفة أن معظم القياديين في حزب الله الذين شاركوا في الحرب السورية، بدءاً من معركة القصير عام 2013، مروراً بمعارك الغوطة الشرقية والغربية قرب دمشق، وصولاً إلى معركة القلمون وحلب وإدلب، لقوا مصرعهم اغتيالاً على يد إسرائيل.

يذكر أن الاختراقات الأمنية في سوريا لا تقتصر على قادة "حزب الله"، فبعد مقتل القيادي في الحرس الثوري رضا موسوي أكدت تقارير صحفية أن الأجهزة الأمنية الإيرانية طالبت بفتح تحقيق بشأن اغتيال القادة في سوريا. 

وبحسب المصادر فإن نتائج التحقيق أظهرت أن “الخروقات والتسريبات الأمنية التي أدت إلى اغتيال قادة الحرس في سوريا وكذلك بعض كوادر حزب الله في سوريا ولبنان، تحظى بغطاء سياسي وأمني على مستوى عالٍ”.

من حركة مقاومة إلى فصيل عسكري

كان للمعارك التي خاضها الحزب ضد إسرائيل سواء أكان في معركة تحرير الجنوب عام 2000، أو حرب تموز 2006 دور كبير في ارتفاع شعبية الحزب على المستوى العربي والإسلامي، باعتباره حركة مقاومة ضد إسرائيل، إلا أن تدخله الدموي إلى جانب النظام وارتكابه للعديد من المجازر بحق الشعب السوري حولّه إلى مجرد فصيل مسلح.

وقال الباحث لقاء مكي في تغريدة إن حزب الله راكم بين حربي 2006 و2024 مزيداً من القوة، "لكنه خلال هذا الوقت تورط في معارك حولته من (حركة تحرر عقائدية) إلى ميليشيا إجرامية وكانت كلمة السر في كل ذلك هي: سوريا" ... هذا الحزب فقد ذاته في سوريا، حينما أوغل في دماء الأبرياء".

وتعليقاً على فقدان "حزب الله" للحاضنة العربية والإسلامية يقول الصحفي صهيب جوهر: "يوجد اليوم حالة فتور تجاه الحزب، إضافة لحالة الرفض الكلي له من قبل شعوب شارك الحزب في قتلها وقمعها وخاصة في سوريا والعراق واليمن، هذا إلى جانب حالة الاستقطاب السياسي في لبنان والتي تترجم اليوم بمطالبة أطراف لبنانية بالانفصال والتقسيم".

ويتابع جوهر حديثه بالقول إن وضع الحزب اليوم هو مخالف لحالته في أثناء حرب تموز 2006، إذ كانت ترفع صورة زعيمه حسن نصرالله في كل الميادين العربية والإسلامية.