كشفت شبكة "الراصد" المحلية في السويداء في تحقيقٍ لها اليوم، عن وجود مخطط لتشكيل حزب سياسي مرتبط بجناحٍ عسكري مدعوم من الخارج، يستهدف السيطرة على كامل السويداء بشكل تدريجي، وإزاحة النظام وإيران وتنظيم داعش من تلك المنطقة، وسط مخاوف من أن يؤدي المخطط الجديد الى إشعال "حرب أهلية".
واستندت شبكة "الراصد" في تحقيقها، إلى مجموعة من الوثائق والتسريبات، والتي تتضمن مراسلات جرت خلال الأشهر الماضية، بين شخص من السويداء مقيم في فرنسا يُدعى "سامر الحكيم"، وهو العرّاب الرئيسي للمشروع، مع مسؤولين أميركيين في التحالف، يطلب فيها منهم دعماً مالياً لتشكيل جناح عسكري لحزب سياسي يسميه حزب "الفيلق".
ولم يتلقَ عرّاب المشروع "سامر الحكيم"، أي دعم من المسؤولين الأميركيين حتى اليوم، ما دفعه للتواصل مع سفارة الاحتلال الإسرائيلي في باريس، وترتيب عدة لقاءاتٍ مع دبلوماسيين إسرائيليين في آذار الماضي، ولم تمض أسابيع على اللقاء حتى بدأ "الحكيم" بإرسال الأموال إلى السويداء وتشكيل مجموعات مسلحة، بحسب معلومات خاصة حصلت عليها "الراصد".
وتضيف الوثائق، أن الراعين للمشروع اجتمعوا في السفارة الأميركية بفرنسا، مع السفير الأميركي ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون بلاد الشام والمبعوث الخاص لسوريا حينها جويل ريبورن، وتحدثوا عن فراغٍ سياسي واقتصادي وعسكري في السويداء، وأن قوات النظام أصبحت مجرد ميليشيا تابعة لإيران، وأن نفوذ الروس بات ضعيفاً في المنطقة.
فصيل عسكري في السويداء من 600 مقاتل
وتكشف الوثائق عن مساعِ لتأسيس حزب سياسي يستقطب كوادر شابة من السويداء يُدعى "حزب الفيلق"، وأنه سيعمل سراً، ولن يتم الإعلان عنه رسمياً حتى يمتلك القوة العسكرية الكافية لحماية كوادره العاملة داخل السويداء.
ويستهدف "حزب الفيلق" الجديد تشكيل جناحٍ عسكري تابعٍ له مكون من 600 مقاتل في مرحلته الأولى، جميعهم موجودون في القرى الشرقية للسويداء بالقرب من الصحراء الشرقية.
وقال "سامر الحكيم" في إحدى المراسلات المسرّبة مع المسؤولين الأمريكيين: "سنبدأ خطواتنا الفعلية لإعلان سيطرتنا الكاملة على ريف السويداء الشرقي، وإزالة أي وجود للنظام السوري أو إيران نهائياً في تلك المنطقة".
وزعم الحكيم أن "الحزب يقوم على عدد من المبادئ، على رأسها طرد إيران وداعش من الجنوب السوري، ثم كلياً من سوريا"، لافتاً الى أن "الحزب المشكل هو حزب علماني، وأن لا وجود لأي ميولٍ دينية عند الفصائل المنضوية ضمن حزب الفيلق".
وتابع قائلاً: "طلبنا التنسيق مع القاعدة الأميركية في التنف للتعاون الوثيق، لتعزيز سيطرتنا على الجنوب، لنكون أول حزبٍ سياسي علماني في الجنوب السوري، يمتلك جناحاً عسكرياً قادراً على فرض سيطرته تدريجياً على السويداء على مراحل"، بحسب ما ذكر الحكيم في مراسلاته مع المسؤولين الأميركيين.
وأفادت شبكة "الراصد" أن "حزب الفيلق" عرض على كل شخص ينتسب إلى التشكيل العسكري الجديد التابع له، مبلغ 500 دولار شهرياً، وقيل للشخص الذي عُرض عليه العمل (حط 500 بجيبتك، و100 لكل حدا بتفوت لعندو، وبشهر رح تصير أهم واحد بالسويدا).
وأوضحت الشبكة من خلال تواصلها مع بعض الأشخاص الذين انتسبوا للتشكيل العسكري الجديد، أن رئيس "حزب الفيلق" سامر الحكيم، ادّعى مؤخراً أنهم تمكنوا من ردع إيران في القرى الشرقية، ومنع الإيرانيين و"حزب الله" من إقامة معاقل داخل القرى المذكورة، مشيرةً إلى أن تصريحاته غير واقعية، فالسويداء لم تشهد أي مواجهاتٍ حقيقية مع إيران أو "حزب الله" كما يزعم، وبأنه يدّعي ذلك لاستجرار الدعم المالي فقط.
من هو سامر الحكيم عرّاب المشروع؟
عرّاب المشروع المدعو "سامر الحكيم"، كان من المتعاقدين مع جهاز "الأمن العسكري" في عهد العميد "وفيق ناصر"، حيث تم اختياره ليكون مسؤولاً عن تشكيل المجموعات المسلحة داخل السويداء وقيادتها.
وأكدت مصادر خاصة "للراصد" أنه منذ عام 2019 تم التواصل مع عدة فصائل بارزة في السويداء، منها "حركة رجال الكرامة"، وفصيل "القاهرون"، لكن "الحكيم" فشل في إقناعهم بالمشروع الذي يسعى له؛ "ولا سيما أن معظم الفصائل في السويداء رفضت منذ بداية الثورة السورية تلقي دعمٍ مباشر عبر دول أجنبية، كي تحافظ السويداء على خط الحياد من الحرب الأهلية في سوريا".
رفض الفصائل البارزة في السويداء للمشروع، دفع "الحكيم" للبحث عن البديل، فتواصل مع "ليث البلعوس"، وتم تأسيس فصيل في بلدة المزرعة بقيادة "باسم الحمود" ومباركة ودعم البلعوس، وكانت الخطوة المباشرة بنصب حواجز بتعليماتٍ من رأس المشروع، وجنّد عشرات الأشخاص بعد التغرير بهم بالرواتب الشهرية.
تحذيرات من إشعال حرب أهلية
بدأت بوادر المشروع بالظهور خلال الأيام الماضية، بعدما صادر "فصيل المزرعة" سيارة مسروقة لفصيل "راجي فلحوط" من بلدة عتيل، رغم أن معظم عناصر "فصيل المزرعة" يستقلون سياراتٍ مسروقة.
وتصاعدت الأحداث عندما قام "فصيل فلحوط" بسلب عشر سيارات لأهالي المزرعة، لتتطور المشكلة إلى مشاحناتٍ قد تتحوّل لاشتباكاتٍ في أي لحظة.
وأفادت شبكة "الراصد" في تحقيقها: "بات واضحاً أنه تم الفراق بين أصدقاء الأمس وأعداء اليوم (راجي فلحوط وليث البلعوس)، اللذين شكلا ما يُعرف بفصيل الشريان الواحد عام 2018، خاصةً بعد إعلان فلحوط تبعيته لشعبة المخابرات العسكرية بشكلٍ علني عبر منشورٍ على صفحته الشخصية".
يتزامن ذلك مع تحذيراتٍ في أوساط السويداء من حدوث اقتتالٍ بين الفصائل المسلحة، والتي قد لا تتوقف على الفصائل، فمن الممكن أن تتحوّل إلى حربٍ أهلية نتيجة التركيبة السكانية ذات الطابع العشائري لأبناء المحافظة، ما يعني أن المشروع الجديد، قد يُدخل المحافظة في دوامة دماءٍ جديدة.
ويعتبر الوضع في السويداء غير مستقرّ بعد، في ظلّ عدم وضوح المستقبل، حيث تغيب الأجهزة الأمنية والشرطة التابعة للنظام عن المحافظة بشكلٍ كبير، وتتحاشى أي صدام مع المجموعات المسلحة المحلية، كما أنها لا تتدخل بالأحداث الأمنية، وسط استياءٍ حادٍ من أهالي السويداء، الذين يشتكون من صمت النظام وعدم وضعه حداً لمجموعات الخطف والسلب التي تستهدف أمن المحافظة.