"تحرير حلب" على المحك.. مجرد دعاية أم خطط عملية؟

2024.10.09 | 06:35 دمشق

61555555
+A
حجم الخط
-A

في خضم التصعيد الإسرائيلي ضد مواقع "حزب الله" في لبنان والميليشيات الإيرانية في سوريا، تتصاعد التكهنات حول إمكانية شن هجوم عسكري لتحرير مدينة حلب من سيطرة النظام السوري والميليشيات الموالية لإيران، مما يثير تساؤلات عدة حول جدية هذه الخطط وتداعياتها المحتملة على المشهد السوري والإقليمي ككل.

وبالتزامن مع التحولات العميقة التي تشهدها المنطقة العربية والعالم، تتساءل الفصائل المعارضة السورية عن إمكانية استغلال هذه الظروف لتحقيق تقدم في ملف الحرب السورية، لا سيما في حلب.

ورغم الشائعات المتداولة، يبدو أن احتمالية شن معركة واسعة النطاق لتحرير حلب في الوقت الراهن ضئيلة نسبيًا، فعلى الرغم من الضغوط الشعبية على الفصائل المعارضة لتحقيق تقدم ميداني، إلا أن الواقع العسكري والسياسي يفرض تحديات كبيرة.

وهنا نشير إلى تصريحات العقيد المنشق عبد الجبار العكيدي في مقابلة مع تلفزيون سوريا (6 أكتوبر 2024)، التي تشير إلى أن الوعود بتحرير حلب قد تكون أقرب إلى الدعاية منها إلى الخطط العملية. فرغم الأنباء عن اجتماعات عسكرية وتحركات للقوات، لم تظهر مؤشرات قوية على وجود تحضيرات جدية لعملية عسكرية واسعة. غياب القيادة العسكرية الموحدة بين فصائل المعارضة، وحالة عدم الثقة تجاه هيئة تحرير الشام، تشكل عقبات رئيسية أمام أي عمل عسكري منسق.

إذا حدثت حملة عسكرية، فمن المتوقع أن تكون هيئة تحرير الشام القوة الضاربة الرئيسية.

ولا يمكن تجاهل موقف الدول الفاعلة في الملف السوري، والذي يبقى عاملًا حاسمًا. فبدون ضوء أخضر من تركيا وروسيا، وفي ظل الموقف الأميركي الحذر، يصعب تصور إمكانية شن عملية عسكرية كبرى، وبالتالي التفاهمات الإقليمية والدولية التي أشار إليها العكيدي تبدو غير متوفرة في الوقت الحالي.

قد يكون الترويج لفكرة معركة تحرير حلب محاولة لتحقيق عدة أهداف، مثل رفع معنويات السكان المحليين، وإبقاء جذوة الأمل في العودة إلى ديارهم، والضغط على المجتمع الدولي لإعادة الاهتمام بالملف السوري. كما قد يكون هناك استغلال لانشغال الإقليم بأزمات أخرى لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية محدودة.

لكن ما هي الرسائل المراد إيصالها من الترويج لمعركة تحرير حلب؟ يمكن القول إن أولى الرسائل هي إرسال رسالة قوية لإيران تهدف إلى إضعاف حلفائها، وتذكيرها بأنها تتعرض لضغوط متزايدة في المنطقة، وأيضًا زيادة الضغط على النظام السوري وإبقاؤه في حالة عدم استقرار، وكذلك إعادة إحياء مسار المعارضة السورية والتذكير بأن صراعها لم ينته بعد.

لكن ومن باب تقييم الوضع أو تقدير الموقف بشكل صحيح وفي ضوء المعطيات الحالية، يبدو أن الحديث عن معركة وشيكة لتحرير حلب أقرب إلى المناورة السياسية والإعلامية منه إلى الخطط العسكرية الفعلية. فكما أشرنا، غياب التنسيق بين الفصائل، وعدم وضوح الموقف الدولي والإقليمي، إضافة إلى التحديات اللوجستية والعسكرية، كلها عوامل تجعل من فكرة شن هجوم واسع النطاق أمرًا مستبعدًا في المدى القريب.

وفي ظل التكهنات المتزايدة حول إمكانية شن حملة عسكرية لتحرير مدينة حلب، يبدو أن الواقع على الأرض أكثر تعقيدًا مما قد يبدو للوهلة الأولى. إذ من غير المرجح أن تكون هناك حملة واسعة النطاق لتحرير حلب في الوقت الراهن، إلا إذا كانت جزءًا من صفقة إقليمية أوسع، قد تتضمن تبادلًا للمناطق بين تركيا وروسيا، مما قد يغير موازين القوى في المنطقة.

ولكن إذا حدثت حملة عسكرية، فمن المتوقع أن تكون هيئة تحرير الشام القوة الضاربة الرئيسية، ومع ذلك، فإن هذا السيناريو يثير مخاوف دولية، حيث إن توسع نفوذ الهيئة غير مقبول على المستوى الدولي نظرًا لتصنيفها على قوائم الإرهاب.

لا شك أن معركة تحرير حلب ستحدث، ولكن موعدها الدقيق وكيفية حدوثها غير معروفين حتى الآن.

لنفترض سيناريوًا بديلًا عن السيناريو المتعلق بتحرير حلب، وبدلًا من ذلك، قد يكون هناك تحرك عسكري يبدأ بتشكيل مجلس عسكري موحد. قد يتزامن هذا مع عملية إسرائيلية في جنوبي سوريا تهدف إلى إضعاف النفوذ الإيراني. في هذا السيناريو، قد تبدأ عملية التحرير من الجنوب متجهة نحو الشمال، بعكس التوقعات الحالية.

بالمقابل، لنلقِ نظرة على مواقف القوى الإقليمية والدولية في ظل الحديث عن معركة تحرير حلب.

تركيا ترغب في بسط نفوذها على حلب لتعويض خسائرها الاستراتيجية في المنطقة، وروسيا قد تؤيد فكرة إنشاء مجلس عسكري، مما يجعلها أكثر تقبلًا للسيناريو المذكور. أما الولايات المتحدة فهي تعارض توسع نفوذ هيئة تحرير الشام بسبب تصنيفها كمنظمة إرهابية.

يبدو أن الترويج الإعلامي لفكرة تحرير حلب قد يكون محاولة من هيئة تحرير الشام لاستعادة شعبيتها وشرعيتها من خلال إيهام الجمهور برغبتها في التحرير. هذه الرسائل الإعلامية قد تكون بعيدة عن الواقع الميداني.

ورغم بعض المؤشرات، مثل حشد الإعلاميين وتجميع إطارات لحرقها (لتقليل رؤية الطيران) وخفض الرواتب في حكومة الإنقاذ بحجة دعم المعركة، حسب الأنباء الواردة بين فترة وأخرى من الشمال، إلا أنه لا توجد دلائل قوية على وجود استعدادات جدية لعمل عسكري واسع النطاق.

وهنا، تختلف الآراء حول جدية هيئة تحرير الشام في شن هجوم لتحرير حلب. فمن جهة، هناك من يرى أنها تستغل هذه الفرصة لتحسين صورتها وتقوية نفوذها، ومن جهة أخرى، هناك من يرى أنها جادة في تحقيق هذا الهدف، خاصة في ظل الضغوط الشعبية.

ولو نظرنا إلى المشهد بعدسة أوسع، فلا شك أن معركة تحرير حلب ستحدث، ولكن موعدها الدقيق وكيفية حدوثها غير معروفين حتى الآن. ومع ذلك، إذا ضعف النظام وتعرض لضغوط كبيرة مثل اضطرار الميليشيات المتحالفة معه للانسحاب نحو الجنوب، فقد يحاول النظام استغلال هذه الفرصة لخلق حالة من الفوضى وجر روسيا إلى المعركة ضد فصائل المعارضة. ولكن يبدو أن الأوضاع الحالية في الجنوب السوري، على الرغم من تهديداتها، لم تصل إلى درجة كافية لإحداث هذا التغيير.

تبدو الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي في هذا الملف، وتُرجح بعض الأطراف أنها قد توافق على عمليات عسكرية ضد الميليشيات الإيرانية.

ومع ذلك، تظل القضية السورية معقدة، وتتأثر بمصالح دولية متضاربة. لذلك، فإن أي تحرك عسكري في سوريا يتطلب تنسيقًا دقيقًا بين الفصائل المعارضة وتحديدًا للأهداف، بالإضافة إلى تقييم دقيق للمخاطر المحتملة والعواقب المترتبة على مثل هذه الخطوة.

واستنادًا إلى ما سبق، يمكن تصور عدة سيناريوهات محتملة للتطورات في سوريا، ومنها: استمرار الوضع القائم، حيث تبدو احتمالية اندلاع معركة كبرى لاستعادة حلب في الوقت الراهن ضئيلة، مع استمرار الأطراف المعنية في تبادل التصريحات والمناورات الإعلامية.

أو قد تشهد الساحة السورية عمليات عسكرية محدودة الأهداف، تهدف الفصائل المعارضة من خلالها إلى تحقيق مكاسب محلية، مستغلةً الانشغال الإقليمي بأزمات أخرى. وربما قد تشهد الساحة السورية عملية عسكرية تبدأ من الجنوب وتتجه نحو الشمال، تزامنًا مع تحركات إسرائيلية محتملة لضرب النفوذ الإيراني.

ومن الممكن أن تشهد المنطقة صفقات إقليمية تتضمن تبادلًا للمناطق بين تركيا وروسيا، مما قد يؤدي إلى تحولات في موازين القوى ويسهل عمليات عسكرية أوسع. وقد يسعى النظام السوري لخلق حالة من الفوضى لجذب روسيا إلى صراع مباشر مع المعارضة، وذلك وفقًا لمستوى الضغوط التي يتعرض لها هو وحلفاؤه.

ويُرجح أن توافق الولايات المتحدة على عمليات عسكرية محدودة تستهدف الميليشيات الإيرانية في سوريا، وليس بالضرورة خوض حرب شاملة لاستعادة حلب. ولكن جميع هذه السيناريوهات ليست بالضرورة متناقضة، بل قد تتداخل وتتفاعل مع بعضها البعض، نظرًا لتعقيد الوضع السوري وتأثره بالعوامل الإقليمية والدولية المتغيرة باستمرار.

ومن هنا، وفي ضوء هذه المعطيات، يبدو أن الحديث عن حملة وشيكة لتحرير حلب قد يكون سابقًا لأوانه، بينما يبقى الوضع معقدًا ويعتمد على عدة عوامل إقليمية ودولية. لذا، من المهم مراقبة التطورات عن كثب، مع الأخذ في الاعتبار أن المشهد السوري قابل للتغير بشكل سريع ومفاجئ.