أصدرت "هيئة تحرير الشام" بيان تهئنة لـ حركة "طالبان" الأفغانية، في ظل مباحثات "السلام" الجارية مع حكومة أفغانستان - برعاية الولايات المتحدة الأميركية - في العاصمة القطرية الدوحة.
وجاء في البيان المُعنون بـ"هنيئاً طالبان!" وحملت توقيع رئيس المجلس الشرعي في الهيئة "عبد الرحيم عطّون" المعروف بـ"أبي عبد الله الشامي"، أنّ توقيع الاتفاق "نصراً كبيراً أحرزه المسلمون في أفغانستان".
وذكر البيان - الذي نُشر على معرّفات "تحرير الشام" - أنّ "ما تجنيه أفغانستان اليوم هو نتيجة الجهد الكبير طيلة عقود في مقاومة المحتلين، وأن هذه النتيجة لم تكن طفرة، إنّما هي جزاء عمل دؤوب ومستمر".
وأضاف البيان أنّ "طالبان لم تخلط بين المسارين السياسي والعسكري، بل سار كل مسار منهما في خدمةِ الآخر"، موضحاً أنّ "الفعل السياسي يحتاج إلى قوة عسكريّة تحميه كما يجدر توظيف النجاح العسكري بصورة مكتسبات سياسية".
وقبل أيام، شهدت العاصمة القطرية الدوحة، أول محادثات سلام مباشرة بين حكومة أفغانستان وحركة طالبان برعاية أميركية، تهدف إلى إنهاء نحو عقدين مِن الحرب بين الطرفين، كما عُقد اتفاق مع الولايات المتحدة يقضي بانسحاب القوات الأميركية مِن أفغانستان بشكل تدريجي خلال 14 شهراً، وتضمن الاتفاق أيضاً إزالة العقوبات الأميركية عن أفراد مِن "طالبان" وتبادل إطلاق سراح السجناء.
اقرأ أيضاً.. برعاية أميركا.. بدء محادثات سلام بين طالبان وحكومة أفغانستان
رسائل "تحرير الشام" مِن بيان "تهنئة طالبان"
أشارت "هيئة تحرير الشام" في بيان تهنئة حركة طالبان إلى "أهمية الوحدة والجماعة وقيمتها - رغم مرارتها - مقابل التفرّق".
وتدل هذه الإشارة إلى ما فعلته "تحرير الشام" في فرض ذلك مؤخّراً، حيث حصرت النشاط العسكري في مناطقها بغرفة عمليات "الفتح المبين" التي تقودها، ومنعت إنشاء أي غرفة عمليات أو تشكيل أي فصيل عسكري تحت طائلة المحاسبة.
اقرأ أيضاً.. قرارات لـ"تحرير الشام" بضبط الوجود العسكري في 3 مناطق بإدلب
اقرأ أيضاً.. "تحرير الشام" تمنع أي عمل عسكري خارج "الفتح المبين"
وحمل بيان التهنئة - وفق مراقبين - رسائل داخلية لـ خصوم "تحرير الشام" داخلياً وخارجياً، خاصةً مع خوضها اشتباكات ضد تنظيمات عسكرية موجودة في الشمال السوري، بما فيها تنظيم "حراس الدين" المقرّب مِن تنظيم "القاعدة.
وسبق أن اعتقلت "تحرير الشام" قياديين تابعين لها وآخرين محسوبين على تنظيمات وفصائل عسكرية في إدلب، مِن بينهم المقاتل الفرنسي عمر ديابي (عمر أومسين)، وهو قائد لـ جماعة "فرقة الغرباء" التي تضم معظم المقاتلين الفرنسيين في الشمال السوري.
اقرأ أيضاً.. "تحرير الشام" تؤكّد اعتقال الفرنسي "عمر ديابي" وتوضّح الأسباب
ويرى مراقبون، أن ما تفعله "تحرير الشام" مِن حملات اعتقال تطول المقاتلين الأجانب (المهاجرين) في مناطق سيطرته، ليس أكثر مِن محاولة لـ"تبييض أوراقها عالمياً وإزاحةِ ستار التطرّف عنها، ورفع اسمها مِن قائمة الإرهاب العالمي".
اقرأ أيضاً.. هيئة تحرير الشام.. عن المستقبل والمصير
"الشامي": نحتاج إلى دعم دولي
سبق بيان "تحرير الشام" في تهنئة "طالبان" باتفاق السلام الذي رعتها أميركا، تصريحات أوردها "الشامي" نفسه لـ صحيفة "LETEMPS" السويسرية، وأوضحت رغبة "تحرير الشام" في تطبيع علاقاتها مع الدول الغربيّة وتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي وإزالة اسمها مِن قوائهم "التنظيمات الإرهابية".
اقرأ أيضاً.. شرعي تحرير الشام لصحيفة سويسرية: لا نشكل خطراً ونحتاج لدعم دولي
ولكن "الشامي" نفى أن يكون قد تحدّث عن "تطبيع" إنّما كان يقصد "نقل حقيقة الصورة كما هي في مناطق سيطرة الفصائل العسكرية بالشمال السوري"، مؤكّداً أنه تحدث للصحيفة عن أنّ "المقاومة مشروعة ضد أي دولة ساندت نظام الأسد".
وتابع "أما بقية الدول فلا مشكلة معها، وأنّ (هيئة تحرير الشام) لا تحمل أجندات تجاه تلك الدول، ولا مانع مِن إجراء الحوارات معها للتعريف بالقضية السورية، وأنّ فرنسا تُعتبر مِن ضمن هذه الدول أيضاً".
ومع تصريحات "الشامي" وبيان "تهنئة طالبان" الذي حمل توقيعه، يقول المراقبون إنّ "تحرير الشام" تواصل تطوير خطابها السياسي وإظهار الليونة في مخاطبة المجتمع الدولي، وإعطاء نفسها الأحقية في مناقشة القضايا التي تساعد السوريين، الذين يتعرّضون لـ حرب - ما تزال مستمرة منذ نحو 10 سنوات - يشنّها عليهم نظام الأسد وحلفاؤه.
وحسب ما نقلت "عنب بلدي" عن محلليين سياسيين، فإنّ "تحرير الشام" تكرّس مِن خلال هكذا خطابات ومواقف، انفصالها بشكلٍ فعلي عن تنظيم "القاعدة" الذي يؤمن بـ"عالمية الجهاد"، وأنّها تعمل على حصر "جهادها ومقاومتها" ضد نظام الأسد وحلفائه فقط، وأنّها "لن تقوم بأي نشاط خارج هذا الإطار"، بالتزامن مع حربها ضد "التنظيمات المتشدّدة" والتي تنشق عنها.
ومقابلة "الشامي" هي الثانية لـ قيادة "هيئة تحرير الشام" مع وسائل إعلام غربية، حيث سبقها، في شباط الماضي، لقاء لـ"أبي محمد الجولاني" - زعيم الهيئة - مع مجموعة الأزمات ومركز الحوار الإنساني في مدينة جنيف السويسرية، تطرق فيه لـ فكر "الهيئة" وتطورها، وعلاقاتها مع الفصائل، وأهدافها التي تسعى لتحقيقها عبر محاربة نظام الأسد.
اقرأ أيضاً.. الجولاني: قد نخرج ببيان سياسي يوضح هويتنا
يشار إلى أن "أبو محمد الجولاني" - زعيم "هيئة تحرير الشام" - أعلن، شهر تموز 2016، وقف العمل باسم "جبهة النصرة" وفك الارتباط بتنظيم "القاعدة" وتشكيل جماعة جديدة باسم "جبهة فتح الشام"، وفي كانون الثاني 2017، أعلن "الجولاني" تغيير الاسم مرة ثانية إلى "هيئة تحرير الشام" - وهو الاسم الحالي - بعد اندماج "فتح الشام" مع فصائل "حركة نور الدين الزنكي، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنة"، قبل أن تشهد "الهيئة" فيما بعد، انشقاق بعض الفصائل والقيادات عنها.