أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بأن الغارة الإسرائيلية على ميناء اللاذقية، فجر اليوم الثلاثاء، هي لقطع طريق التهريب البحري لإيران ورسالة تحذيرية لنظام بشار الأسد، موضحة أنها استهدفت شحنة أسلحة إيرانية تحوي منظومات دفاع جوي، ومرجحة أن إيران هربتها من دون علم الأسد.
وكتب معلق الصحيفة للشؤون الأمنية والعسكرية، رون بن يشاي، تقريراً موسعاً اليوم، تعليقاً على هذه الغارة موضحاً أسبابها وملابساتها، وحول عمليات التهريب التي تقوم بها إيران، وسبب الاستياء الروسي والنظام من نشاطات الأخيرة.
وقال بن يشاي، هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل ميناء اللاذقية، الميناء الرئيسي في سوريا، الذي يمثل عصب الحياة الاقتصادية لنظام الأسد و"حاضنته الطائفية".
وأضاف الخبير العسكري الإسرائيلي، أن الغارة هي رسالة تحذير من إسرائيل لنظام بشار الأسد، بأنها لن تتراخى أو تتردد في الإضرار بميناء اللاذقية، الذي يعدّ نبض سوريا الاقتصادي والعسكري، إذا سمح للإيرانيين بمواصلة تهريب الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الحدود السورية-الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، بعد ساعات من الغارة، بأن تل أبيب "لن تتوقف ثانية واحدة" عن محاربة "القوى الهدامة"، في إشارة إلى الوجود العسكري الإيراني في سوريا.
وبحسب بن يشاي، استهدفت الغارة شحنة منظومات دفاع جوي يحاول الإيرانيون تهريبها لنظام الأسد، لحماية قواعدهم في سوريا من هجمات سلاح الجو الإسرائيلي، لافتاً إلى أنها تأتي بموجب اتفاقية دفاعية تم توقيعها قبل عامين بين طهران والأسد.
وأشار الخبير العسكري الإسرائيلي إلى أن إيران تخدع نظام الأسد وتقوم بتهريب الأسلحة من دون علمه، وترجح التقديرات الإسرائيلية إلى أن الأسد لم يكن يعلم أن الإيرانيين كانوا يهربون أسلحة مضادة للطائرات وأسلحة أخرى عبر حاويات السلع التجارية في ميناء اللاذقية.
ولفت بن يشاي إلى أن الإيرانيين يحاولون استغلال الظروف الحالية، وفي الوقت الذي يجرون فيه مفاوضات في هذه الأيام للعودة إلى اتفاق نووي في فيينا، يواصلون محاولة تهريب صواريخ دقيقة ومعدات إنتاج صواريخ دقيقة لـ "حزب الله" في لبنان وللميليشيات التي تعمل لصالحهم من الأراضي السورية.
إسرائيل.. عصفوران بحجر واحد
وأشار الخبير العسكري الإسرائيلي، رون بن يشاي، المعروف بصلاته الوثيقة بهيئة الأركان الإسرائيلية، إلى أن إسرائيل حققت من خلال هذه الغارة هدفين "عصفوران بحجر واحد"، سياسي وعسكري، من خلال عدد قليل من الصواريخ فجر اليوم.
عسكرياً، تسديد ضربة للتموضع الإيراني في سوريا، عبر منع تهريب شحنة الأسلحة الإيرانية (منظومات دفاع جوي)، ووضع خط التهريب البحري عبر ميناء اللاذقية على بنك الأهداف لأول مرة.
أما سياسياً، فيرى بن يشاي أن الغارة تعكس "صراعاً خفياً وحامي الوطيس" على السلطة والنفوذ في سوريا بين الثلاثي المتمثل في نظام الأسد والروس والإيرانيين، وكيف أن الهجمات الإسرائيلية باتت تخدم بوتين والأسد المتعطشَين لإطلاق مرحلة إعادة الإعمار، لأن الوجود الإيراني يقف عائقاً أمام تدفق المال والشركات.
وكانت وكالة أنباء النظام "سانا" أعلنت، اليوم الثلاثاء، أن قصفاً جوياً إسرائيلياً استهدف فجر اليوم ساحة لتجميع الحاويات في ميناء اللاذقية على الساحل السوري، بعدة صواريخ قادمة من اتجاه البحر المتوسط.
وبحسب "سانا"، تسبب القصف الإسرائيلي باندلاع حرائق واشتعال عدد من الحاويات التجارية، وحدوث خسائر مادية، من دون وقوع خسائر بشرية، مشيرة إلى أن "الدفاعات الجوية التابعة للنظام تصدت للصواريخ المعادية".
عد.وان إسر.ائيلي جوي على محيط مرفأ اللاذقية pic.twitter.com/QkszgCm0Od
— سانا عاجل (@SanaAjel) December 7, 2021
من جهته قال الخبير الإسرائيلي، "من المحتمل جداً" أن طائرات سلاح الجو الإسرائيلي هي التي حلقت في سماء البحر الأبيض المتوسط وأطلقت صواريخ جو-أرض على ساحة نقل الحاويات في ميناء اللاذقية، الميناء الرئيسي في سوريا.
ويحاول بن يشاي التنصل القانوني من تبني إسرائيل للغارة، عبر إيراده عبارة "من المحتمل"، لأن العادة جرت في إسرائيل التكتم على عملياتها العسكرية، لإضفاء طابع من الغموض وعدم تحمل المسؤولية وتبعاتها على الصعيدين السياسي والعسكري.
يشار إلى أن القانون الإسرائيلي لا يجيز لوسائل الإعلام نشر الأخبار العسكرية الحساسة، إلا ما ندر، ولكن تقارير رون بن يشاي تعبر عن الرواية المركزية الإسرائيلية بحكم قربه الشديد من هيئة الأركان.
طريق التهريب البحري لإيران
وبحسب تقرير "يديعوت أحرونوت"، لا تزال إيران تستخدم ثلاثة طرق، برية وجوية وبحرية، في عمليات تهريب الأسلحة إلى سوريا.
- برياً، عبر الممر البري الذي يمر عبر العراق وسوريا، ومن هناك إلى لبنان، المعروف بـ "الكاريدور" البري الواصل بين طهران وجنوب لبنان.
- جواً، عبر مطار دمشق الدولي الذي يستخدمه الحرس الثوري الإيراني، إلا أن تقارير إسرائيلية أشارت مؤخراً إلى تراجع اهتمام الإيرانيين بمطار العاصمة والانسحاب نحو مطار التيفور العسكري في حمص وسط البلاد.
- بحراً، عبر سفن تجارية، ووباستخدام "الحاويات البريئة" الموزعة بين الحاويات الغذائية، ترسو في ميناءي طرطوس واللاذقية، لتهريب السلاح والوقود.
"الحاويات البريئة".. ما هي؟
تقوم إيران بتهريب الأسلحة والوقود إلى سوريا ومن ثم إلى لبنان عبر البحر المتوسط بشكل سرّي، من خلال ما يسمى بــ "الحاويات البريئة"، التي توجد داخل مجموعات كبيرة من الحاويات التي تحتوي على سلع غذائية ومدنية من جميع الأنواع.
وبحسب رون بن يشاي، فإن الإيرانيين يلجؤون إلى "الحاويات البريئة" عندما يضطرون لنقل معدات صناعية كبيرة الحجم أو أنظمة دفاع جوي لا يمكن تفكيكها إلى قطع صغيرة ونقلها بالشاحنات على الطريق البري أو بالطائرات في الطريق الجوي.
وتركز شحنات التهريب الإيرانية على نقل الأسلحة والنفط، وهي إحدى الطرق الالتفافية لإيران على العقوبات الأميركية والغربية بسبب برنامجها النووي.
وأشار التقرير إلى أن معظم شحنات التهريب البحرية الإيرانية كانت تصبّ في ميناء طرطوس (جنوب ميناء اللاذقية) في السابق، ولكن بعد أن أستأجره الروس، بات الإيرانيون يجدون مشكلة لذلك لجؤوا سراً ومن دون علم الأسد إلى استخدام ميناء اللاذقية.
يشار إلى أن القاعدة البحرية الروسية في طرطوس هي منطقة الوجود الروسي الوحيدة في البحر المتوسط. وكانت روسيا استأجرت ميناء طرطوس في نيسان/أبريل 2019، لمدة 49 عاماً، لتأسيس موطئ قدم طويل الأمد في المياه الدافئة.
تقاطع المصالح بين بوتين والأسد وإسرائيل
وعلى ضوء هذه الغارة، جدد الخبير الإسرائيلي الحديث عن تقاطع المصالح بين روسيا ونظام الأسد من جهة وبين إسرائيل من جهة أخرى، في محاربة الوجود الإيراني في سوريا.
وقال بن يشاي، إن إسرائيل تحرص في السنوات الأخيرة على عدم مهاجمة ميناء طرطوس لتجنب إلحاق الأذى غير المقصود بالعسكريين الروس والمدنيين وكذلك السفن الحربية الروسية الراسية في ميناء طرطوس.
ويأتي ذلك وفقاً لتعهدات رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في لقائه الأول مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن إسرائيل ستفعل كل ما في وسعها، بما في ذلك الإنذارات المبكرة، حتى لا تضر بالمصالح الروسية داخل سوريا.
وفي المقابل حصلت إسرائيل على ضوء أخضر روسي باستمرار عملياتها العسكرية ضد الوجود الإيراني في سوريا، وهذه الهجمات – بحسب بن يشاي- تخدم المصلحة الروسية.
ويوضح بن يشاي أن جهود إيران لترسيخ وجودها في الأراضي السورية وتهريب الأسلحة إلى حزب الله تؤدي إلى قيام إسرائيل بشن هجماتها داخل الأراضي السورية، وفي كثير من الأحيان تستهدف مواقع عسكرية واقتصادية للأسد، الأمر الذي يقوّض سلطة النظام ويمنع انطلاق مرحلة إعادة إعمار سوريا لأن الشركات الاقتصادية غير مستعدة لدخول دولة تتعرض للهجوم باستمرار.
وبحسب الخبير العسكري الإسرائيلي، كل هذا يثير غضب الروس، الذين يتهمون الإيرانيين بأن أفعالهم - سواء في المجال الاقتصادي أو في محاولاتهم لإنشاء قاعدة عسكرية - تضر بشكل مباشر بمصالح بوتين الاقتصادية والسياسية في سوريا.
ويتابع بن يشاي، كما أن نظام الأسد مستاء من الإيرانيين وأنشطتهم العسكرية في سوريا، لأنها تسبب له ضرراً اقتصادياً بشكل كبير، لافتاً إلى أن الأسد أقصى حديثاً قائدَ فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني مصطفى جواد غفاري.
ويتوقع الخبير العسكري الإسرائيلي أن نظام الأسد بعد هذه الغارة سيشدد السيطرة على ميناء اللاذقية أيضاً، باعتبار أن ميناء طرطوس محمي من قبل الروس، الأمر الذي سيجعل من الصعب على طهران تهريب الأسلحة عبر الطريق البحري.