مع اللمسات الخبيثة الخطيرة الأخيرة على "الاتفاق النووي" بين "الجمهورية الإسلامية" و"الشيطان الأكبر" (عبارة الخمينية المفضّلة لوصف أميركا)؛ ومع الدور الإيراني المدمّر لمحيطه، وخاصة في سوريا؛ ومع استغلال الملالي لأزمة بوتين إثر غزوه لأوكرانيا، ودَفْعِهِم إياه كي يضغط على تركيا، لتتقارب مع منظومة الاستبداد الأسدية، نكاية بأميركا التي تحاصر الجميع؛ عُدْتُ إلى مقابلة أجْرَتْها محطة المنار التلفزيونية مع أداة الملالي في لبنان، المدعو "حسن نصر الله"، لأقفَ على جذر وبداية الكارثة، التي تسبب بها وأسياده في سوريا؛ لأنني أذكر عبارة "سحرية" له تقول: "لنضع النقاط على الحروف". وفعلاً، وضعَ الرجل النقاط على الحروف، وكشف حقيقة انخراط إيران وأدواتها بما حلّ بسوريا.
بعد المشاهدة، كتبت التغريدة التالية التي أثارت حفيظة أزلام وأبواق أدوات الملالي: "طيلة أربعين عاما، لم يغب المدعو "حسن نصر الله" عن عين إسرائيل، التي يدّعي مقاومتها. فهي حَرِصَت عليه للاستخدام في اللحظات الحاسمة كعام 2011، عندما انتفض الشعب السوري، على "نظامه" المستبد. لبّى المذكور وأسياده الإيرانيون النداء؛ وتحالفوا مع بوتين؛ وكان دمار بلدنا سوريا".
تاريخياً، بدأت العلاقة الخمينية-الأسدية عام ثلاثة وسبعين من القرن الماضي، عندما اقترح المرحوم "موسى الصدر" على "حافظ الأسد" لقاء "الخميني" حين كان منفياً في العراق
وكي أوضّح الحقيقة التي يتعامون عنها أو يريدون طمسها؛ سأعود إلى جذور تلك العلاقة، وأوضح حقيقة العبث الإيراني في سوريا ومساهمتها المدمرة فيما حدث لسوريا على أيديهم. فتلك الأبواق لم يؤلمها الحديث عن إجرام إيران وأدواتها بحق سوريا والسوريين، بل كون "نصر الله" تحت عين إسرائيل كأداة لها؛ وليس فقط كما يبوح عادة بأنه جندي تحت "ولاية الفقيه"، ويغطّي ذلك الارتباط المشؤوم بـ "مقاومته لمحتل الأرض".
تاريخياً، بدأت العلاقة الخمينية-الأسدية عام ثلاثة وسبعين من القرن الماضي، عندما اقترح المرحوم "موسى الصدر" على "حافظ الأسد" لقاء "الخميني" حين كان منفياً في العراق. تمَّ ذلك اللقاء، ولكن الفرج الحقيقي أتى الأسد بقيام ما سُمِّي "الجمهورية الإسلامية" عام ١٩٧٩، لينشأ حلف غير معلن، يغطيّه شعار "المقاومة والممانعة". وقف الأسد مع إيران في حربها مع بلد عربي، متحدياً مشاعر الدول العربية والإسلامية وجماهيرها، وشعارات القومية العربية؛ إلا أن التجاذب والتنابذ بين الشريكين كانا واضحين.
قُبَيل عام اثنين وثمانين، مثلاً، وعند الحاجة الماسة لإيجاد وكلاء لإسرائيل غير "سعد حداد، وأنطوان لحد" في الجنوب اللبناني، أراد الأسد أن يكون له اليد العليا في تشكيل ميليشيا تقوم بالواجب المكلَّف به في حماية الشمال الإسرائيلي المهدد بالخطر، كما ذكر "بن غوريون" في مذكراته. إيران من جانبها، وعبر الأموال التي كانت تضخها، وبحكم شيعيتها وشيعية الميليشيا، التي كانت تنوي إنشاءها؛ أرادت أن تكون يدها العليا. لما كان لبنان ساحة مستباحة؛ والأسد الأب هو المتعهد الأساس للقوى الموجودة على الساحة، لم يكن مسموحاً أن يزاحمه أحد على ذلك التعهد، وخاصة بعد إزاحة "سعد حداد وأنطوان لحد"، واتفاق 17 أيار من الطريق. كان على إيران- كجزء من تمدد مشروعها، الذي أطلق عليه العاهل الأردني "الهلال الشيعي"- إما أن تتكابش مع الأسد الأب، أو تنسق معه؛ وكان الخيار الأخير، الذي طوّر علاقة متكافئة بينهما.
كان غياب حافظ الأسد عام 2000 لحظة فرج بالنسبة لإيران، لمعرفتها بأن تأثيرها على سوريا يرأسها الأسد الابن، سيكون أكبر؛
أبقى الأسد الأب مسافة بينه وبين الإيرانيين، لإحساسه الغريزي بأن هيمنته على لبنان قابلة لمواجهة المخاطر؛ فإيران تنشط بشكل رهيب ضمن المكون الشيعي في الجنوب، وتضخّ أموالاً لا قدرة لديه على مجاراتها.. فكان لابد من التنسيق المشترك؛ ولكن لاغَلَبة لجانب على آخر، رغم الضيق الذي كان ينتابه بأن إيران تتمدمد في حديقته الخلفية (لبنان). لابد أن اللواء محمد ناصيف، الذي كان يحفظ دماغ حافظ الأسد عن ظهر قلب، قد سعى إلى إنجاز الأمر بأقل الخسائر على طريقة ما يحدث للقنافذ في فصل الشتاء (فهي إذا التصقت ببعضها البعض تؤذي نفسها بشوكها، وإن تباعدت، تبرد). سعى محمد ناصيف للحفاظ على هذا التوازن؛ ولكن ذلك ما كان مريحاً أو مُشْبِعَاً لإيران. كان جوهر خطتها تمدمد حزب الله، ليكون القوة التي لا يقف أحد في وجهها في لبنان، والمساهم في ابتلاع سوريا ما بعد حافظ. كان غياب حافظ الأسد عام 2000 لحظة فرج بالنسبة لإيران، لمعرفتها بأن تأثيرها على سوريا يرأسها الأسد الابن، سيكون أكبر؛ وثَبُت ذلك عام 2011 مع انطلاقة الثورة السورية، واهتزاز السلطة الوريثة.
- في الجزء الثاني من هذا المقال، مآلات هذه العلاقة المشبوهة الخاصة، وتطوراتها الحاضرة باتجاه نهاية المشروع الإيراني و"تجرع كأس السم ثانيةً".