لم يكن المسن الفلسطيني نبيل الكرد، يتجاوز أربعة أعوام من العمر عندما طردت العصابات الإسرائيلية عائلته من منزلها في مدينة حيفا، شمالي فلسطين، إبان النكبة؛ واليوم يتهدده تهجير جديد من حي "الشيخ جراح" بالقدس.
ويحيي الفلسطينيون، اليوم السبت، الذكرى السنوية الـ73 لنكبة فلسطين، ومعها تتجدد تفاصيل أحداث مؤلمة في حيّ الشيخ جرّاح، بمدينة القدس المُحتلّة، إذ يتهدد الطرد سكانه.
كما تتزامن الذكرى لهذا العام مع عدوان إسرائيلي على قطاع غزة من الإثنين الماضي، أسفر عن مقتل العشرات، بينهم أطفال ونساء، وإصابة المئات.
ويُطلق الفلسطينيون مصطلح "النكبة" على عملية تهجيرهم من أراضيهم، على أيدي "عصابات صهيونية مسلحة" عام 1948، وإقامة الكيان الإسرائيلي.
ونظرا لصغر سنه، لا يذكر الكرد شيئا عن حيفا، سوى المطعم الذي كان يملكه والده على شاطئ البحر، وأجبر على مغادرته عام 1948، ولم يعد إليه منذ ذلك الحين.
ومع الهبّة الفلسطينية الأخيرة، نصرة لحي الشيخ جراح والقدس والمسجد الأقصى، لا يبدو المسن الفلسطيني متفائلا بالبقاء في المنازل المهددة في الحي فقط، بل يقول لوكالة الأناضول إنه متفائل بالعودة إلى مدينة حيفا.
ترحيل جديد في الأفق
ووفق معطيات الأمم المتحدة، يواجه 169 فلسطينيا في حي "الشيخ جراح" بينهم 46 طفلاً، "تهديدا فوريا بالإخلاء من المنازل التي عاشوا فيها لأجيال".
وسكان هذا الحيّ، وهم من 28 عائلة، مُهجّرة أصلا من منازلها التي طُردت منها، إبان أحداث النكبة عام 1948، وتسعى جمعيات استيطانية للاستيلاء على بيوتهم بوثائق يقول السكان والسلطة الفلسطينية إنها مزورة.
والأحد الماضي، تدخل المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية لتـأجيل جلسة أخيرة في المحكمة العليا كانت مقررة الإثنين، للبت في ملكية عدد من البيوت الفلسطينية.
يضيف الكرد "إذا استمرت الهبة الشعبية على ما هي عليه فنحن ذاهبون إلى التحرير، الوضع الذي عشناه (في حي الشيخ جراح) وجد صداه في كل مكان من فلسطين".
يرى الكرد أن الفلسطيني اليوم "أقوى" من أي وقت مضى. ويصف الكرد هبّة الأسابيع الأخيرة لنصرة الشيخ جراح والمسجد الأقصى، بأنها "رائعة".
ويحيي الفلسطينيون في 15 من أيار هذه الذكرى من كل عام، بمسيرات احتجاجية ومعارض تراثية، للتأكيد على حقّهم في العودة إلى أراضيهم، إلا أنهم ومنذ العام الماضي، اكتفوا بإحيائها افتراضيا، بفعل جائحة "كورونا".
الفلسطينيون تضاعفوا 9 مرات
ويقول الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إن عدد الفلسطينيين تضاعف منذ نكبة عام 1948، أكثر من 9 مرّات.
جاء ذلك في تقرير أصدره الجهاز، يستعرض أوضاع الفلسطينيين في الذكرى الـ73 للنكبة، مضيفا أن عدد الفلسطينيين، بلغ نهاية عام 2020، قرابة 13.7 مليون نسمة في الداخل والخارج.
ضحايا وخسائر النكبة وما بعدها
وعن الضحايا الفلسطينيين، والعرب، منذ النكبة عام 1948، وحتى اليوم، قال التقرير إن أعدادهم بلغت نحو 100 ألف قتيل، بينهم نحو 11 ألفا قضوا في العقدين الأخيرين.
وتخلل النكبة تشريد أكثر من 800 ألف فلسطيني، وتدمير 531 قرية فلسطينية، وارتكاب 70 مجزرة بحق الفلسطينيين أدت إلى مقتل ما يزيد على 15 ألف فلسطيني.
وأشار الإحصاء إلى انتشار 461 موقعا استعماريا وقاعدة عسكرية في الضفة الغربية في نهاية العام 2019، منها 151 مستعمرة و166 بؤرة استيطانية.
وأضاف أن عدد المستعمرين في الضفة الغربية بلغ نحو 688 ألفا نهاية العام 2019.
ظروف استثنائية
وتمر الذكرى الـ73 للنكبة، في ظل ظروف استثنائية يعيشها الفلسطينيون، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلّة، أو الداخل الإسرائيلي، بحسب الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى إبراهيم.
ويضيف في حديثه لـ"الأناضول" أن هذه الظروف "مهمة جدا للشعب الفلسطيني، بدءا من هبّة القدس المُتدحرجة، وصولا إلى توحّد الفلسطينيين، شعبيا ومناطقيا ووجدانيا، في كافة مناطق تواجدهم".
وأوضح أن ما يجري داخل إسرائيل، من انتفاض للفلسطينيين "فاجأ حكومة تل أبيب بعد أن اعتقدت أنها نجحت في كسر إرادتهم وهزيمتهم".
واستكمل قائلا "اعتقدت إسرائيل أن الفلسطينيين بالداخل، انهزموا، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها، كما اعتقدوا أنهم جيل نسي قضيته، إلا أنه يقود اليوم هذا الحراك في المدن المحتلة".
وأشار إلى ضرورة أن تستغل القيادة الفلسطينية هذا الحراك وهذه الظروف على المستوى الداخلي لـ"تعزيز القضية، وإعادة التألق لها".
ولفت إلى أن هذه التطورات المهمة "أعادت القضية الفلسطينية على سلم الأولويات المحلية، والخارجية".
العدو الديمغرافي
في قراءته لمعطيات جهاز الإحصاء الفلسطيني، يقول الصحفي والباحث محمود فطافطة، إن سكان فلسطين في ازدياد رغم إبادة مئات القرى وقتل وتهجير مئات آلاف السكان.
وأضاف في حديثه للأناضول أن الاحتلال الإسرائيلي "دائما يتحدث عن العامل الديمغرافي كخطر على وجوده".
وقال إن وجود كيان الاحتلال يعتمد على ثلاثة عناصر كلها باتت مهددة بعد 73 عاما على النكبة: الأمن، الأرض، الجانب البشري.
وأشار إلى أن إسرائيل لم تعد دولة جالبة للمهاجرين كما كانت إبان النكبة، ولم تتمكن من محو فلسطين التاريخية من ذاكرة أجيال ما بعد النكبة.
وأشار فطافطة إلى تأثير الزيادة السكانية للفلسطينيين داخل إسرائيل، وتجاوزهم في منطقة الجليل (شمال) عدد اليهودي ليشكلوا 52% من السكان.