أدلى عامل إغاثة ألماني بشهادة مروعة حول التعذيب والاغتصاب الذي شاهده بأم عينه في أحد مراكز الاعتقال بسوريا حيث احتجز لمدة ستة أسابيع مع صديق له بعدما اعتقل بتهمة التجسس.
إذ ذكر مارتن لوتفين البالغ من العمر 29 عاماً بأنه رأى سجناء معلقين من معاصمهم كالأغنام التي تنتظر ساعة الذبح حسب وصفه، فيما تعرض آخرون للصعق بالكهرباء وهم مقيدون بسلاسل معدنية.
وفي الليلة الثانية لاحتجازه، سمع بكاء من الزنزانة المجاورة لزنزانته والتي فصل فيها الأطفال عن أمهم التي كانت تغتصب حينها، وهنا يقول هذا الشاهد: "لا أستطيع أن أنسى صراخها، إذ كان من الواضح أنها تتعرض للاغتصاب".
اقرأ أيضا: القضاء الألماني يستخدم "صور قيصر" كأدلة في محاكمة "كوبلنز"
وقد ذكر لوتفين وهو حارس سابق لملهى ليلي بأنه تعرض هو أيضاً للتعذيب لكنه رفض الإدلاء بمعلومات مخافة أن يؤثر ذلك على أهله وأصدقائه، فقد كان يعمل كمساعد فني في منظمة إغاثية تساعد اللاجئين عندما اعتقل في شمال شرقي سوريا في شهر حزيران من العام 2018، بينما كان هو وصديقه الأسترالي يقومان بالتسوق لشراء بعض الحاجيات من السوق.
ثم نُقلا إلى مركز احتجاز سيئ الصيت بالعاصمة السورية دمشق، يعرف باسم الفرع 235، يعرف بين الأهالي باسم فرع الموت.
وقد تحدث هذا الشاب عن تلك التجربة بالقول: "أعطوني كوبين متماثلين، أحدهما للطعام والثاني لأتبرز فيه، وكذلك قارورتين، إحداهما للماء والثانية لأتبول فيها"، وفي كل يوم يمنح فرصة مدتها دقيقتان ليهرول من زنزانته إلى الصنبور ليقوم بغسل تلك الأواني.
وفي كل مرة يقطع فيها الممر كان يرى الجحيم، فقد رأى سجينين يجلدان بالسياط ويضربان، وفي إحدى المرات شاهد أظافر أحد المعتقلين وهي تقتلع، فيما رأى سجناء آخرين وهم يتعرضون للتعذيب بواسطة عصا تستخدم مع المواشي لكنها كانت تطول أعضاءهم التناسلية، وقد عُلق بعض منهم من السقف بانتظار دوره في التعذيب.
وهنا يقول: "في أحد الأيام نظف حرس السجن الممر ثلاث مرات، فتمددت على الأرض وأخذت أختلس النظر من تحت الباب لأعرف ماذا جرى، فرأيت الدم وقد انتشر في كل مكان، لدرجة أنه وصل إلى باب زنزانتي".
وفي بعض الأحيان كانت الصرخات التي تأتي من الزنزانات المجاورة تنقطع فجأة، وعندما نظر لوتفين من تحت الباب، شاهد مرتين "أكياساً لجثث ملقاة في الممر" وصفها بأنها: "بدت وكأنها قد استعملت قبل ذلك".
أما جدران زنزانته فقد كانت ملأى بالأحرف العربية، ولهذا لم يفهم ما تعنيه، لكنه يعتقد أن من سجنوا قبله هم من نقشوا تلك الكتابات، ولهذا كان يسأل نفسه إن ظلوا أحياء أم قتلوا.
كان يرى كوابيس لشبح يسبقه عندما يغلبه النوم، غير أن هذا كان أفضل من أن يحلم بالعودة إلى بيته كما ذكر.
اقرأ أيضا: صفعة دولية لمؤتمر الأسد وأدلة مهمة في محكمة كوبلنز
وبالرغم من الفظائع والرعب الذي يتعرض له السجناء إلا أنهم ظلوا يتحدون السجان حسب رأي لوتفين الذي قال: "كانوا يبتسمون لبعضهم من حين لآخر".
لقد كان هذا الألماني وصديقه الذي لم يتم التعرف على هويته محظوظين عندما أطلق سراحهما في 11 آب بعدما تدخلت السفارة التشيكية وهي آخر تمثيل دبلوماسي أوروبي بقي في سوريا لصالح الحكومة الألمانية.
إلا أن الفترة التي أمضاها لوتفين في السجن ما برحت تراوده، ويعقب على ذلك بالقول: "لقد خرجت لأني ألماني وأبيض، ولكن ماذا عن السوريين الذين يتعرضون للتعذيب على يد حكومتهم؟"
ولوتفين اليوم هو أحد المدعين في التحقيق ضد كبار المسؤولين في المخابرات السورية إلى جانب أكثر من عشر ضحايا سوريين لعمليات التعذيب، وقد يدلي هذا الشاب بشهادته في حال طلب منه ذلك في المحكمة.
إن أول محاكمة تجري خارج سوريا فيما يتصل بالنزاع الذي امتد لفترة طويلة فيها قد بدأت في نيسان في مدينة كوبلنز الألمانية، حيث اتهم سوريان اثنان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ولهذا قد يطلب من مارتن أن يدلي بشهادته في تلك المحاكمة أيضاً.
وتعتبر تلك القضايا جزءاً مهماً من الجهود التي تبذل لمحاكمة مجرمي الحرب بسوريا وذلك بموجب القانون الذي صدر في عام 2002 والذي يجيز للمحاكم الألمانية أن تحقق في جرائم دولية في ظل ظروف معينة.
ومنذ بداية الحرب في سوريا، قام نشطاء حقوقيون بجمع قدر كبير من الأدلة، إلى جانب شهادات السجناء والحرس بل حتى بعض المسؤولين، وذلك ليسلطوا الضوء على عمليات الاعتقال والتعذيب الممنهجة التي مورست بحق المتظاهرين وناشطي المعارضة وكل من له صلة بها.
اقرأ أيضا: فورين بوليسي: كوبلينز تسحق أي أمل للنظام بالتطبيع
فقد ورد في تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية تفاصيل حول عمليات الإعدام الجماعية بطريقة الشنق والتعذيب التي ارتكبت في أحد السجون بسوريا حيث استمر الوضع على حاله حتى شهر كانون الأول من العام 2015.
وفي كوبلـنز، قدمت شهادة حفار قبور سبق أن عمل لصالح النظام كونه ساعد في دفن الكثير من الجثث، واعتبر فرع أمن الدولة مسؤولاً عن عمليات القتل تلك، المزيد من الأدلة حول الجرائم التي ظلت ترتكب حتى أواخر عام 2017. فيما توضح رواية لوتفين بأن تلك الجرائم استمرت حتى شهر آب من العام 2018 على أقل تقدير.
اقرأ أيضا: فرع فلسطين يعذب مواطناً ألمانياً.. والقضية في المحاكم الألمانية
ويأمل محامي لوتفين واسمه باتريك كروكر من المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان أن تتمكن رواية موكله من تغيير الجدل القائم حول ما يقدر بـ700 ألف لاجئ سوري يقيمون في ألمانيا مع قيام الشعبوية المتزايدة بإذكاء الأحقاد والكره ضد المهاجرين، إذ يقول: "إن قصة مارتن تظهر بأنك إذا كنت تريد من السوريين أن يعودوا إلى بلدهم فإن هذا ما ينتظرهم. إذ إن الألمان سيتواصلون أكثر مع اللاجئين وسيتحدثون معهم حول أسباب مغادرتهم لسوريا في حال اكتشافهم أن أحد أبناء جلدتهم من الألمان قد خاض المحنة ذاتها".
المصدر: تايمز