icon
التغطية الحية

بين نفْطَوَيْه وزَيْدون: لسان الإسبان والفرس في أسماء العرب

2022.03.22 | 16:49 دمشق

microsoftteams-image.png
إضاءات لغوية (تلفزيون سوريا)
إسطنبول - د. عبد الهادي غازي
+A
حجم الخط
-A

تطرق أسماعَنا أسماءٌ مثل: سِيْبَوَيْهِ وعَمْرَويه وخالَويهِ، ونعجب من هذا التركيب الذي استعملته العرب، ونتساءل: ممَّ رُكّب هذا الاسم، وعلامَ يدلّ؟

أرجح الأقوال التي ذكرها العلماء وأشهرها أنّ الاسم مركب من كلمتين، الأولى الاسم والثانية اللاحقة (ويه)، نحو: سِيب + ويه، وعَمْر + ويه، وخال + ويه.

فممّا قيل في معنى سيبويه، وهو لقبٌ لعالم النحو الشهير عمرو بن عثمان بن قنبر، أنه لقب فارسيّ، معناه في العربية: رائحة التفاح؛ لأنّ وجنتيه كانتا كأنّهما تفاحتان، وكان في غاية الجمال، فذكر بعض اللغويين القدماء أنّه مركّب من (سِيْب) بمعنى التفاح، و(وَيه) بمعنى الرائحة.

أمّا (عَمْرَوَيْهِ)، فهي كلمة ممزوجة بين العربيّة والفارسيّة، صدرُها عَمْرو، الاسم العربيّ وآخِرُها وَيْه، وهي لاحقة من اللواحق الأعجمية، ولها شبهٌ باللّفظ العربيّ (ويه) التي هي اسمُ فِعل.

وكان علماء الحديث يلفظون اسم سِيْبويه بضمّ الباء وسكون الواو وفتحِ الياء فيقولون: سِيْبُوْيَه، وعلماءُ اللغة يلفظونه كما هو مشهور، أي: سِيْبَوَيْهِ.

وذكرَ السيوطيّ أنّ هذا اصطلاحٌ لأهل الحديث في كلّ اسم بهذه الصيغة، وإنّما عدَلوا إلى ذلك؛ لحديثٍ وردَ أنّ «وَيْه» اسمُ شيطانٍ؛ فعدلوا عنه كراهةً له.

 وكان الغرض من إلحاق اللاحقة (ويه) بالأسماء إمّا للتّمليح، أو للتشبيه، أو للنّسب؛ فقالوا: (ماهَوَيْه)؛ أي: الشبيه بالقمر، وهو (ماه) بالفارسيّة، وفي أنساب العلماء (راهَوَيه)، و(راه) هو الطريق بالفارسيّة، قالوا: سُمّي بذلك؛ لأنّ أمّه ولدتْه في الطريق.

وقالوا: (نِفْطَوَيْهِ) من النّفط، واسمه: إبراهيم بن محمّد بن عرَفة الأزْديّ (توفي 935 هـ) وهو من أئمة النحو.

كان بين نِفْطَويه وابن دُريد مُماظَّةٌ أي خصومة ونزاع، فقال فيه لمّا صنّف "كتاب الجَمْهَرة في اللغة":

ابنُ دُريدٍ بقرَه               وفيهِ لؤمٌ وشَرَه

قد ادّعى بجهله              جمْعَ كتابِ "الجَمْهَرَه"

وهوَ كتاب "العَين" إلاّ      أنّه قد غيَّرَه

فاتّهمه بأنّه سرقَ كتاب "العين" للفراهيديّ، وغيَّرَ فيه ونسبَه إليه، فلمّا بلغ ذلك ابنَ دُريد، ردَّ عليه وقال:

لو أُنزِلَ الوحيُ على نِفطَوَيه      لَكانَ ذاك الوَحيُ سُخطًا عليه

وشاعرٌ يُدعَى بنصفِ اسمِه       مُستَأهِلٌ للصّفع في أخدَعَيه

أحرقَهُ الله بنصف اسمِه           وصَيَّر الباقي صُراخًا عليه

فنصفُ لقبه نِفْط، والنصفُ الآخَر وَيْه، ويعني الصّراخ والويل فيما شاع عن العامّة آنئذ.

ولُقّب (نِفْطَوَيه) تشبيهًا له بالنفط؛ لِدَمامتِه وأَدَمتِه، وأضيفت اللاحقة (ويه)؛ لأنه كان يسير على نهج سيبويه في النحو.

شاعتْ بين العرب ولا سيما في الأندلس التسميةُ بنحو: خَلْدُون وزَيْدُون وسَعْدون وحَمْدون وسَحْنون.

وممّا قيل في سبب زيادة الواو والنون في آخر الأسماء الأندلسية يقول زكي مبارك: "ما كنت أعرف ولا كان غيري من مدرِسي الأدب في مصرَ يعرف كيف يَغلب على الأسماء العربية في الأندلس والمغرب وجودُ مثل: زَيْدُون، وعَبْدُون وعَيْشُون، وخَلْدون، ووَهْبُون، وسَعْدُون.. إلخ، وكان الظنّ أنّ هذه من صيغ جمعِ المذكّر السالم ثم غَلبتْ على أسماء الأفراد؛ ولكنْ اسمعْ ما حدّثَنا به (المسيو كولان) الأستاذ بمدرسة اللغات الشرقية في باريس: إنّ اللغة الإسبانية تضيف إلى أواخر الأسماء لفظ (أون) للتعظيم، وقد نقلَ ذلك العربُ عن الإسبان حين اتصلوا بهم في الأندلس فقالوا في زَيْد (زَيْدُون) وفي وَهْب (وَهْبُون) وفي عَيْش (عَيْشُون)… إلخ. وقد جاء عن لسان الدين بن الخطيب عمّن اسمُه حَفْص ما معناه: لقد كان مكتفيًا باسمه حفص، فلما أَيْسرَ واستغنى تطاولَ واستكبر وسمّى نفسَه (حَفْصُون)؛ ومن أمثال أهل المغرب: (إنْ كانَ لك عند الكلبِ حاجةٌ فقل له يا سيدي كلبون)".

وتُعرب هذه الأسماء إعرابَ الممنوع من الصرف.

وذكرَ بعضُ أهل النحو أنه إذا أريدَ جمعُ هذا النوعِ من الأعلام أي زَيْدون وأشباهه جَمْعَ مذكّرٍ سالمًا، لم يَصحَّ جمعُه مباشرة، فيُسبق بكلمة "ذو"، وتصبح في الرفع: "ذَوُو"، وفي النصب والجرّ: "ذوِي" وهي مضافة، والعلَمُ بعدَها هو المضاف إليه دائمًا، فيقال: جاءني ذوو زَيْدُون، ورأيتُ ذوي زَيْدُون، وسلّمْتُ على ذوي زَيْدُون.

وليس كلُّ اسم انتهى بواو ونون من هذا الباب.

وأدعو كلَّ نفطويهِ في عصرنا هذا ممّن يتحكّمون بأسعار النفط في مخيمات شماليّ سوريا إلى أن يَرأفوا بأهلنا في هذا البرد الشديد، وكذلك أدعو كلَّ "زَيْدُون" ينتصرُ لفكره ويُسخّف أفكار الآخرين بلا حِجاج منطقيّ أو أدلّة مقنعة أن يكون سهلًا ليّنًا محبًّا للآخرين ممّن يخالفونه في الرأي؛ لأنّ وطننا يحتاج إلى كلمة سَواءٍ توحّد أهله وتضع لَبِناتٍ في صرح الوطن العزيز الكبير الذي نسعى إلى بنائه.