في كلمته أمام القمة العربية بجدة، في 19 أيار الماضي، أشار رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى "مرحلة جديدة للعمل العربي"، و"التضامن" بين الدول العربية، في حين اعتبر، في لقائه الأخير مع قناة "سكاي نيوز" الإماراتية، العلاقات العربية - العربية بأنها "شكلية" و"ضعيفة"، فما الذي تغير بين الخطابين.
قمة جدة: "عروبة الانتماء" و"قلب العروبة"
كانت مشاركة بشار الأسد في قمة جدة إعلاناً من جانب الدول العربية بإنهاء القطيعة مع النظام السوري وتمهيداً للانفتاح عليه، انطلاقاً من مبادئ عدة، أبرزها القضايا الأمنية وتهريب المخدرات وإيران، في حين شكّلت المشاركة للأسد نفسه "نشوة انتصار" و"فرصة تاريخية لإعادة ترتيب الشؤون"، وفق تعبيره في كلمته التي ألقاها في القمة.
ودعا الأسد في تلك الكلمة إلى "البحث عن العناوين الكبرى التي تهدد المستقبل"، و"إعادة التموضع في عالم يتكون اليوم، كي يكون (العرب فيه) جزءاً فاعلاً، مستثمرين في الأجواء الإيجابية الناشئة عن المصالحات التي سبقت القمة".
كما اعتبر الأسد أن دور الجامعة العربية هو "المنصة الطبيعية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها"، مشيراً إلى أن "العمل العربي المشترك بحاجة لرؤى واستراتيجيات وأهداف مشتركة تتحول لاحقاً إلى خطط تنفيذية"، في إشارة إلى استعداده وقبوله بأي شروط تضعها الدول العربية مقابل عودته إلى الحظيرة العربية والتطبيع الكامل معه.
وتأكيداً على استعداده للقبول العربي، أسهب الأسد في الحديث عن القضايا العربية، من فلسطين إلى ليبيا واليمن والسودان وغيرها، معتبراً أن "معالجة التصدعات التي نشأت على الساحة العربية خلال عقد مضى" يأتي عبر "استعادة الجامعة العربية لدورها كمرمم للجروح"، و"منع التدخلات الخارجية".
وشدد بشار الأسد على أن "ماضي سوريا وحاضرها ومستقبلها هو عروبة الانتماء الدائم"، في حين ختم كلمته بالعبارة المكررة والمملة القائلة بأن "سوريا قلب العروبة وفي قلبها".
تراجع الحماسة ووقف سياسة الانفتاح
وبعد أقل من ثلاثة أشهر على الترحيب والغزل المتبادل بين الجانبين، تراجعت الحماسة العربية للتطبيع مع النظام السوري، مع تأجيل متعمد لتعيين سفير سعودي جديد وإعادة افتتاح سفارة الرياض في دمشق، في حين تؤكد مصادر عدة أن المملكة لن تعين سفيراً لها طالما أن النظام لم يلتزم بما تعهّد به في القمة العربية والاجتماعات التشاورية، إضافة إلى الواقع المتأزم الذي ترسخه سياسات النظام.
وسبق أن كشف مصدر دبلوماسي عربي لموقع "تلفزيون سوريا" أن الدول العربية التي اندفعت باتجاه تطبيع علاقتها مع نظام الأسد أوقفت هذه الاندفاعة بشكل تدريجي على المستويات السياسية والاقتصادية، في حين أبقت على خطوط التواصل الأمني والاستخباري.
وأوضح المصدر أن عدة أسباب دفعت الدول العربية على رأسها السعودية لوقف سياسة الانفتاح على النظام، أهمها أن الولايات المتحدة الأميركية قد دخلت على الخط بقوة، للحد من هذا التحرك "المجاني" على النظام السوري، وتحفّظت على تقديم أي مساعدات مالية له.
"علاقات شكلية وضعيفة"
ووجد الأسد في لقائه على قناة "سكاي نيوز" الإماراتية فرصة للرد على التريث العربي تجاهه، حيث قال إن العلاقات العربية - العربية "منذ تكوّن عندي الوعي السياسي قبل أربعة عقود، هي علاقات شكلية"، واصفاً طريقة التفكير العربية بأنها "لا تطرح حلولاً عملية، ولا تطرح أفكاراً عملية لأي شكل".
ووصف طبيعة العلاقات بين العرب بأنهم "يحبون الخطابات والبيانات واللقاءات الشكلية"، معتبراً أن العودة إلى الجامعة العربية "ستكون شكلية أم غيرها اعتماداً على طبيعة العلاقات العربية"، التي يرى أنها "لم تتغير بالعمق، ولم تصل إلى مرحلة وضع الحلول، وطالما لا توجد حلول للمشاكل فالعلاقة ستبقى شكلية".
وعن توقعاته من الجانب العربي، قال الأسد إنه "لا يستطيع أن يتوقع، بل يستطيع أن يأمل ببناء المؤسسات"، موضحاً أن "مشكلة العرب أنهم لم يبنوا العلاقات على مؤسسات، لذلك لم يبنوا مؤسسات"، أما العلاقات الثنائية، فوصفها الأسد بأنها "ضعيفة، والعلاقة الجماعية عبر الجامعة العربية لم تتحول إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقي".