البث المباشر
يشهد النفط تقلباً كبيراً في أسعاره، ما يؤثر على العديد من الأسواق والسلع في العالم، خصوصاً ما كان أخيراً من غزو روسيا لأوكرانيا وما رافقه من تداعيات كبيرة على أسواق الخام عالمياً.
وواجه الذهب الأسود تغيرات كبيرة بين الصعود والهبوط على مدار أكثر من 100 عام، في ظل التأثير الدولي على الدول المنتجة أو طرق التصدير إلى جانب فروقات العرض والطلب.
تذبذب مستمر
واليوم الخميس عاودت أسعار النفط الارتفاع بنسبة 3% بعد تذبذب كبير في الأسعار منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، بعد الانخفاض التاريخي إلى ما دون الصفر الذي رافق أزمة وباء فيروس كورونا المستجد في نيسان 2020.
وفي آذار الجاري اقتربت أسعار النفط من 140 دولاراً لكل برميل في واحد من أعلى مستويات ارتفاع الأسعار على الإطلاق منذ 14 عاماً حين اندلعت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، إذ بلغ سعر البرميل حينذاك 147.50 دولاراً.
وقالت وكالة الطاقة الدولية إن الأسواق قد تفقد ثلاثة ملايين برميل يومياً من الخام والمنتجات المكررة من روسيا بدءاً من نيسان المقبل، بحسب وكالة "رويترز".
وأضافت الوكالة أن الإمدادات المفقودة ستكون أكبر بكثير من الانخفاض المتوقع في الطلب البالغ مليون برميل يومياً والناجم عن ارتفاع أسعار الوقود.
ووصل سعر برميل النفط للعقود الآجلة من مزيج برنت القياسي العالمي إلى 101.09 دولار للبرميل بعد انخفاضها على مدى ثلاث جلسات متتالية.
وقال وانغ شياو الباحث لدى جوتاي جونان فيوتشرز "تتراجع الحماسة بالسوق للتداول بناء على التداعيات الجيوسياسية، مما يساعد على إخراج بعض العلاوات من أسعار النفط. إنه وقت إعادة تقييم العوامل المختلفة".
وتجاهلت السوق إلى حد بعيد قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) أمس الأربعاء رفع أسعار الفائدة ربع نقطة مئوية، كما كان متوقعاً.
أزمات تاريخية ضربت أسواق النفط
ويعد سعر الخام من أبرز السلع التي تواجه تقلباً في أسعارها في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والحروب التي اندلعت عالمياً، أولاً لاستنزاف احتياطات هائلة منه في العمليات العسكرية، إلى جانب تعثر خطوط الإمداد وتداخل الاقتصادي مع الأمني والسياسي.
أزمات كبرى عديدة لعب النفط فيها دوراً رئيسياً، بدءاً من أزمة السويس عام 1956 وصولاً إلى الغزو العراقي للكويت عام 1990.
وخلال الحرب العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1973، فرض الأعضاء العرب في منظمة "أوبك" حظراً على الولايات المتحدة وهولندا رداً على قرارها إعادة إمداد الجيش الإسرائيلي.
وأدى هذا الحظر إلى تضاعف سعر برميل النفط نحو أربع مرات وإحداث "توتر شديد في الاقتصاد الأميركي الذي بات يعتمد بشكل متزايد على النفط الأجنبي".
وهذا الأمر دفع إلى تقنين البنزين وزيت التدفئة في بعض البلدان، مثل الولايات المتحدة، حيث طلب أحياناً من السكان عدم استخدام الإنارات التجارية أو أضواء الكريسماس وبيع البنزين في أوقات معينة.
ومع اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 ودخول البلاد في حالة اضطراب، انخفضت معدلات إنتاج النفط نحو 4 في المئة ليتضاعف سعر البرميل، ورغم استئناف إنتاج النفط في إيران، فإنه ظل غير منتظم وأدت الحرب العراقية الإيرانية إلى قلة المعروض مع انخفاض إنتاج البلدين.
ولم يكن غزو صدام حسين للكويت عام 1990 أقل أثراً، حيث تضاعف سعر النفط في غضون أشهر قليلة، وعلى الرغم من أن التدخل السريع للولايات المتحدة منع السيناريو الأسوأ، فإن القوات العراقية المنسحبة انتهجت سياسة الأرض المحروقة، حيث أشعلت النار في حقول النفط الكويتية.
واشتعلت هذه الحرائق لعدة أشهر، ما ألحق أضراراً جسيمة بإيرادات النفط الكويتي، ورفع الأسعار في العالم.
أزمات اقتصادية
وفي عام 2005 شهدت سوق الخام مزيداً من التقلبات في الأسعار بسبب التوترات الجارية في الشرق الأوسط، وزيادة الطلب من الاقتصادات الناشئة مثل الصين، والمخاوف المتزايدة بشأن تقلص احتياطيات النفط.
وأدت تلك المخاوف للوصول إلى ذروة تاريخية هي الأولى من نوعها عام 2008 عندما بلغ سعر البرميل 147.30 دولاراً، ليرتفع نحو خمسة أضعاف في خمس سنوات، ثم حدثت الأزمة المالية والركود الذي أعقبها، وهو ما أدى إلى انخفاض حاد في أسعار النفط والغاز من 133.88 دولاراً إلى 39.09 دولاراً في أقل من عام.
وشهد النصف الثاني من عام 2014 انهياراً في أسعار النفط أفقدها نحو 45% من قيمتها، وهبط سعر الخام إلى 62 دولاراً للبرميل من 115 دولاراً، بسبب المضاربة في الأسواق حينذاك.
من جائحة كورونا إلى غزو أوكرانيا
ولعل أشد أزمة شهدتها أسعار النفط، كانت بعد تفشي جائحة كورونا عالمياً، حيث تراجعت أسعار النفط إلى ما دون الصفر للمرة الأولى في التاريخ، وهو ما يعني أن شركات النفط كانت تدفع للعملاء كي يحصلوا على منتجاتها خشية تراكم مخزون الخام لديها خلال شهر أيار 2020.
واضطرت شركات النفط إلى استئجار ناقلات نفط ضخمة لتخزين الخام الفائض بعد الإغلاق الاقتصادي، ولذا أصبحت الشركات تدفع للمشترين لنقل الخام بعيداً عن منشآتها تفادياً لدفع أموال أكثر لتخزينه، وقد وصل سعر برميل النفط إلى ناقص 37.63 دولاراً.
وفي 24 فبراير 2022، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا بزعم حماية إقليم دونباس الانفصالي، داعياً الجيش الأوكراني لإلقاء أسلحته، وبسبب ذلك قفزت أسعار النفط إلى ما فوق مستوى 104 دولارات، وقد وصلت الأسعار في الأيام التي تلتها إلى نحو 140 دولاراً للبرميل قبل أن تعاود الانخفاض مجدداً.
وتعد روسيا ثاني أكبر منتج للنفط الخام بعد الولايات المتحدة بمتوسط يومي 10.2 ملايين برميل، وأكبر مصدّر للغاز الطبيعي إلى أوروبا.
