بين الردع والصبر.. خيارات إيران في مواجهة إسرائيل

2024.09.21 | 07:15 دمشق

آخر تحديث: 21.09.2024 | 12:53 دمشق

7555555
+A
حجم الخط
-A

كان الهجوم الذي شنته إسرائيل على حزب الله عبر تفجير البيجر وأجهزة اللاسلكي غير مسبوق، وتجاوزت الإصابات ثلاثة آلاف إصابة في 17-18 أيلول/ سبتمبر، مع بدء الحشد للجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية مع لبنان وسوريا، حيث تم نقل الفرقة 98 مع الفرقة 36 للجيش الإسرائيلي إلى الحدود اللبنانية.

ويعتبر هذا الاستهداف السيبراني الأكثر خطورة من الاستهدافات الكثيرة للوجود الإيراني في سوريا، وآخرها كان عملية مصياف.

وقد شمل هذا الهجوم هذا العام التصعيد الأكبر، حيث كان مقتل قائد الحرس الثوري محمد رضا زاهدي في مجمع السفارة الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل، ثم الإنزال الجوي، وخلال عام واحد حصل 185 استهدافاً إسرائيلياً للوجود الإيراني في المنطقة، ثم تلاها الحرب السيبرانية عبر تفجير البيجر واللاسلكي.

وعلى الرغم من تهديدات كبار الإيرانيين بأن الجمهورية الإسلامية سترد بقسوة على اغتيالات إسرائيل، فإن إيران اتخذت في النهاية إجراءات محدودة.

أكدت الأصوات الإيرانية أن مفهوم الصبر الاستراتيجي قد تم تفسيره بشكل خاطئ على أنه لامبالاة وانعدام للاستجابة، مما أدى إلى سلسلة الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل.

وارتفعت الأصوات في إيران مطالبةً بإعادة النظر في سياسة "الصبر الاستراتيجي" التي تنتهجها إيران تجاه إسرائيل في محاولة لإعادة إرساء الردع. وزعمت وكالة أنباء تابناك أن تصرفات إسرائيل الأخيرة تمثل ارتفاعاً غير مسبوق في "مستوى الغطرسة الصهيونية" وأن فشل إيران في الرد على الهجمات الإسرائيلية قد يكشف عن ضعفها. وأكدت الأصوات الإيرانية أن مفهوم الصبر الاستراتيجي قد تم تفسيره بشكل خاطئ على أنه لامبالاة وانعدام للاستجابة، مما أدى إلى سلسلة الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل.

والاستمرار في السياسة الحالية من شأنه أن يعرض كبار القادة للتهديدات ويقوض الردع الإيراني.

إن الهجوم السيبراني الأخير على حزب الله اللبناني الموالي لطهران يمثل مرحلة جديدة في التنافس الاستراتيجي لسنوات بين البلدين. اختارت إيران العمل ضد إسرائيل من خلال شبكتها الإقليمية من الشركاء والوكلاء للاحتفاظ بالقدرة على الإنكار وتقليل مخاطر العواقب السياسية أو العسكرية لأفعالها.

ومع ذلك، أدت الحرب في سوريا التي بدأت في عام 2011 إلى زيادة الجهود الإيرانية لاستخدام وجودها في سوريا لترسيخ نفسها عسكرياً في البلاد، مما أدى في النهاية إلى انتقال الاشتباك العسكري بين إيران وإسرائيل إلى الأراضي السورية. في الوقت نفسه، بدءًا من عام 2010، نشأت حرب ظل بين إيران وإسرائيل بشأن جهود إسرائيل لعرقلة البرنامج النووي الإيراني والبناء العسكري من خلال التجسس والاغتيالات المستهدفة والتخريب والهجمات الإلكترونية.

لقد تحول هجوم إيران على إسرائيل من استخدام الوكلاء والاشتباك مع إسرائيل في سوريا ليشمل المواجهة العسكرية المباشرة. ولأول مرة منذ حرب الخليج عام 1991، واجهت إسرائيل هجوماً صاروخياً أطلقته إيران في أبريل، ورغم فشله، صوّرته إيران على أنه إنجاز كبير على الرغم من اعتراض إسرائيل وحلفائها بنجاح الغالبية العظمى من القصف.

وفي أعقاب الهجوم على إسرائيل، قال قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي إن إيران شكلت نهجاً جديداً تجاه "النظام الصهيوني" وستهاجم إسرائيل بشكل مباشر من الآن فصاعداً.

فكان الهجوم على حزب الله وتعزيز الجبهة الشمالية مع الحدود اللبنانية، لا سيما أن هناك خروج آلاف من عناصر حزب الله عن القدرة العسكرية والجاهزية.

تحاول إيران أن تخلق توازناً استراتيجياً مع إسرائيل على الرغم من استمرار التفوق الإسرائيلي الجوي والتكنولوجي والاستخباراتي. ويبدو أن القيادة الإيرانية خلصت إلى أن الوضع الجيوستراتيجي للبلاد يتحسن باطراد بفضل القدرات العسكرية الاستراتيجية الأفضل، وشبكة من الوكلاء، ودعم روسيا والصين، العضوين الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لا سيما روسيا التي بدأ بينها وبين إيران تبادل أسلحة وخبرات مؤخراً.

إن تصعيد إسرائيل مع إيران يتطلب منها العمل مع كل من الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية، وهذا الأمر واضح في الدعم المباشر الأميركي أو الرغبة العربية في تقليم أذرع إيران في المنطقة.

ومن غير المرجح اليوم أن تنتهي الحملة المستمرة في صراع العقارب. وأصبحت الحرب السيبرانية هي السابقة التي أنشأها الاشتباك العسكري المباشر، خياراً آخر على طاولة المواجهة. ومن غير الواضح ما إذا كانت طهران قد تلقت الرسالة التي كانت إسرائيل تنوي نقلها بهجومها هذا، والتي أشارت إلى رفضها الامتثال للمعادلة الإيرانية الجديدة.

إن انتقال المواجهة الإسرائيلية الإيرانية إلى مرحلة جديدة أمر محفوف بالمخاطر، والتصعيد الدرامي بين البلدين في الأيام الأخيرة يسلط الضوء على احتمالات عالية للخطأ في التقدير بسبب الافتقار إلى قنوات الاتصال المباشرة. وسوف يزداد هذا الخطر خطورة إذا قررت إيران التخلي عن وضعها كدولة على عتبة النووي وتحولت سياستها نحو الحصول على الأسلحة النووية. وقد نُقل عن أحمد حق طلب، قائد الحرس الثوري الإيراني المسؤول عن الأمن النووي في إيران، قوله إن التهديدات الإسرائيلية قد تدفع إيران إلى إعادة النظر في عقيدتها النووية والانحراف عن اعتباراتها السابقة. إن الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران، والانتقال من الصراع غير المباشر إلى الصراع المباشر، ووضع إيران على عتبة النووي، يتطلب اليوم جهداً مستمراً لا هوادة فيه لإمكانية إنشاء قنوات اتصال مستقبلية - حتى لو كانت سرية وغير مباشرة - بين البلدين لنقل الرسائل وتهدئة التوترات.

إن هذه التطورات تتطلب من إسرائيل أيضاً مراجعة وتبني سياسة شاملة ومحدثة تجاه إيران، لأن هذا التصعيد غالباً سيقابل بتصعيد، فهذه التهديدات اليوم تهدد الأمن القومي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وخاصة البرنامج النووي الإيراني، والبناء العسكري، والأنشطة الإقليمية.

إن تصعيد إسرائيل مع إيران يتطلب منها العمل مع كل من الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية، وهذا الأمر واضح في الدعم المباشر الأميركي أو الرغبة العربية في تقليم أذرع إيران في المنطقة. فباتت إيران خطراً يهدد المنطقة، وظهر ذلك أيضاً بطلب المملكة العربية السعودية من الأسد الابتعاد عن إيران، وهو أحد شروط فتح العلاقة العربية معه، إضافة إلى وقف الكبتاغون وجدية الحل السياسي في سوريا وفق 2254. وكذلك كانت رسالة شويغو، وزير الدفاع الروسي السابق، للأسد بزيارته الأخيرة، أن الصراع مع حزب الله وإيران سيتصاعد وعليك الابتعاد أو ستتعرض للخطر عسكرياً وسياسياً.

وبالمقابل، رؤية إيران للمنطقة لا تزال تعمل على تعزيز وجودها والتبادل للدعم العسكري مع الروس، في حين يتعين عليها أن تتبنى نهجاً بديلاً ــ نهجاً يركز على إنشاء بنية إقليمية جديدة، وتعميق العلاقات مع الولايات المتحدة، ودول الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين، بل التركيز على الداخل الإيراني الغاضب، وعلى حسن الجوار. ولكنه صراع العقارب!