icon
التغطية الحية

بينهن سوريّة.. عربيات يحققن دخلاً وشهرة عبر الطهي على الإنترنت

2022.07.06 | 16:38 دمشق

الأردنية علا طاشمان وهي تعد أحد الأطباق في مطبخها لتنشر الفيديو الذي يوثق ذلك على قناتها عبر يوتيوب - المصدر: نيويورك تايمز
الأردنية علا طاشمان وهي تعد أحد الأطباق في مطبخها لتنشر الفيديو الذي يوثق ذلك على قناتها عبر يوتيوب - المصدر: نيويورك تايمز
نيويورك تايمز - ترجمة ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عندما كانت هبة أبو الخير فتاة يافعة حلمت بأن تصبح محامية، أو قاضية، ولكن بعدما حصلت على إجازة في القانون من بلدها مصر، تزوجت وسرعان ما ألفت نفسها أماً لطفلين، وعن ذلك تقول: "توقف كل شيء بعد ذلك، لكني لم أكن أرغب بالاكتفاء بالجلوس في البيت، إلا أنه كان من الصعب علي أيضاً استكمال دراستي أو الخروج للعمل في مجال القانون".

لذا، وبناء على نصيحة زوجها، أطلقت هبة قناة للطهي على يوتيوب في مطلع عام 2019، أخذت تستعرض من خلالها وصفاتها المنزلية عبر فيديوهات بسيطة. بيد أن شعبية وصفاتها لم تأت من كونها جديدة أو مبتكرة، بل من سهولة تطبيقها وبساطتها.

وهكذا، وخلال فترة لم تصل إلى ثلاث سنوات، أصبح لديها أكثر من ثلاثة ملايين مشترك في قناتها، ولذلك لم تصبح معيلة للبيت إلى جانب زوجها فحسب، بل أيضاً أصبحت من بين أهم ثلاث نساء يتصدرن قنوات الطبخ على اليوتيوب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 

Since its debut in 2019, Heba Abo Elkheir’s YouTube channel has amassed more than 332 million views, many of them from young women living in the Middle East and North Africa.

قناة هبة أبو الخير للطهي على يوتيوب

 

لقد حول المطبخ، الذي يعتبر تاريخياً رمزاً لروح الحياة المنزلية في العالم العربي، النساء العربيات إلى أسيرات للمسؤوليات المنزلية، كما أبقاهن خارج نطاق القوى العاملة، إذ لا تتجاوز نسبة النساء العاملات في الشرق الأوسط 25% من عموم الأيدي العاملة، وهذه النسبة تعتبر الأدنى على مستوى العالم، على الرغم من أن عدد خريجات الجامعة في المنطقة يتجاوز عدد الخريجين من الذكور.

إلا أن ظهور منصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها يوتيوب، غير آلية القوى بالنسبة للنساء العربيات، بعدما سمحت لهن تلك المنصات بتحويل مطابخهن إلى مصدر للدخل وللتأثير.

وحول ذلك تعلق هبة بالقول: "لو سألتموني قبل سنتين فسأجيب بأني أرغب بالعودة إلى القانون، ولكن الآن أريد أن أسافر إلى دولة أجنبية لأصبح طاهية معتمدة، لأني وجدت نفسي في هذا العمل".

بالانتقال إلى المغرب، سنجد كريمة بوقار التي أطلقت قناتها على يوتيوب في عام 2015، حيث تقدم وصفات حلويات بسيطة واقتصادية، ولهذا تجاوز عدد المشتركين في قناتها عتبة المئة ألف خلال ستة أشهر فقط، أما اليوم، فقد بلغ عددهم أكثر من أربعة ملايين.

 

Karima Boukar, who runs a dessert cooking channel on Youtube, has added to her income by collaborating with food companies.

كريمة بوقار في مطبخها

 

في عام 2016 أي عندما كانت كريمة في الخامسة والثلاثين من عمرها علمت بأن ابنها البكر مصاب بالتوحد، ولهذا فكرت بإغلاق قناتها حتى تكرس وقتها لابنها، لكنها سرعان ما أدركت بأن علاجه سيكلفها كثيرا، وعن ذلك تقول: "تابعت في قناتي حتى أكسب المال لأساعد ابني، وقد أصبح الآن بألف خير والحمد لله". يذكر أن مشاهدات فيديوهاتها تصل إلى 400 ألف، ما يدر عليها دخلاً شهرياً يصل في أدنى مستوياته إلى بضعة آلاف دولار أميركي، وهو رقم يعادل حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي في المغرب.

يعتبر الطعام من بين الأصناف الأربعة الأهم على قنوات يوتيوب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحسب ما ذكرته إحدى الناطقات الرسميات باسم شركة يوتيوب. وخلال السنوات الخمس الماضية، زاد عدد القنوات التي تديرها نساء في المنطقة والتي وصل عدد المشتركين فيها إلى أكثر من مليون مشترك بمقدار 30 ضعفاً، فوصل عددها اليوم إلى 150 قناة.

تعلق علا طاشمان على ذلك بقولها: "سمعت بأن البعض يكسب المال من خلال يوتيوب، لكني لم أتخيل أن أصبح واحدة منهم"، وذلك بعدما تجاوز عدد المشتركين في قناة الطهي التي تديرها إلى أكثر من 2.5 مليون.

أطلقت علا، وهي أردنية تبلغ من العمر 38 عاماً، قناتها على يوتيوب في عام 2018، في السعودية حيث كانت تقيم برفقة زوجها. وهي محاسبة تلقت تدريباً في هذا المجال، ولكنهم لم يسمحوا لها بالعمل هناك لأنها ليست مواطنة سعودية، ولهذا عادت إلى الأردن.

ثم بدأت بنشر فيديوهات للطهي لتتخلص من حالة الإحباط التي ألمت بها بعدما وصلت طموحاتها المهنية لطريق مسدود، وحتى تعيد تشكيل الوجبات والأطباق التي تشتاق إليها مثل المعمول والشيشبرك، ولهذا تقول: "لم أتخيل بحياتي أن يكبر جمهوري إلى هذا الحد"، ولكن عندما سمعت بأنه بوسعها تحقيق أرباح ضاعفت جهودها، واشترت كاميرات أحدث، وسرعان ما كبر جمهورها وازداد عدده.

 

At home, Ms. Tashman prepares maamoul with three different fillings: date, pistachio and walnut.

علا طاشمان وهي تعد طبق المعمول

 

بالنسبة لغالبية تلك النسوة، كان الطهي مجرد هواية أو شيء يقمن به من أجل عائلاتهن، على اختلاف الأسباب التي دفعتهن لنقل خبراتهن في مجال الطهي إلى الإنترنت. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن مشاهدة تلك العملية المرتبطة  بالنساء في التراث العربي وهي تحظى باحترام وجدية كبيرين بات دافعاً محفزاً بالنسبة لهن، كما أن معرفتهن بأن عملهن هذا يمكن أن يدر عليهن أرباحاً سمح للنساء بالتمتع باستقلالية مالية واحترام وإحساس بذواتهن، وهذا ما دفع علا للقول: "إن الحرية المالية جميلة، فلقد تغيرت شخصيتي برمتها، وأصبحت أكبر بعين نفسي".

بل حتى أطفالها لم يعد أي منهم يتذمر عندما تتأخر في تحضير العشاء، إذ تقول: "لقد دعمني زوجي كثيراً، وذلك لأن البيت حتى ينجح يجب ألا يتكل على طرف واحد، والآن أصبحنا شريكين متكافئين فعلياً".

أما منى العمشة التي فرت بسبب الحرب السورية في عام 2016 برفقة زوجها وأولادها الخمسة لتستقر في كردستان العراق، فقد جنت هي الأخرى بعض الفوائد، بما أنها عانت هي وزوجها في العثور على عمل بما أنهما لاجئان. ولكن بمجرد أن اقترحت عليها صديقتها أن تنشر فيديوهات للأطباق السورية التقليدية حتى سارعت إلى ذلك، ثم أخذت تقدم العديد من أصناف الكبة والمازة المتنوعة.

وعن تجربتها تحدثنا منى فتقول: "مضت سنة قبل أن أحقق دخلاً جيداً، ولكني في نهاية الأمر كنت أحصل على بضعة مئات من الدولارات بالشهر، ولهذا أمضينا بضع سنوات ونحن نعتمد على الدخل الذي أحققه وحده".

 

Many of Muna Al-Amsha’s subscribers are fellow Syrian refugees who have fled to other parts of the world to escape the country’s continuing conflict.

منى العمشة 

 

يختلف دخل صانع المحتوى بحسب الموقع الجغرافي، ويتصل ذلك بما يدفعه المعلنون على يوتيوب، وبما أن معظم المشتركين في قناة منى كانوا من سوريا، لذا لم تحقق فيديوهاتها أرباحاً مثل التي يمكن أن تحققها لو كانوا في بلد آخر، إلا أن اللاجئين السوريين الموجودين في مختلف بقاع العالم أتاحوا لها فرصة تحقيق دخل يكفي لدفع إيجار بيت لأسرتها مع نفقاتهم.

يعتبر الأمان المالي من الفوائد التي تجنيها النساء من خلال تلك الفيديوهات، أما الفوائد الأخرى فتتمثل بإحساسهن بأنهن أصبحن يشاركن بمساهماتهن في المجتمع العالمي الأوسع.

إذ تقول كريمة: "إنني أحقق أرباحاً مالية وهذا شيء عظيم ومهم، إلا أن احترامي لذاتي قد تغير وكذلك شخصيتي، إذ زادت ثقتي بنفسي فصرت عندما ألتقي بالناس أحس بأني قدمت لهم شيئاً".

وهذا الإحساس بالعطاء يعتبر دافعاً محركاً بالنسبة لمنى أيضاً، ولهذا تقول: "تخبرني الشابات اللواتي تزوج معظمهن حديثاً بعيداً عن وطنهن، أو اضطررن لترك سوريا مثلي بأني كنت بمنزلة أمهن، وأنا أعلمهن كيف يطهين الطعام، ولهذا عندما أسمع ذلك أحس بأني قلبي صار أكبر، بل إنني أحس بكرامتي وبأهمية ما أقوم به من أجل هؤلاء الناس".

 

Ms. Al-Amsha preparing kubbeh bil-suniyeh, featuring spiced beef, bulgur and pine nuts.

منى وهي تعد إحدى الوصفات

 

وهكذا صارت العضوات في ذلك المجتمع يبنين علاقات مع تلك النساء من صانعات المحتوى، دون أن يحظين بفرصة لقائهن، إذ تقول هبة: "في كثير من الأحيان لا يدخل الناس إلى قناتي ليتفرجوا على الوصفات، لأن كل ما يرغبن به هو الاسترخاء في أثناء مشاهدة فيديوهاتي والاستمتاع بسماع صوتي وأنا أشرح الوصفة".

أما بالنسبة لعلا فإنها تصلها طلبات بعد نشرها لفيديو يشتمل على وصفة شعبية أو عندما ينتشر ذلك المقطع انتشار النار في الهشيم، وعن ذلك تقول: "عندما أقول لمتابعي كل شيء موجود على يوتيوب يصرون علي بالقول: لكننا نريدها منك وبطريقتك".

 

Ms. Tashman, seen here filling maamoul with a pistachio mixture, said that as her channel became more popular, she invested in better filming equipment.

علا وهي تجهز المعمول

 

ولكن من هم هؤلاء المشاهدون المخلصون؟ بحسب بيانات غوغل، يمثل جيل الألفية الشريحة الأوسع من جمهور يوتيوب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويأتي هذا الجيل في المرتبة الثانية من حيث وقت المشاهدة بعد جيل الألفية في الولايات المتحدة. أما بالنسبة لتلك الوصفات التي تنتشر على الإنترنت، فتمثل النساء نحو ثلاثة أرباع فئة المشتركين في تلك القنوات.

وقد ساعدت تلك القاعدة الواسعة والمخلصة على حماية صانعات المحتوى من التغيرات المشينة التي لا تنتهي في الخوارزميات التي تعتمدها منصات التواصل الاجتماعي. إلا أن هذا المجال المزدحم بالكثيرين أصلاً مايزال يعتبر تحدياً أمام كثيرات.

تقول كريمة: "لم يعد الأمر كما كان في السابق، عندما كان عدد المشتركين في القناة يزداد بنسبة خمسين ألف مشترك يومياً، كما تراجعت المشاهدات، إلا أن دخلي لم يتأثر بذلك لأنني أتعاون مع شركات منتجة للمواد الغذائية، وهي تمثل مصدراً أكبر للدخل الذي أحققه".

بصرف النظر عن الدخل والمشاهدات، أقامت تلك النسوة علاقات مهمة مع نساء عربيات في مختلف بقاع العالم، إذ تخبرنا هبة بأن الرسائل التي تصلها من متابعيها تبكيها أحياناً، وتشرح ذلك بقولها: "عندما يخبرني أحدهم بأن وصفاتي تنجح، وبأنهم استمتعوا بها، أحس بأني لا أفعل كل ذلك من أجلي، بل إني أصل إلى الناس وأساعدهم أيضاً، وهذا ما يشعرني بأهمية وجودي في الحياة، وبأني أقدم شيئاً مفيداً".

 المصدر: نيويورك تايمز