على الرغم من إصرار روسيا والنظام السوري عبر دعايتهما الإعلامية على نشر أخبار حملات تمشيط واسعة في البادية السورية، فإن تنظيم "الدولة" يصر كل مرة على التشكيك بها عبر هجماته وما يخلفه من خسائر، ولعل إغارته الأخيرة على حافلة عناصر النظام بريف الرقة أكبر دليل على اتباعه استراتيجية معينة في كل من سوريا وأماكن نشاطه في العالم، تجعله حاضرا في المشهد على المدى القريب والبعيد.
فما هي تلك الاستراتيجية وما هي خطط التنظيم القريبة والبعيدة، من وجهة نظر الخبير بالجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، الذي أجاب عن أسئلة عديدة في هذا السياق لموقع تلفزيون سوريا.
هجوم الرقة.. خطط قديمة يجري تطبيقها
لعل تبني تنظيم "الدولة" عملية استهداف حافلة تنقل عناصر من النظام السوري في الـ 20 من حزيران الجاري، في أثناء سيرها على طريق قرية الزملة في ريف الرقة الجنوبي وقتل 13 عسكريا باعتراف النظام، يدفع للتفكير ما إذا كان التنظيم يفكر بالنهوض بأسلوب جديد بعد خسارته الأرض وقيادات الصف الأول، مستغلا على الأقل حالة الاستنفار التي تعيشها مناطق شمال شرقي سوريا، مع تردد سماع الخطاب التركي عن نية أنقرة شن عمل عسكري هناك ضد "حزب العمال الكردستاني" (PKK) المُلتحف بـ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
فطريقة الاستهداف وعدد القتلى يعيد إلى الأذهان عمليات التنظيم الكبيرة والواسعة التي نفذها على مدار السنوات الماضية في الأراضي السورية.
يرى الخبير حسن أبو هنية، أن هذه الهجمات لا تشير إلى أن التنظيم يغير من استراتيجيته والعودة إلى السيطرة المكانية، وبالتالي العودة إلى الحرب الكلاسيكية، لأن ذلك يتطلب ظروفا موضوعية غير متوفرة حاليا.
لكن الأكيد، وفق أبو هنية، أن التنظيم لديه خطط قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى وله خبرة في التعامل مع معظم الظروف وعمليته الأخيرة (الرقة) تعكس تصعيدا مؤقتا مع ثبات في خط سير التنظيم، القائم على عدم العجلة وانتظار الظروف.
ولفت إلى أن أكثر ما يتسلح به التنظيم هو "الصبر الاستراتيجي"، وفسر ذلك بالقول "بمعنى أن التنظيم من الممكن أن يبقى لفترات يملأ الفراغ الأمني في بادية الشام وسهل نينوى وديالى والأنبار في العراق وفي هذا الوقت يستمر في التجنيد والتعبئة والهجمات المباغتة من دون إسراف في الموارد، وهذا هو المؤشر على آلية عمل التنظيم الحالية".
ما هي بيئات التنظيم المُفضلة؟
تشكل البادية السورية مكانا هاما لانتشار تنظيم "الدولة"، يؤكد ذلك ما تعلنه كل من روسيا والنظام السوري من جهة والتحالف الدولي و"قسد" من جهة أخرى، عبر ما يشنونه من "حملات بحث وتمشيط"، في تلك المنطقة.
وبما أن البادية مكان واسع يصعب البحث فيه عن مجموعات يبدو أنها متمرسة على الانتشار به، فإن هذه التشكيلات تحتاج إلى ظروف وبيئة عامة تساعدها في الحفاظ على وجودها واستمرارها هناك، وفي هذا السياق، يقول أبو هنية، إنه إذا توفرت لدى التنظيم ظروف فيها صراعات جيوسياسية دولية أو خلافات سياسية داخلية فإنه ينفذُ بين هذه الفراغات التي تنتج نتيجة تلك الصراعات، لأن التنظيم يحب الفراغ، ولذلك فإن ما يسميها ولايات تتعامل وفق مبدأ (ملء الفراغ) إن كان في أفريقيا أو الشام أو العراق، وهذه أفضل بيئات التنظيم.
ويمتلك التنظيم خبرة طويلة، وهو أكثر التنظيمات تطورا على صعيد الهيكل التنظيمي والبنية الإيديولوجية، وكذلك المالية والإدارية والإعلامية أيضا، وهذا متفق عليه بين الخبراء، ولذلك التنظيم يدرك إمكاناته وقدراته وينتظر الفرص وهو ما يفسر تنفيذه عمليات بين حين وآخر، بحسب أبو هنية.
إعادة الهيكلة والانعتاق من المركزية
يؤكد أبو هنية لموقع تلفزيون سوريا، أن استراتيجية التنظيم منذ خسارته آخر جيب مكاني (السيطرة المكانية) في بلدة الباغوز بدير الزور في آذار 2019، قامت على إعادة الهيكلة، ومنذ ذلك الوقت عاد التنظيم للعمل كمنظمة.
وتعتمد استراتيجية التنظيم هذه على فصل ولاية سوريا عن ولاية العراق، ولذا بات العمل لا مركزيا، كما لم يعد هناك دواوين وسيطرة على الأرض، وأصبح يستند إلى حرب العصابات، أي بمعنى، يضيف أبو هنية، أنه لم يعد هناك حرب هجينة أو حروب تقليدية وكلاسيكية، وتقوم حرب العصابات على الاستزاف على المدى الطويل، وهذا هدف التنظيم.
وتعتمد هيكلة التنظيم الجديدة على قائد ولجنة مفوضة تنفيذية (الشورى)، ثم بعد ذلك تأتي المراكز الأمنية العسكرية والإدارية والمالية، وهذه هي الهياكل الأساسية لحرب العصابات، وفق أبو هينة، الذي يضيف "لذلك نجد التنظيم يحافظ دائما في كل ظروفه على هذه الهيكليات التي تمثل قدرة مثبتة على تنفيذ عمليات، وعبر هذه الهيكليات أطلق استراتيجية سماها إسقاط المدن مؤقتا ولذا هو ليس لديه في الوقت الحالي نية العودة للسيطرة المكانية، كما كان عليه من قبل، لأنه يدرك أن ذلك مرتبط بالظروف الموضوعية، سواء في سوريا أو في العراق أو في أي مكان ينشط به التنظيم حاليا في أفريقيا أو جنوب شرقي آسيا".
الصبر الاستراتيجي
يعتقد أبو هنية، أن مستقبل التنظيم القريب واضح المعالم، مستندا في اعتقاده إلى ما يبديه التنظيم حاليا من نشاط.
ويؤكد أن التنظيم ليس في عجلة من أمره، وأنه يستند إلى خطط سنوية، بعد أن يعيد النظر ويفكر ثم يبدأ مرحلة جديدة، كخطة "حصاد الأجناد" مثلا.
حاليا وفق اعتقاد (أبو هنية) التنظيم في هذه المرحلة ليس لديه خطة لإعادة السيطرة المكانية فهو لا يمتلك القدرة لأنه يعلم أنه سيصبح مكشوفا.
ويقول "الآن هناك تحولات في البيئة العالمية كاهتمام أميركا بالصين وكذلك الحرب الروسية على أوكرانيا، ولذلك علينا أن نعرف أن التنظيم ينتظر".
ويرجع أبو هنية الأسباب الرئيسية في استمرارية وجود التنظيم أو حتى عودته إن حدثت على الرغم من كل التصديات، سواء في العراق أو سوريا أو في العالم العربي، إلى أسباب متجذرة في الواقع السياسي، بعنى عدم وجود حل في سوريا والعراق تعني أن التنظيم وضرباته ستستمر.
بمعنى آخر وفق أبو هنية فإن التنظيم الآن في مرحلة المشاهدة والمحافظة على موارده وهياكله وهو يراقب الفرص لتنفيذ هجماته كما حدث سابقا في سجن غويران في الحسكة، واستهداف حافلات النظام قرب تدمر.