icon
التغطية الحية

بوساطة فيس بوك وسائقي التكاسي.. سوريات وعراقيون في "سوق" الزواج

2024.06.13 | 12:59 دمشق

مكاتب للزواج في السيدة زينب
بوساطة فيس بوك وسائقي التكاسي.. سوريات وعراقيون في "سوق" الزواج ـ الأناضول
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة التي تعيشها مناطق سيطرة النظام في سوريا، تحولت بعض خيارات الزواج إلى صفقات تقودها الحاجة المادية، ودفعت هذه الظروف العديد من العائلات السورية إلى تزويج بناتهن لعراقيين من خلال منصات التواصل الاجتماعي وسائقي التكاسي والعاملين في مكاتب سياحية. وتجد الفتيات السوريات أنفسهن في مواقف صعبة قد تودي بهن إلى فقدان حقوقهن وأطفالهن، ليتحول هذا الزواج من وسيلة للهرب من الفقر إلى سجن في واقع مرير.

وقالت سوريات خضن هذه التجربة لموقع تلفزيون سوريا، أنه وبمجرد وصولهن إلى المطار يحجز الزوج جوازات سفرهن مع كل الأوراق الثبوتية التي تثبت الزواج، مع الإشارة إلى أننا هنا لا نعمم، ولكن نسلط الضوء ونحاول أن نكون صوت السوريات اللواتي لا صوت لهنَّ هناك.

طلاق وزواج من دون حقوق 

إحدى السيدات تحدثت لموقع تلفزيون سوريا عن التأثير السلبي للأوضاع الذي دفع بالأسر لتزويج بناتهن خارج البلاد، قائلة "سابقاً حتى أهل المناطق البعيدة بعض الشيء عن بعضها كانوا يرفضون رفضاً قاطعاً تزويج بناتهن بسبب البعد، إلا أن الوضع اليوم اختلف خاصةً مع هجرة أعدادٍ كبيرة من الشبان، وتردي الوضع الاقتصادي ما اضطر الأهل للقبول بتلك الزيجات على مضض".

وتوضح أنه "رغم خوفهم من مستقبلٍ مجهول ربما يكون في انتظار بناتهن في الغربة، مع كل ما يتم تداوله من أخبارٍ وقصصٍ عن سورياتٍ يعانين الأمرين من معاملة الزوج القاسية إضافة لقيام عدد كبير من العراقيين بترك زوجاتهن بعد فترة قصيرة جداً، وإجبارهن على التنازل عن كل حقوقها وإعادتهن للبلاد، لتكون مُدّد الزواج قصيرة لا تتجاوز بضعة أشهر تحت مُسميات عدة كزواج المسيار أو المتعة  الرائج جداً في العراق.. رغم كل ذلك يدفع الفقر العائلات لتزويج بناتهن".

هبة اسم مستعار ومثالٌ حي على تلك المعاناة لسيدةٍ عانت ما عانته خلال فترة زواجها التي لم تستمر طويلاً، تحدثت لتلفزيون سوريا عن تجربتها وزواجها من شاب عراقي قائلةً: "عملي في  مجال الإعلام هيأ لي الظروف للتعرف إلى شاب نشأت بيني وبينه قصة حبٍّ جميلة تكللت بالزواج بعد أن تقدم لخطبتي من أهلي، وبعد أن أغرقني بوعودٍ كثيرة ستفتح لي فرص عمل جيدة في إحدى المحطات التلفزيونية في بغداد، تزوجنا في دمشق وتم تسجيل الزواج وكل شيء سار على ما يرام، وسافرت مع زوجي ومر عام كامل ذقت بها أنواع العذاب والضغط بعد أن منعني من الخروج من المنزل ضارباً بكل وعوده عرض الحائط، لأتمكن بعد معاناةٍ كبيرة من الهروب والعودة إلى سوريا، مضيفةً أن "شريحة كبيرة من الشباب والرجال العراقيين يرغبون بالزواج من السوريات أولاً بسبب غلاء المهور والطلبات التعجيزية التي تطلبها العراقيات، والتي قد تصل لآلاف الدولارات، مقابل بضعة مئات من الدولارات قد لا تتجاوز 700 أو 800 دولار أو كما ينطقها العراقيون في لهجتهم سبع أو ثمان ورقات”.

وتتابع هبة "أجزم أن هناك عشرات إن لم نقل مئات الفتيات تعانين بصمتٍ لعدم وجود من يسمعهن أو يأخذ بيدهن، خاصةً وأن معظم العراقيين يقومون بأخذ جواز السفر وكل الأوراق الرسمية التي تعود للزوجة  فور وصولهم للعراق، والبقية يعلمها الجميع".

"تؤبرني".. والدراما السورية

لعبت الدراما دوراً سلبياً من جرَّاء تقديمها نموذجاً للمرأة السورية لا يمت للواقع بصلة، خاصةً مع تصويرها السورية كجاريةٍ لا يهمُّها إلا رضا "ابن عمها وسيدها"  وتحديداً في بعض مسلسلات البيئة الشامية التي صورت المرأة بأبشع صور الخنوع، وبشكلٍّ لا يليق أبداً بمكانة المرأة السورية، ما دفع بشريحةٍ كبيرة من العراقيين وحتى غيرهم من الجنسيات الأخرى للاعتقاد بأن ما يُعرضُ في تلك الأعمال هو الشكل الطبيعي للزواج في سوريا! وأن المرأة السورية لا هم لها إلا أن تتغزل بزوجها عبر استخدامها لعبارات "تؤبرني وتكفِني" التي على ما يبدو ترضي غرور الرجل وتُشعره بأنه ملك أو أمير! فمن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي خاصةً تلك التي تُرَّوج لزواج العراقيين من السوريات بطريقةٍ مُهينة، كترويجهم لفكرة "رخص المهر وقبول الفتاة السورية بأقل سعر"! وكأنك في سوق نخاسة، سيلمس مستوى الانحطاط الذي وصلنا إليه، والذي يُظهِر مدى استغلال معظم هؤلاء الشباب للظروف الصعبة للسوريات.

325 عقد زواج من عراقيين في أسبوع واحد

تداولت مواقع ومنصات إخبارية عراقية تسجيل 325 عقد زواج عراقيين بنساء سوريات خلال أسبوع واحد! ومما لا شك به بأن المرأة السورية لها حُظوة كبيرة تجعلها تتصدر قائمة النساء العربيات، لما تتمتع به من جمال ورقة وعلم وثقافة، إضافةً لجاذبية اللهجة السورية اللطيفة التي تدفع بكثيرٍ من الشباب من مختلف الجنسيات العربية للإقدام على خطوة الزواج من سوريات، إلا أن نجاح مثل تلك الزيجات يلزمه كثير من الضوابط القانونية والاجتماعية حفاظاً وضماناً على حقوق المرأة السورية، كي لا تقع ضحية الفقر والظلم وحتى لا يتم استغلالها في أعمالٍ غير أخلاقية.

وتبعاً لما ذكره مصدر رسمي تابع للنظام في وقتٍ سابق، فقد تصدر العراقيون واللبنانيون قائمة الجنسيات العربية والأجنبية المتزوجين من سوريات.

وسطاء يديرون "صفقة" الزواج 

يصل المقدمون على الزواج من فتاة سورية إلى غايتهم عبر وسطاء يرتبطون بمكاتب السياحة والسفر مثل سائقي التكاسي، لا يخجل هؤلاء من السؤال عن فتاة للزواج بحجة "الستر"، يقول أحدهم "هل تعرف فتاة مستورة وأهلها مستورين عمرها بين 22 – 25 للزواج من رجل عراقي على سنة الله ورسوله والسفر إلى العراق؟" هكذا بدأ سائق أحد التكاسي في دمشق حديثه، ليتبين لاحقاً خلال النقاش أن السائق يعمل كوسيط زواج للشباب العراقيين القادمين إلى سوريا كسياحة.

خلال الحديث، تبين أن الشاب العراقي عمره 45 عاماً متزوج في العراق ولديه طفلان، لكنه يريد زوجة سورية، لكثرة ما سمعه عن محاسن الزواج من الفتيات السوريات الذي راج مؤخراً، وبات "تريندا" في العراق على مواقع التواصل الاجتماعي لكثرة توجه العراقيين نحو دمشق للزواج.

وكانت سوريا قد ألغت التأشيرة المسبقة للعراقيين الراغبين بدخول أراضيها نهاية العام الماضي، وفي آذار هذا العام خفّضت سعر التأشيرة التي باتوا يحصلون عليها عبر المنافذ الحدودية وفي المطارات من 80 دولاراً إلى 50 دولاراً فقط، ما زاد من عدد الشبان العراقيين الوافدين إلى دمشق.

تبين أن السائق يعمل منذ 5 سنوات مع العراقيين وتحديداً الوافدين إلى السيدة زينب للحج، وكان يقوم بتأمين طبابتهم لدى أطباء الأسنان ومراكز التجميل ويقدم لهم كثير من الخدمات مقابل أجرة شهرية يتقاضاها منهم، إضافة لنسبة يحصل عليها من الأطباء ومن مقدمي الخدمات.

وعن عمله كوسيط للزواج يشير إلى أن الاختلاف الطائفي ليس عائقا أمام الزواج هذه الأيام، في إشارة إلى نسبة كبيرة من العراقيين الشيعة المقبلين على الزواج من سوريات.

مكاتب للزواج في السيدة زينب

وقالت مصادر محلية من مدينة اللاذقية لموقع تلفزيون سوريا "إنَّ هناك مكاتب تعمل على تنسيق هذه الزيجات بين اللاذقية ودمشق – في منطقة السيدة زينب، وذلك عبر البحث عن النساء اللواتي قُتل أزواجهن خلال سنوات الحرب لمحاولة تزويجهن من عراقيين مقابل حصول تلك المكاتب على نسب مالية متفق عليها".

وأوضح مختار أحد الأحياء الشعبية باللاذقية (طلب عدم ذكر هويته)، أن أغلب حالات الزواج تتم من زوجات فقدنَ أزواجهن خلال سنوات الحرب، مشيراً في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى نساء يعملنَ بالتعاون مع مكاتب في السيدة زينب لتزويج المقاتلين العراقيين بسوريات أرامل ومطلقات حصراً مقابل حصول ذويهنَ على مهور تترواح بين 500 و1500 دولار أميركي".

وأضاف المختار ذاته، أن "المقاتل العراقي يدفع المهر بالدولار لذوي الفتاة ويُسجل عقد الزواج ومن ثم يوثق في الأحوال المدنية ويصدق من الخارجية السورية لتسهيل حصول الزوجة على تأشيرة العراق في حال كان الزوج يرغب في نقلها إلى بلده".

مجموعات فيس بوك تروج للزواج

على مجموعات فيس بوك أنشأت للتعارف بين العراقيين وسوريين تحت اسم السياحة، يعرض عراقيون صورهم ويطلبون الترحيب من السوريين في المجموعات مع تقديم نصائح في أثناء زيارتهم المرتقبة إلى دمشق، ويطلبون أدلاء سياحيين أو خدمات مثل تأمين شقة في جرمانا أوغيرها. هنا ينشط الوسطاء من سائقين ووسطاء زواج، ومقدمي خدمات سياحية وطبية وغيرها.

أحد المصورين (طلب عدم ذكر اسمه) الذين يعملون في شوارع العاصمة دمشق متنقلاً بين باب توما والقصاع والشعلان قال لموقع تلفزيون سوريا "شهدت عقد قران شابين بين 35 – 40 عاماً منذ بداية العام، وكنت أنا المصور الخاص لحفلاتهم المترفة، كما شهدت سهرات لهم في البارات والملاهي الليلة وكيف ينفقون المال دون حساب".

مهور متدنية لكن السوريين محجمون عن الزواج 

ينخفض مهر الفتاة السورية بحسب منطقتها فقد لا يتجاوز مهرها 2500 دولار إذا كانت من ريف بعيد. ويقول شاب عراقي فضل عدم ذكر اسمه (32عاماً) قال إن المهر المطلوب للزواج بالعراق بات يكلف حتى 30 ألف دولار نتيجة كثرة طلبات الأهل، في حين لا يتعدى 4 آلاف دولار في سوريا إذا كانت طلبات الأهل كثيرة ووضعوا شروطا عديدة.

ارتبطت ظاهرة تزوج العراقيين بالسوريات برخص مهورهن وغلاء المهور في العراق بحسب متابعة منشورات العراقيين، (أحد الترندات كان "تزوج سورية بخمسمية ألف").

في حين أثر الواقع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه الشبان السوريون على تأخرهم في سن الزواج، حيث تقف المهور المرتفعة عائقاً في وجه كثير من المقبلين على الزواج، فأصبح الراغب بالزواج مضطراً إلى الاستدانة أو السفر لتأمين مهر عروسه، أو التخلي عن هذا الحلم بشكل نهائي بعد عجزه عن تأمين تكاليف الخطبة والعرس وتجهيز المنزل.

رفض لتحويل الزواج إلى "تريند"

تحول زواج الفتيات السوريات والعراقيات إلى صفقة تجارية، أثار موجة من الرفض بين المجتمع النسوي السوري، حيث أكدت عدة ناشطات سوريات التقى بهم الموقع (طلبوا عدم ذكر أسمائهن)، على ضرورة توعية الفتاة السورية بأن "هذا الزواج مبني على المادة لا يمكن أن يستمر وإذا استمر سيكون مليئا بالمنغصات، وشددت النسويات على أن "الهروب من الحياة والظروف الصعبة في سوريا لا يجب أن تكون بهذا الأسلوب".

وقصّت بعضهن لموقع تلفزيون سوريا حوادث لفتيات تزوجن في العراق، وتعرضوا للضرب من أزواجهن أو تركن في شقق وحدهن يمر عليهن أزواجهن بين الحين والآخر لممارسة الجنس فقط، وتضيف إحداهن "تبين أن الشاب متزوج من عراقية أصلاً ولديه أطفال قبل زواجه من الفتاة السورية.. الكثير من المتزوجات في العراق ممنوعات من زيارة أهلهن ويعانين كثيرا من الأمور التي لا تفصح النساء عنها".

ارتفاع العنوسة في العراق

في كانون الثاني الماضي، كشف سفير النظام السوري لدى العراق، صطام جدعان الدندح، عن تسجيل قرابة 5 آلاف عقد زواج لسوريات من أزواج عراقيين خلال العام 2023، مشيراً إلى عدم وجود أرقام دقيقة لعدد السوريين في العراق، لكن يتراوح عددهم تقريباً بين 300 إلى 400 ألف سوري.

وأظهرت دراسة اجراها معهد “بافال” عن ازدياد نسبة العنوسة بين النساء العراقيات بما يقارب 80%، نتيجة إقبال العراقيين على الزواج من السوريات دون العراقيات، وأكد مدير المعهد عصام طه أن "العراقيين باتوا يقبلون على الزواج من النساء السوريات لعدة أسباب وأبرزها قلة مهورهن مقارنة بالعراقيات مرتفعات المهور".

أسباب أخرى للزواج من سوريات

في العام 2020، كشف "القاضي الشرعي الأول" في اللاذقية، أحمد قيراطة، عن وجود إقبال كبير على زواج غير السوريين من السوريات، من العراقيين بالدرجة الأولى والمصريين ثانياً ومن ثم اليمنيين والأردنيين والأتراك. وفق صحيفة الوطن المقربة من النظام.

وأوضح أنه بالتوسع مع الأزواج في التعرف إلى سبب اختيارهم للسوريات، تبين أن سبب الإقبال هو "جمال المرأة السورية تحديداً إذا ما قورنت بقريناتها العربيات من الدول المحيطة"، بحسب وصفه.

وأضاف أن هناك أسباباً أخرى لاختيار المرأة السورية، بسبب إجادتها واجباتها الاجتماعية والاقتصادية وتربية الأطفال ناهيك عن تميزها العلمي وتفوقها في هذا السياق عدا تميزها وتألقها لجهة الحضور الاجتماعي واللباقة في الحديث والاهتمام بالزوج والأبناء، كما أن الزوجات السوريات غير مكلفات، لافتاً إلى أن كل ذلك بحسب رأي غير السوريين بالسوريات.