في عام 2021 وتزامناً مع محاكمة كوبلنز، أطلق المحامي الألماني فريتز ستريف، الناشط في حقوق الإنسان وبالأخص في قضايا العدالة والمساءلة في سوريا، "بودكاستس 75"، ليقدم قصصاً صوتية باللغتين العربية والإنكليزية لتوثيق جرائم الحرب المرتكبة على يد قوات نظام بشار الأسد بحق السوريين.
"الفرع 251"
في عام 2020، بثت شركة البودكاست المرخصة في هولندا الحلقة الأولى من سلسلة بودكاست "الفرع 251" بعد خمسة أيام فقط من بدء محاكمة الخطيب التاريخية، والمعروفة أيضاً باسم محاكمة كوبلنز التي جرت في ألمانيا بين 2019 و2022.
ويعمل في بودكاستس 75، فريق متنوع ومتعدد اللغات من المنتجين والكتاب والصحفيين والمحامين والمقدمين ينتجون قصصاً صوتية باللغة العربية تحت اسم بودكاست "قيد المحاكمة"، والنسخة الإنكليزية منه تحت اسم "The Syria Trials".
وإضافة إلى مؤسس البودكاست فريتز ستريف، يضم الفريق كلاً من "كريستينا كغدو، سليم سلامه، ساشا ليندر، ميس قات، وعبد الرزاق صطوف" إلى جانب عدد من الصحفيين والصحفيات الميدانيين والباحثين المستقلين والمترجمين والمنسقين.
ويهدف "بودكاستس 75" بشكل عام "إلى توثيق قصص وسرديات الشهود والشاهدات، الضحايا وعائلاتهم، بالإضافة إلى اطلاع المستمعين والمستمعات على آخر مستجدات المحاكمات التي تدور حول هذا الشأن"، بحسب ما قال سليم سلامه أحد المنتجين وكتّاب البودكاست بالمؤسسة لموقع "تلفزيون سوريا".
قيد المحاكمة.. خطوة على طريق العدالة
من جهتها، قالت ميس قات الصحفية الاستقصائية في "بودكاستس 75" في حديث خاص مع موقع "تلفزيون سوريا"، إن بودكاست "قيد المحاكمة" يعبر عن فحوى المدونة الصوتية والتي تقدم حلقات صوتية طويلة تناقش المحاكمات التي تمت، أو تتم، أو ستتم في أوروبا، والولايات المتحدة الأميركية أو أي مكان آخر في العالم، ضد متهمي ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا، وتحديداً منذ عام 2011 حتى يومنا هذا".
وأوضحت الصحفية السورية المقيمة في هولندا أن الموسم الأول من النسخة العربية اتبع الأسلوب السردي، والموسم الثاني بتبع الأسلوب الحواري يستضيف 36 ضيفاً، من أبناء الحراك السوري من لهم نشاط مهم في الثورة السورية، بتركيز على الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها النظام السوري.
وبالاطلاع على محتوى "قيد المحاكمة" في الموسم الأول تتنوع العناوين والقصص المسجلة عن الانتهاكات المهولة المرتكبة في سوريا من قبل النظام السوري والميليشيات والدول الداعمة له بشكل خاص، مثل "سياق المحاكمات والعدالة، حربٌ ضد جرائم الحرب"، و"كبار المجرمين.. رأس السلطة وآلاته البشرية".
ويضم "قيد المحاكمة" أيضاً، "مبادرات من أجل العدالة لسوريا"، و"أرشيف صور المعذبين.. أحبة يبحثون ومجرمون هاربون"، و"عايش؟ ولّا.. عائلات تبحث عن العدالة" وغيرها.
وفي الموسم الحالي يسلط البودكاست الضوء على سرديات سوريين وسوريّات وتجاربهم بموضوعات تتعلق بالتطبيع، الهوية، الخسائر غير البشرية، واللجوء والنزوح والتهجير القسري وغيرها من الموضوعات والانتهاكات التي مورست ومازالت تمارس ضد السوريين خلال سنوات الحرب.
وبخصوص ذلك، قال سليم سلامه منتج وكاتب "قيد المحاكمة": "الموسم الجديد يعطي المستمعين والمستمعات آخر المستجدات بخصوص بعض المحاكمات الجارية مثل محاكمة الطبيب علاء م، والتحقيقات بخصوص خالد الحلبي، والمطالبات باعتقال رفعت الأسد (متهم بارتكاب جرائم حرب في سوريا)، وغيرهم من القضايا التي تتم بين هولندا وفرنسا وألمانيا وسويسرا".
التوثيق بالإنكليزية
وعن النسخة الإنكليزية من البودكاست قالت ميس قات: إن البودكاست يتحدث في 10 حلقات، عن خالد الحلبي ضابط المخابرات الذي كان يرأس فرع المخابرات العامة بمحافظة الرقة.
"خالد الحلبي هرب من سوريا، وتقدم بطلب لجوء سياسي في النمسا، ورفعت بحقه العديد من القضايا، إلا أنه يعيش في بيته من دون أن يتم اعتقاله حتى هذه اللحظة"، بحسب "قات".
ولذلك بودكاست "The Syria Trials" يتناول سيرة خالد الحلبي، وما ارتكبه من جرائم بحق سوريين، يتضمن مقابلات حصرية مع ناجين من الرقة يقدمون من خلاله تفاصيل عما جرى وشهادة ضد رجل المخابرات.
وقالت "قات" إن "البودكاست باللغة الإنكليزية لذلك يتوقع أن يكون له أثر أكبر في انتشاره وإمكانية اعتقال ضابط المخابرات خالد الحلبي وإجراء محاكمة عادلة له إن شاء الله".
وفي الموسم الجديد من البودكاست يسلط الفريق الضوء على سرديات 24 سورياً وسوريّة وتجاربهم بموضوعات تتعلق بالتطبيع، الهوية، الخسائر غير البشرية، واللجوء والنزوح والتهجير القسري.
أهمية توثيق الجرائم
ويعد توثيق الجرائم المرتبكة في سوريا والتذكير بها ونشرها على أكبر نطاق ممكن، ذات أهمية بما يخص طريق العدالة والمساءلة مستقبلاً، خصوصاً بعد الدعوى الدولية التي تقدمت بها كندا وهولندا ضد النظام السوري في محكمة العدل الدولية بلاهاي.
وهذه الدعوى كغيرها من الدعاوى التي رفعت في دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا، تسلط الضوء على ملف حقوق الإنسان في سوريا، والانتهاكات التي وثّقتها تقارير حقوقية بحق الآلاف من السوريين منذ آذار 2011 حتى الآن، في ظل محاولات بعض الدول إعادة تعويم النظام السوري من جديد وفتح مجال تطبيع العلاقات معه.
ووثّق مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مقتل 306 آلاف و887 مدنياً في سوريا منذ بداية الثورة في آذار 2011، وفق تقرير صدر في حزيران 2022.
وفي تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان صدر بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب قُتل 14 ألفاً و537 سورياً تحت التعذيب بين آذار 2011 وعام 2021، على يد أطراف الصراع المختلفة في سوريا.
ووفق التقرير، فإن النظام السوري كان مسؤولاً عن مقتل معظم ضحايا التعذيب بنسبة 98.63%، إذ قُتل على يده 14 ألفاً و338، من بينهم 173 طفلاً و74 سيدة.
وتقول الشبكة السورية إن أعداد المعتقلين لدى النظام السوري تجاوزت 135 ألف شخص منذ عام 2011 حتى آب 2022، بينهم نحو 112 ألف اختفاء قسري.