بوتين الأصلع وشعرة معاوية

2022.03.13 | 05:14 دمشق

thumbnail_alkarykatyr_alawl_lshhr_adhar_2022_alarhaby_alawl.jpg
+A
حجم الخط
-A

أُسقط في يد بوتين، وما خطر له على بال أن يصير مطلوبًا للقتل، فقد تجرأ الشيخ الأميركي ليندسي غراهام على الدعوة إلى قتله كما في أفلام الكاوبوي، بل إن بريطانيا ممثلة بوزارة الخارجية ألمحت إلى قتله رمزًا، فذكّرت بضرورة نهاية حقبته، ولم تأت له هذه العزلة على بال، وتتجلى مظاهر ضيق بوتين من عزلته في كثرة الاستعراضات وزيارة المصانع التي يهتف له عمالها بالروح والدم، ومقابلة حسناوات شركة الطيران الروسية الحكومية على طاولة حميمة مدورة، مزينة بالورود. أميركا تشمّ رائحة الضعف كما تشمّ الضباع رائحة الفريسة على بعد فراسخ، لقد أخطأ في تقدير قوة الغرب وغيرتهم على أوكرانيا، وأنّ الغرب الأوروبي قد حكم عليه بالحصار في قفص روسي أبيض ناصع وبارد، وإن نجا من الجوع وتدفأ بالغاز ولعب الجودو مع الحسناوات كما في أفلام كوميديا السبعينيات.

لقد أسكرته مساحة روسيا، أكبر دولة في العالم طولًا وعرضًا وغنىً بالموارد. وقد رفع سعر أهم مادتين في العالم؛ الخبز والوقود، وقسم العالم إلى ثلاثة أقسام؛ مع الغرب، أو مع الصين، أو مع روسيا، وليس له سوى صديقين هما كيم جون أون وبشار جون أون، الزعيمان النادران الموشكان على الانقراض من حدائق الحيوان، فذكّرنا بقول شهير عن الديناصورات التي قتلها حجمها الكبير، وكان حجمها سببًا في انقراضها، وأنه خطا خطوة كبيرة إلى الأمام؛ إما مدفوعًا بغروره النووي، وقمحه، وغازه، وإما إغراءً من الغرب له بعد أن بلع القرم بسهولة من غير مضغ.

بلغ جيش المتطوعين الجهاديين الأوروبيين 16 ألفًا من 53 دولة، فتراجع خطاب بوتين ووزير خارجيته قليلًا، وخفّت نبرته

ولابد أنه يتعجب من تداعي الغربي لمناصرة أوكرانيا السلافية الأرثوذكسية، فقد تسابقت الحكومات الأوروبية إلى حصار روسيا، ووثب موقف ألمانيا من إرسال الخوذ إلى إرسال الأسلحة بين ليلة وضحاها، أما بريطانيا فهي تقود الركائب وتذرف الدموع، حتى إنها صرّحت تصريح الأم الراضية عن أولادها فقالت: إن جنودًا بريطانيين عصوا الأوامر وانشقوا في سبيل تحرير أوكرانيا.

وبلغ جيش المتطوعين الجهاديين الأوروبيين 16 ألفًا من 53 دولة، فتراجع خطاب بوتين ووزير خارجيته قليلًا، وخفّت نبرته، ولم يعد يتحدث عن تغيير الحكومة الأوكرانية النازية وتغيير الرئيس، بل إنه بدأ بالدفاع عن نفسه، فذكر مقار إنتاج الأسلحة البيولوجية التي بلغ عددها 26 مخبرًا في أوكرانيا، والتي تبحث في تطوير الجراثيم لإيذاء العرق الروسي، وسوّغ قصف مشفى الأطفال بالأسلحة الروسية بأنه كان فارغًا، واتخذه الجيش الأوكراني مقرًا له.

وتعجّب من حصار الغرب له والاستغناء عن الغاز الروسي، الذي كان يظنُّ بأنه سيهدد بحجبه، فإذا بهم يسبقونه، فيستغنون عن غازه مفضلين غلاء الأسعار على الغاز الروسي، بل إنهم يتدبرون البحث عن وقود آخر هو الوقود البديل والنظيف.

لقد كشفت حربه سوأته، فجيشه ليس قويًا وفتيًا مثله، وتظهر الصور جندًا جائعين، ودبابات بلا وقود، ويأكلون طعامًا انتهت مدته على ما تذكر الأخبار المصورة، وإنّ شبكة اتصالاته مقطوعة وتتسرب إلى الملأ، ودباباته عتيقة، وسوى ذلك تظهر صور الأسرى أن جنده غير مؤهلين عقائديًا، فهم ذاهبون في رحلة تدريبية، وشواهد أخرى تؤكد ذلك مثل طرد أسرة أوكرانية جنودًا روسًا مسلحين من بيتهم، فيخرجون منصاعين، فاضطر بوتين إلى إقناع الرأي العام العالمي بأنه حربه وقائية ضد أسلحة بيولوجية تنتج في أوكرانيا ضد العرق الروسي.

يستطيع القيصر الروسي أن يغضب ويعاقب الشركات ويصادرها، ويصدر القرارات بالحفاظ على العملة الصعبة، ولديه قنابل نووية، لكنه نسي أن الطبيعة الروسية أعاقت غزوين، هما الألماني والفرنسي، وأن الطبيعة الأوكرانية بمستنقعاتها ليست سهلة، فلا تزال دبابات ألمانيا غارقة في طينها، وقد يضطر قريبًا أن يخترع عبارات أدبية مثل "روح النصر" التي ابتدعها صدام حسين.

يدرك بوتين أنه محاصر وأن الغرب لن يدعه ينتصر، فإن قبل الهدنة، والخروج بماء الوجه من الحرب، فسيطالَب بدفع غرامات الحرب ودفع الأضرار. لقد نسي قوانين الحرب الأساسية، التي كتبها المفكر الصيني "سون تزو"، في القرن السادس قبل الميلاد، ويقع الكتاب في أكثر من 6000 نصيحة وتوصية حربية، اعتُبرت لفترة طويلة مرجعًا كاملًا للاستراتيجيات والوسائل العسكرية.

يحافظ بوتين على شعرة شائبة، لكنه وضع سيفه موضع سوطه الذي كان مهيبًا حقًا وكشف رأسه الأصلع

بحثت عن مقال لمعاوية بن أبي سفيان في كتاب سون تزو فلم أجده بصيغته، يقول معاوية: "إنّي لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها". يحافظ بوتين على شعرة شائبة، لكنه وضع سيفه موضع سوطه الذي كان مهيبًا حقًا وكشف رأسه الأصلع.

لا يوجد جاران في الأرض إلا وبينمها خلافات حدودية: فرنسا وبريطانيا، سوريا ولبنان، الهند والباكستان، البابان وروسيا، وكمين الكويت للعراق، الذي صار علامة على بطش الكبير بالصغير، وفي حكايات ابن المقفع في كليلة ودمنة يطأ الفيل أدحية القبّرة فتنتقم منه أشد الانتقام، فتجمع له الغربان، وتعمي بصره فيهلك.

الثلج الأبيض يسبب عمى البصر، أما الغرور فيسبب عمى البصيرة.