icon
التغطية الحية

بوادر لخطاب كراهية تجاه المهجرين في الشمال السوري.. خبراء يحذرون وينصحون

2024.08.24 | 05:53 دمشق

آخر تحديث: 24.08.2024 | 05:53 دمشق

234534
صورة مصممة بالذكاء الصناعي
حلب - حسين الخطيب
+A
حجم الخط
-A

تشهد مناطق شمال غربي سوريا بوادر خطاب كراهية موجه ضد النازحين والمهجرين الذين يعيشون في المنطقة، بشكل غير مسبوق، يستخدم فيه وسائل ومصطلحات متعددة تحمل في طياتها خطابات واتهامات تعمق من الشرخ الاجتماعي بين السكان الأصليين والوافدين المهجرين.

وعلى الرغم من أن السوريين في مناطق شمال غربي سوريا سواءً من النازحين والمهجرين أو السكان الأصليين يعيشون على أرض سورية - بطبيعة الحال - إلا أنهم وقعوا ضحية الهجمات العنصرية وخطابات الكراهية التي تطول السوريين في مختلف بلدان اللجوء.

كما شكلت الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحالة الانغلاق التي تعيشه المنطقة ضغطاً شديداً على مختلف الشرائح الاجتماعية التي تسكن شمال غربي سوريا، متسببةً في إثارة خطاب الكراهية.

بوادر خطاب الكراهية

شهدت مدينة الباب الواقعة في ريف حلب الشرقي في 7 من آب الجاري اشتباكات مسلحة بين عائلة "آل واكي" ومهجرين من محافظة دير الزور ينتمون لفصيل أحرار الشرقية التابع للجيش الوطني السوري، واستخدم فيها طرفا النزاع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا.

وتتكرر الخلافات بين عائلة "آل واكي" في مدينة الباب مع مهجرين من دير الزور بين حين وآخر، منذ العام 2018، ورغم من توصل معظمها إلى صيغة حل بعد سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، إلا أنها سرعان ما تتجدد عقب الخلافات والمشادات الكلامية بين أفراد ينتمي كل منهما لطرفي النزاع وتتحول إلى اشتباكات مسلحة.

إلا أن الخلاف الأخير بات في محطة جديدة تواجه الشمال السوري، بعدما خرج عدد من أهالي مدينة الباب في مظاهرة ليلية نادت بشعارات منها "الباب حرة حرة.. الديري يطلع برا"، بينما قام أفراد ينتمون للمهجرين من محافظة دير الزور بكتابة عبارات اعتبرها البعض "استفزازية" على الدورات وجدران الشوارع الرئيسية منها "محافظة دير الزور ترحب بكم".

 

وفي سياق منفصل، خرج شاب ملثم في مقطع مصور على حسابه في منصة "تيك توك"، يطالب بترحيل المهجرين والنازحين المقيمين في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، كما وجه اتهامات بأنهم السبب في وصول المنطقة لما تعيشه حالياً، وادعى أن النازحين والمهجرين لم يدافعوا عن مناطقهم وباعوها للنظام السوري.

وشكل التسجيل المصور ردود أفعال متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي واعتبره البعض أنه خطاب كراهية موجه ضد شريحة واسعة من سكان شمال غربي سوريا، متجاهلاً أن النازحين والمهجرين أجبروا على الخروج من منازلهم تحت وطأة ضربات المدفعية والطائرات الروسية والنظامية وقوات نظام الأسد والميليشيات الموالية.

إلى آخر، فقد أثار تعليق متطوع في الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) على منصة "فيسبوك"، الكثير من ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما وجه إهانات للنازحين والمهجرين في مناطق شمال غربي سوريا في قوله "الله يرجعكن على بلادكن بس والله يا خاي هاد الموجود.. على فكرة نحن كتير مدايقين وقرفانين من النازحين". بعد تعرض صاحب التعليق لانتقادات حادة وشتائم بشكل واسع، نشر منشوراً اعتذر فيه عن فعلته.

صثقفثق

وعلى خلفية الإهانة التي تسبب بها العنصر، قدم رائد الصالح مدير منظمة الخوذ البيضاء، اعتذاراً نيابة عما صدر من أحد أفراد المؤسسة، مؤكداً، اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها وفق النظام الداخلي للمؤسسة بحق المتطوع لمخالفته مبادئ وقيم العمل الإنساني ومدونة السلوك الخاصة بالمؤسسة.

وغيرها الكثير من الخطابات المتكررة التي توجه ضد الفئات الاجتماعية المهجرين والنازحين في مناطق شمال غربي سوريا لكنها تبقى في إطار النقاشات خلال الجلسات اليومية، دون أي اعتبار من مروجيها لأثرها في المحيط الاجتماعي لكونها تتسبب في إحداث شرخ بين الشرائح الاجتماعية في الشمال السوري.

وتعرف الأمم المتحدة خطاب الكراهية، بأنه "أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية.. والدين، أو الانتماء الإثني، أو الجنسية، أو العرق، أو اللون، أو النسب، أو النوع الاجتماعي، أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية".

وبناءً على تعريف الأمم المتحدة، يمكن التماس بوادر انتشار خطاب الكراهية في مناطق شمال غربي سوريا، ضد فئة النازحين والمهجرين ويشكلون شريحة واسعة من سكان المنطقة، باتوا اليوم تحت تأثير تداعيات الحرب في سوريا.

أسباب وعوامل انتشار خطاب الكراهية

تساهم العديد من العوامل والأسباب في انتشار خطاب الكراهية بين المجتمعات (السكان الأصليين، المهجرين والنازحين)، ومنها ما يرتبط في الجوانب والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلى جانب سياسة الانغلاق العام التي تعيشها مناطق شمال غربي البلاد.

ويرى الباحث بسام السليمان، أنه إلى الآن لا يمكن الحديث عن تحول خطاب الكراهية إلى ظاهرة عامة في الشمال السوري، لأنه حالة فردية ورد فعل لبعض المجتمعات المحلية سرعان ما يُحتوى من قبل العقلاء، لكن ذلك لا ينفي احتمالية تطور الحالات الفردية إلى خطاب كراهية عام بسبب جملة من العوامل والأسباب.

وقال خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا": "إن الأوضاع الاقتصادية في مقدمة الأسباب، حيث يشكل تدهور الاقتصاد وقلة فرص العمل حالة من التنافس على فرص العمل المحدودة والتي يمكن أن تجعل بعض أبناء المجتمعات المضيفة ينظرون للنازحين على أنهم منافسون لهم في الفرص وفي الموارد المحدودة، وتقاس أيضاً على السكن".

وأضاف: "الحالة الفصائلية وارتباطها الكلي بالمجتمعات المحلية (شمال حلب أكثر من إدلب) دفع إلى الاشتباكات بين الفصائل ذات الانتماء المناطقي، ويكون عاملاً محفزاً على خطاب العنصرية وهذا ما رأيناه في مدينة الباب قبل أيام".

وحذّر من أن غياب سياسة حكومية للتعامل في ظل وجود فواعل تغذي التوتر بين القوميات يشكل سبباً في انتشار الخطاب، "لا سيما ما تعرض له أكراد في عفرين من ظلم واسع على يد فصائل عربية وتركمانية بالدرجة الأولى ليسوا من أبناء المنطقة".

وتابع: يشكل ظلم القوميات الأخرى توتراً كبيراً قابلاً للانفجار حال حدوث متغيرات تتعلق بتوزع القوى التي تعتبر العامل الأول لمنع هذا الانفجار الكردي في وجه النازحين وخاصة في ظل تغذية "قسد" لمثل هذا الخطاب.

وأشار إلى، أن وجود خطاب من نوع آخر بين التركمان والعرب، مما ينعكس سلباً على العلاقة بين النازحين والسكان الأصليين في القرى ذات الغالبية التركمانية، وأوضح، أنه رغم أن الرغبة في العيش المشترك بين العرب والتركمان كان ولا يزال قادراً على مواجهة خطابات الكراهية، لكنه أمر مهم يتطلب المزيد من الدراسة والخطوات التي تعزز من العلاقة الجيدة بين التركمان والعرب وتمنع محاولات إحداث شرخ بينهما.

من جهته الباحث أمجد المالح، يرى أن أسباب انتشار خطاب الكراهية في الشمال السوري هو عدم قدرة المجتمعات السورية المتنوعة على الاندماج فيما بينها، لأنه على الرغم من عيشهم في منطقة واحدة إلا أن المجتمع لا يزال متفتتاً، وهذا فعلياً نتاج تداعيات الحرب في سوريا.

وقال خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا": "الأوضاع الاقتصادية، والمعيشية، والأمنية، والسياسية، وعدم وجود رؤية واضحة لمستقبل الشمال السوري ساهم في منع اندماج بعض المجتمعات النازحة مع المضيفة".

وأضاف: "الصبغة المناطقية المرتبطة بالجغرافيا، وتغذية العشائرية، وتحكم الحالة الفصائلية، يعد أحد أبرز عوامل انتشار خطاب الكراهية، لأن معظمها تدور في فلك المصلحة ذات الانتماء المناطقي لا السوري".

وأوضح أن الواقع الحالي يبرهن أن خطاب الكراهية في طور النشأة، بسبب عدم القدرة على بناء مجتمع سوري متماسك في الشمال، فالتنوع الاجتماعي وعدم الانضباط قانونياً واجتماعياً، تسبب في حالة خلل، مشيراً إلى أن السياسية القائمة في التعامل مع النازحين والمهجرين من خلال الإغلاق عليهم في مخيمات بعيدة وعدم إشراكهم في إدارة المنطقة يشكل عاملاً إضافياً.

مخاطر انتشار خطاب الكراهية على السلم الأهلي

يشكل خطاب الكراهية تهديداً للسلم الأهلي في مناطق شمال غربي سوريا، رغم أنه لا يمكن الحديث عن سلم أهلي في واقع أمني ممتلئ بالاضطرابات والتجاذبات لكن لا بد من التطرق إلى المشكلات الحقيقية التي يجب محاربتها واحتواؤها في ظل عدم القدرة على بناء مجتمع متماسك.

وأوضح الباحث السليمان، أنه كلما تصاعدت الأصوات باتت المنطقة أمام منحدر كبير في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها المنطقة، وفي حالة مدينة الباب فلولا احتواء الخلافات من العقلاء، لتطور الأمر في إجلاء المهجرين من محافظة دير الزور ما يعني أننا سنشهد حالة تحريضية قد تمتد للمجمعات السكانية الأخرى، مهددةً السلم الأهلي.

انتهى نقاش موقع تلفزيون سوريا مع مختصين وناشطين إلى أنه، حتى الآن لا يمكن القول بأن العنصرية وخطاب الكراهية ظاهرة عامة في شمال غربي سوريا، لكنها حاضرة في النقاشات وبدأت مؤخراً في الخروج إلى العلن، وهذا المؤشر الأخير يدق ناقوس خطر حقيقي لمواجهة بوادر الانتشار والتحول إلى العام، لا سيما أن الخطاب موجه ضد النازحين والمهجرين السوريين في مناطق شمال غربي سوريا، وهم ضحايا حرب واختاروا العيش في الشمال تاركين خلفهم أملاكهم وأرزاقهم بحثاً عن الكرامة، ومع ذلك يترتب على المجتمعات المضيفة والنازحين ضبط النفس وعدم الانجرار وراء منشور أو حادثة فردية، وعدم التعميم ومكافحة أي كلمة أو فعل تهدف إلى تشكيل انطباعات سلبية تعميمية خاطئة.