يُحضّر المخرج السوري أمير فخر الدين لإكمال ثلاثيته السينمائية بعد أن لاقى أول أفلامه "الغريب" نجاحاً وإعجاباً كبيرين من النقاد والجمهور.
وسيشارك في فيلم فخر الدين الجديد "يونان"، نجوم عالميون كالممثلة الألمانية والمطربة هانا شيغولا، وبطلة المسلسل الشهير Game of Thrones الألمانية من أصول تركية سيبل كيكيلي، إضافة إلى الممثلين اللبناني جورج خباز والسوري باسم ياخور.
وتدور أحداث "يونان" حول كاتب عربي منفي من وطنه ويسافر إلى جزيرة نائية من أجل الانتحار إلى أن يلتقي بامرأة عجوز توقظ في داخله حب الحياة من جديد.
وكان باكورة أفلام فخر الدين "الغريب" قد لاقى إعجاب واستحسان العديد من النقاد والجمهور، وشارك في عدة مهرجانات عربية وعالمية وحصل مؤخراً على جائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان روتردام للفيلم العربي في شهر حزيران يونيو الماضي.
موقع تلفزيون سوريا التقى مع المخرج السوري للوقوف على ما يحضر له، وأجرى الحوار التالي:
- بداية.. لماذا اخترت الجولان لتكون أولى القضايا التي تتناولها في أفلامك؟
أنا من بلدة مجدل شمس في هضبة الجولان السورية المحتلة، ومن أفراد الجيل الذي خلق في منفى (..) فلا داعي للهجرة لكي تكون منفياً، خصوصاً في سياقات مثل سياق الجولان، جيلنا والجيل الذي ولد بعد حرب عام 1967 خلق في المنفى بانتظار أن يسترجعنا الوطن الأم سوريا.
وتابع فخر الدين: كنا وما زلنا نعيش حالة الانتظار والتخبط (..) والاكتئات لا سيما بعد اندلاع الحرب في سوريا حيث كنا نسمع أصواتها من خلف الجبل. هذه التجربة شكلت لي التأثير الأول لكيفية تناول فيلم عن الجولان وفي الوقت نفسه الفيلم لا يتناول القضية بشكل مباشر وإنما يتناول شخصية فرد ويبحث فيها مع الإيحاءات بأن هذا الفرد قد يكون الجولان ذاته، فغربة هذا الفرد والعزلة التي فرضت عليه بسبب الحالة الاجتماعية وشخصيته الغريبة المائلة للعزلة وحالة انتظاره وحلمه بوطن سحري لا يعرفه... حاولت أن أحكي عن الجولان من دون الكشف عنها.
- حدثنا عن فيلم الغريب..
"الغريب" هو أول فيلم روائي من هضبة الجولان لذلك يقع على كاهلك مسؤولية كبيرة كونك تتحدث عن منطقة تحت احتلال أسميه أنا "الاحتلال المنسي"، منطقة منسية لا تتناولها نشرات الأخبار.
السينما الوثائقية توثق الواقع كما هو فيما توسع السينما الروائية الأفق وتغوص في أبعاد القضية لذلك اختارت طرح قصة عودة طبيب لم ينه دراسته في الاتحاد السوفييتي وعاد إلى مسقط رأسه في الجولان ويعيش خيبة أمل والده ومجتمعه فيه، يعيش حالة من الغربة ويعزل نفسه عن عائلته ويقضي جل أيام في حقل التفاح ويحاول إنقاذ التفاح من الصقيع، شخصية حساسة حالمة... نوستالجي ليس للماضي فقط بل للمستقبل الذي يحلم فيه.
أردف: هذه الحالة برأيي تمثل حالة الجولان الآن أو حالة الفرد في الوطن العربي خصوصاً أن مجتمعاتنا تعاني من الصراعات والتسلط والذكورية والأبوية والدكتاتورية وبالتالي كلنا حالمون ونشبه شخصية عدنان نوعاً ما أي الشخص الحالم بوطن سحري قد يكون لا يعرفه أبداً.
- إلى أي مدى يمكننا اعتبار فيلم الغريب أو شخصية "عدنان" انعكاساً لذاتك؟
أكيد أنا لا أستطيع أن أصنع فيلماً لا يكون انعكاساً لدواخلي لكن الغريب هو مجموعة مشاعر منها ما هو خاص بي ومنها مشاعر استعرتها ممن حولي ومن آخرين لا أعرفهم أبداً على سبيل المثال الشاب السوري الجريح الذي يهرب إلى الجولان طالباً النجدة وحلمه أن يدفن في قريته الأم وموطن أجداده في الجولان المحتل بعد أن أُقصيت عائلته من قبل الاحتلال.. فشعور حق العودة أن أعرفه من جهتي لكني لا أعرفه من جهة السوريين أهالي الجولان أنفسهم فهذه المشاعر حاولت أن ألامسها في الفيلم.
وأضاف فخر الدين: الفيلم عبارة عن كولاج مشاعر. شخصياً فيلم الغريب يمثل شيئاً مني بشكل مؤكد لكن أنا غالباً لا يجذبني فكرة صنع أفلام من تجاربي السابقة، لذلك أنا ما يعنيني هو بالتعامل مع السينما هو الاستيحاء أكثر من المخاوف المستقبلية عوضاً عن تجاربي السابقة. الغريب قد يكون خوف مستقبلي بمنظوري.
- بمن تأثرت فنياً أو سينمائياً؟
لست متأثراً فقط بالسينما بل تأثرت بالأدب والفن التشكيلي لأن الفنان عبارة عن انعكاسات وتأثيرات هي التي تبني وتبلور هويتك السينمائية والفنية وأنا تأثرت بالسينما الإيرانية والروسية كالمخرج الإيراني عباس كيارستمي والمخرج الروسي أندريه تاركوفسكي وآخرين. كان هناك موجة سينمائية إيرانية في فترة السبعينيات والثمانينيات ألهمتني وأثرت بي. تعامل الفرد الفنان الذي يعيش وسط بيئة معنية.. تعامله بكيفية نقله لواقعه باستخدامه لكن دون أن ينسخه. هذا الأسلوب السينمائي الذي أثر بي كثيراً.
وكأسماء تأثرت كما قلت سابقاً بعباس كيارستمي أندريه تاركوفسكي والموجة الإيطالية أنتونيوني وبازوليني هؤلاء ماسترز في السينما ولكن أنا أنظر إلى تأثيرهم في ثقافتهم وكيف استطاعوا أن يصنعوا لغتهم السينمائية جديدة وجدلية مهمة جداً ضمن الحالة المحيطة بهم.
كما تأثرت بالمخرج البولندي كريستوف كيشلوفسكي خصوصاً كيفية تعامله مع الرقابة في بولندا وكيف اجتهد ليصل إلى صنع أفلام لها رونق خاص جداً وفيها عمق انتربولوجي وسياسي مهم جداً.
وعربياً تأثرت بالمخرج السوري عمر أمرلاي ومحمد ملص ورياض شيا الذي أخرج فيلم "اللجاة" الذي أثر بي كثيراً وكان ملهماً لي بطرحه السينمائي.
يوسف شاهين وشادي عبد السلام وعاطف الطيب أيضاً أثروا بي خصوصاً أنهم أقرب إلى ثقافتي السينمائية.
- ما مشاريعك القادمة خصوصاً أنك تقيم حالياً في ألمانيا؟
أعتقد أن توجهي في السينما سيكون من خلال الثلاثيات، يعني ثلاثة أفلام تختلف بالمضمون والسردية ولا علاقة لها ببعض.. يعني ليس أجزاء. وفيلم الغريب هو جزء من ثلاثية أفكر بها وبدأت التفكير بها فعلياً قبل إن أصنع فيلم الغريب وهي عملياً تبحث حول ثيمة البيت ففيلم الغريب هو عبارة عن شخص يشعر بالغربة عن أهله وناسه ومحيطه وأرضه لكنه يحلم ويحاول أن يوضح ويفسر لنا سبب تشبثه ببقائه رغم الأزمات والبيئة المضطربة الموجود بها ورغم غربته عن بيئته لكن هناك سبب وراء بقائه في مكانه وعدم الهروب من واقعه والهجرة.
كما قلت بأن ثيمة الثلاثية هي البيت والغريب هو أول منظور حول البيت، أما الفيلم الثاني سيكون اسمه يونان وفي حال سارت الأمور على ما يرام سيبدأ تصويره مطلع العام القادم.
وبإمكاننا أن نقول إنّ فيلم يونان هو عكس الشخص الأول في فيلم الغريب وهو شخص فُرض عليه أن يمضي ما تبقى من حياته في المنفى وغير قادر على الرجوع إلى منزله فحالة العزلة والبعد في مفهومه الجغرافي أيضاً ومفهوم الغربة وما يعانيه من اكتئاب.
ويوضح فخر الدين أن فيلم يونان متأثر بقصة النبي يونس الذي ابتلعه الحوت ولكن يوسف شخصية العمل يتعلم ويكبر من خلال رحلته وهذا ما يدور حوله فيلم يونان. وسيشارك في الفيلم عدد من النجوم أبرزهم الممثلتان الألمانيتان هانا شيغولا وسيبل كيكيلي إضافة إلى الممثلين اللبناني جورج خباز والسوري باسم ياخور.
أما التصوير، فسيتم في ألمانيا ومكان أخر في منطقة الشرق الأوسط وسيكون من إنتاج سوري ألماني فرنسي إيطالي وهناك مفاوضات مع شركة "ميتافورا" للإنتاج.
- ما سبب إقامتك في ألمانيا؟
جئت إلى ألمانيا أثناء العمل على فيلم الغريب لأقوم بمرحلة ما بعد الإنتاج وبعد قدومي إلى ألمانيا كتبت الفيلم الجديد يونان وبما يدور في ألمانيا فقرر البقاء هنا للبحث والتعرف أكثر على المكان.
أنا هنا بإقامة فنية من وزارة الثقافة الألمانية وواقعنا في الجولان السوري المحتل مختلف عن كل العالم، فأنا ليس لدي جنسية سورية ورفضنا أن نأخذ الجنسية الإسرائيلية وأنا أحمل وثيقة سفر صكتها سلطات الاحتلال الإسرائيلية للأشخاص الذي رفضوا الجنسية الإسرائيلية وهذه الوثيقة مكتوب عليها غير معرف.