icon
التغطية الحية

بلومبيرغ: أردوغان يختبر علاقته ببوتين في النزاع الأرميني-الأذري

2020.10.05 | 19:10 دمشق

1000x-1.jpg
بلومبيرغ-ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لو أوضح فلاديمير بوتين شيئاً على مدار السنين، فلا بد أن يكون أنه لا يسمح لقوة سوى الروسية - حتى لو كانت الأميركية أو الأوروبية ولا حتى الصينية -بالتدخل في الشؤون الأمنية في الأراضي التي سبق أن وطئتها أقدام السوفييت.

ويبدو أن رجب طيب أردوغان لم تصله تلك الرسالة، إذ حشد دعمه لأذربيجان وهي تحاول أن تستعيد الأراضي التي خسرتها في عام 1994 لصالح القوات الأرمينية، وهنا يضع الرئيس التركي علاقته مع روسيا على المحك.

إذ يتمتع نهج أردوغان القوي بتأييد كبير في الداخل، ولعله قد فتح الطريق المسدود الذي كان يفتح بين الفينة والأخرى في القوقاز لكنه ظل مغلقاً قرابة 30 عاما خلت. وقد يساعده ذلك في كسب صوت في عملية التسوية هنا، ولكن إذا تجاوز حدوده فإن ذلك قد يعرضه لخطر الملامة من قبل قوة عسكرية قادرة على ضرب المصالح التركية في عدة ميادين ومسارح، إذ لطالما ضغط بوتين من أجل إقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بحيث يمكن للقوى الإقليمية أن تسعى لتحقيق مصالحها دون تدخل أميركي، لكن ما يحدث اليوم لم يفكر فيه بوتين مطلقاً.

وحول هذه النقطة يحدثنا ألكساندر دينكين رئيس معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في الأكاديمية الروسية للعلوم التي تقدم المشورة للكرملين فيقول: "إن أردوغان يختبر صبر بوتين فعلاً، فهو يغيظ بوتين أكثر فأكثر".

يذكر أن هذه العلاقة اعتراها توتر عقب اندلاع القتال من أجل منطقة ناغورني- قره باغ في السابع والعشرين من أيلول/سبتمبر بالرغم من تصورات الغرب بأن تركيا قد تخلت عن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الحليفة في حلف شمال الأطلسي مقابل التقارب مع الشريكة موسكو.

ثم إن لكلٍّ من روسيا وتركيا مستشارين عسكريين، ومرتزقة وقوات تم نشرها على كلا الطرفين المناهضين لبعضهما بعضاً في نزاعين كبيرين، أي في سوريا وليبيا. واليوم زادت مخاوف موسكو بسبب احتمال تجاوز الخط الأحمر في دولة قوقازية كانت ضمن الاتحاد السوفييتي سابقاً، وسط مزاعم حول قيام تركيا بإرسال مقاتلين سوريين لدعم أذربيجان.

كما أن عدد النزاعات التي يتعين على كلا الرئيسين إدارتها وتقسيمها إلى أجزاء في تزايد، ولهذا ترى روسيا في تركيا تلك الدولة التي تسعى لمنافستها وانتزاع لقب عملاق الغاز الطبيعي منها، أي من مشروع Gazprom PJSC، إذ قامت تركيا باستيراد نسبة أقل من الغاز الروسي بلغت 28% في شهر تموز/يوليو مقارنة بالسنة التي قبلها، في حين ارتفعت نسبة استيرادها من أذربيجان إلى 22%. وقريباً، ستقوم تركيا بافتتاح خط غاز جديد يتيح للغاز الأذري التنافس مع مشروعGazprom بالنسبة لحصة السوق في أوروبا.

وفي مقابلة أجريت مع الرئيس التركي في الأول من شهر تشرين الأول/أكتوبر، استنكر أردوغان المطالبة "غير المقبولة" لبوتين بوقف إطلاق النار بشكل فوري في أذربيجان، حيث صرح الرئيس الروسي بذلك عبر بيان مشترك مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إذ تشغل كل من فرنسا وروسيا والولايات المتحدة مقعداً في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تعرف باسم مجموعة مينسك والتي سعت لحل النزاع حول ناغورني-قره باغ.

وفي خطابه، أعلن السيد أردوغان بأن مجموعة مينسك لم تعد مناسبة للقيام بهذا الدور، وعزا سبب عودة القتال إلى روسيا، إذ رأى في ذلك جزءاً من أزمة أكبر بدأت باحتلال القرم، فقد قامت القوات الروسية بضم القرم في عام 2014، وهي جزء من النزاع في شرق أوكرانيا الذي ما تزال فصوله تتكشف حتى اليوم.

اقرأ أيضا: تاريخ الصراع الأذربيجاني – الأرميني وآخر تطورات المعركة الجارية

وفي يوم السبت الماضي أعلن كل من الرئيسين الأرميني والأذري بأنهما قد يدرسان عقد هدنة، ولكن بموجب شروط قد لا تستسيغها الأطراف الأخرى.

فقد اعترفت الأمم المتحدة بتلك المنطقة الأذرية ذات الأغلبية الأرمنية مع سبع مقاطعات حولها على أنها أراض محتلة أي ما يعادل 13.6% من الأراضي الأذرية، وذلك بحسب ما ذكره توماس دي وال المختص بالقوقاز والمقيم في المملكة المتحدة.

واليوم أعلنت روسيا وفرنسا بأن تركيا أرسلت مقاتلين من سوريا ليحاربوا لصالح أذربيجان إلا أن تركيا وأذربيجان أنكرتا تلك المزاعم.

وحول ذلك يعلق السيد دينكين بالقول: "في حال تأكدت المشاركة المباشرة للجيش التركي أو المقاتلين القادمين من سوريا فهذا سيمثل خطاً أحمر، لأن ذلك لا يعبر عن تعددية الأقطاب التي يريدها بوتين".

يذكر أن تركيا تدعم ومنذ أمد بعيد أذربيجان الناطقة بالتركية فيما يتصل بالنزاع على ناغورني-قره باغ، إلا أن قوة تدخل أردوغان هذه المرة لم يسبق لها مثيل، فقد أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بأن بلاده ستقدم المزيد في حال طلبت منها أذربيجان ذلك. كما انتهت التدريبات العسكرية التركية-الأذرية المشتركة التي أقيمت على نطاق واسع في أواخر شهر آب/أغسطس.

إلا أن روسيا لن تعدم وسيلة لتظل دون أن تبتعد عن المشهد، إذ لديها معاهدة أمنية مع أرمينيا، كما أنها باعت أسلحة لكلا الطرفين. وأعلن الكرملين عن قيام محادثتين على الأقل بين بوتين ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان منذ السابع والعشرين من أيلول، دون إجراء أي محادثة مع أردوغان أو الرئيس الأذري إلهام علييف.

اقرأ أيضا: الصراع في أذربيجان.. هل تكسب تركيا ورقة مهمة في مواجهة روسيا؟

وبحسب ما أورده مسؤول رفيع المستوى في أنقرة، وبعيداً عن خيانة حلف شمال الأطلسي لموسكو، ترى تركيا نفسها بأنها تقف وحدها في مواجهة هلال من الضغوط الروسية في المنطقة.

بيد أن الغرب لا يشاطرها هذه الرؤية، ففي الوقت الذي لا تنتاب فيه قادة تركيا أية أوهام حيال علاقتهم بروسيا التي توطدت عبر الصفقات والتعاملات المالية، عرض هؤلاء البلاد في الوقت ذاته لاستلاب الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التي كان الأولى بها أن تقدم المساندة لتركيا وذلك بحسب ما ذكره سنان أولجين وهو باحث زائر لدى مجموعة كارنيجي في أوروبا، وهي مركز أبحاث مقره بروكسل.

فهدف أردوغان في أذربيجان يتمحور حول تهميش مجموعة مينسك وشق طريقه ليشغل مقعداً له على طاولة مفاوضات جديدة حيث يمكن التوصل لتسوية نهائية لنزاع ناغورني-قره باغ، بحسب ما يراه الباحث أولجين.

وهي الاستراتيجية ذاتها التي اتبعها أردوغان لبسط النفوذ لكنها لم تكلل سوى ببعض النجاحات في ليبيا وسوريا وشرق المتوسط، كونها تنطوي على مخاطر أيضاً، نظراً لأن بوتين يمكنه أن يرد عبر ضرب تركيا على أي من تلك الجبهات، في حال أصبحت الأحداث على الأرض أبعد مما هو مستعد لقبوله.

وحول هذه النقطة يعلق الباحث أولجين بالقول: "تعيش تركيا اليوم وضعاً أكثر هشاشة مما يجب أن تكون عليه، وذلك بسبب ضعف الثقة بالتحالفات التقليدية، وهذا الوضع متبادل ومشترك"، فقد لعب قرار أردوغان بالحصول على دفعة من منظومة الدفاع الجوي إس-400 الروسية دوراً في ذلك.

اقرأ أيضا:أذربيجان تدمّر دبابات وأنظمة صاروخية للجيش الأرميني

ثم إن المشكلة بالنسبة لروسيا لا تشبه أياً مما يعرف بالنزاعات التي تم تجميدها ضمن النطاق الذي كان يتبع للسوفييت يوماً، حيث لا يوجد لديها جنود على الأرض ليقوموا بضبط الوضع، وهي تحاول بخلاف تركيا أن تحافظ على علاقاتها مع كلا الطرفين، بحسب ما يراه دي وال، مؤلف كتاب: "الحديقة السوداء" حول ناغورني-قره باغ، حيث يقول: "طالما بقي التوازن، سيكون لديهم نفوذ، لكنهم لا يستطيعون تحمل كلفة اختيار طرف من بين الطرفين والانحياز إليه، لأن هذه الاستراتيجية تبدو خاسرة بعض الشيء، كما أنها تشذ عن المسار قليلاً".

كما قد تتراجع روسيا عن موقفها لتلقن الحكومة الإصلاحية الأرمينية درساً مفاده أن: "السياسات المعادية لروسيا قد تؤدي إلى قطع الدعم بشكل كامل" وذلك بحسب ما ذكره أركادي دابنوف وهو محلل مقيم في موسكو، فقد أتى باشينيان خلفاً لقيادة موالية للكرملين بشكل أكبر وذلك في عام 2018.

اقرأ أيضا: موقف إيران من الصراع بين أذربيجان وأرمينيا

وهنا يعلق دوبنوف بالقول: "حتى اللحظة يحاول الدبان الكبيران أن يحددا مناطقهما، إلا أن أردوغان يجب أن يكون على حذر وألا يقوم بتجاوز الحدود، وذلك لأن بلاده تمثل قوة إقليمية مهمة، لكن يجب عليه ألا ينسى بأن روسيا تعتبر نفسها العنصر المسيطر هنا".

 

المصدر: بلومبيرغ