تمتاز منطقة الشمال الغربي في سوريا بتنوعها البيئي والحيوي، الذي سمح بتعدد أنواع النباتات والحيوانات فيها، وهو ما اكتشفه سكان المخيمات المنتشرة في كل حيز من أراضيها الواسعة، مع بقية سكانها، من مقيمين ونازحين ومهجرين، لكن ليست كل أسرار البرية ممتعة للاستكشاف، إذ إن مصادفة بعض كائناتها قد تعني الشلل أو الموت، خاصة مع بعد المراكز الصحية وندرة العلاجات المتوفرة.
قبل نحو شهر، في يوم الجمعة، وبينما كان خالد الوليد يتهيأ للذهاب إلى المسجد، استنجد به طفل لوجود أفعى في الخيمة التي تجاور خيمته، في مخيم "الطيب" في كفردريان بريف إدلب الشمالي، أسرع الرجل للتلبية لكنه تعرض للدغة من الأفعى.
إحساس بالألم الشديد سرى بيده التي تعرضت للدغ، تلاه شلل وورم وازرقاق وشد للعصب، وتسرعت ضربات قلبه من الخوف والقلق، مع معرفته ببعد المراكز الإسعافية عن المخيم الواقع في منطقة صخرية وعرة، واحتمال تضاعف آثار السم وما قد يسببه من قطع لليد حاضر في ذهنه.
يقول خالد لموقع تلفزيون سوريا: "لم أعرف ما علي فعله، ذهبت إلى رجل كبير في السن، فتح الجرح بإبر وقال إنه أخرج السم، ولكني لم أستفد واستمر الألم".
رحلة البحث عن العلاج
المواصلات غير متوافرة من مخيم "الطيب" إلى أي مركز إسعافي، ومع هيمنة شعور الخوف على خالد، ونقص حركة السيارات في يوم الجمعة، وغلاء كلفة سيارات الأجرة، لم يجد سوى الاستعانة بدراجة نارية، حاول مسعفه أن يوصله بها إلى المداوي.
من كفردريان ذهب خالد أولاً إلى قورقانيا، حيث وجد المستوصف مغلقًا، ثم إلى كبتين، حيث كان الطبيب غائباً، وفي الصيدليات على الطريق لا أمصال ولا أدوية مفيدة لعلاج لدغة الأفعى، حتى وصل أخيراً إلى معرة مصرين بعد ساعات ودخل المشفى الذي حصل به على علاج مدة عشرة أيام.
تسبب تأخر خالد بالحصول على الإسعاف بانتشار السم وأخّر تعافيه، إذ وعلى الرغم من تلقيه الدواء والعلاج لالتهاب الأعصاب والأوعية الدموية الذي أصابه، فإنه خرج من المشفى ويده ما زالت ورمة وزرقاء اللون، وبعد نحو شهر على الإصابة، ما زال غير قادر على استعمالها كما يجب، ووجع الرأس والأعصاب مستمر.
"كنت أعمل والآن تعطلت، وما زالت يدي ورأسي تؤلمانني"، قال الرجل المسؤول عن إعالة عائلته، والذي نقل مكان سكنه ليكون قرب مستوصف طبي خوفاً من أي مضاعفات مفاجئة.
بعد حادثة اللدغ أقام سكان مخيم "الطيب" حملة لإبعاد الزواحف والحشرات الضارة، ولكن إمكانية التحصن خارجة عن مقدورهم، بحسب ما أوضح مدير المخيم، محمود السيد لموقع تلفزيون سوريا، مشيراً إلى أن ما تعرفه الناس من أساليب الوقاية هو أن استخدام القطران يسمح بإبعاد الكائنات المؤذية عن الخيام، ولكن سعره، الذي يبلغ عشرات الليرات التركية للعلبة الصغيرة، ليس متاحاً لديهم.
قتل بعض الأفاعي والعقارب والعناكب التي عثر عليها السكان لم يؤد إلى إيقاف انتشارها، إذ ما زالت تشاهد يومياً بين الخيام.
وقال مدير المخيم محمود السيد: "لم نر منظمة قدمت دعماً، ولا أي متابعة لهذا الموضوع من أحد، واليوم العقارب والأفاعي منتشرة بشكل كثيف، وكل ما جرى هو إعداد بعض التقارير الصحفية عن هذا الأمر فحسب"، كما قال السيد، مضيفاً أن إسعاف المرضى إلى المشفى لا يعني نجاتهم بالضرورة، إذ لا تكون الأمصال والعلاجات متوافرة بها أحياناً كذلك.
تأمين الدواء.. اجتهاد شخصي للمسؤولين
تتنوع الأفاعي في منطقة الشمال الغربي، وتتعدد أنواع الأمصال اللازمة لعلاج كل مريض، ومع تكرار حالات التعرض للدغ والتسمم بشكل شبه يومي في المنطقة، لا تتوافر إحصائيات واضحة لأعداد المصابين، ولا يجلب الدواء ويوزع بشكل دوري ومنسق.
مدير صحة الساحل ومدير مشفى الساحل الدكتور خليل آغا أوضح لموقع تلفزيون سوريا أن جلب العلاج في المنطقة مقتصر على الجهود الفردية والشخصية للمسؤولين والمراكز الطبية، إذ يتمكن بعضهم عن طريق علاقاتهم واجتهادهم من تأمين الأمصال اللازمة للعلاج، في حين لا يستطيع آخرون.
تتضمن رحلة علاج المريض سلسلة طويلة من الأدوية، محورها المصل المداوي للسم، تليه أدوية لعلاج الأعراض وتحاليل دورية وأشعة وربما أعمال جراحية، للحيلولة دون فقدان العضو أو الطرف الذي تعرض للدغ، بحسب ما أوضح الطبيب، الذي أشار إلى أن الخشية الكبرى هي من لدغات الأفاعي لا من العقارب، التي قد تسبب صدمات تحسسية قابلة للعلاج، ولا تقارن بالمخاطر التي يتعرض لها من تبث الأفعى سمها في جسده.
زار الدكتور خليل مديرية الصحة في محافظة هاتاي التركية وتمكن من تأمين أمصال، وزعتها مديرية الساحل على المشافي القريبة وعلى مديرية صحة إدلب، لكن الكميات لم تستمر طويلاً وكان لا بد من السعي مجدداً لتأمين المزيد، وهذه المرة لم يحصل سوى على الوعود من المنظمات الإنسانية التركية.
حصل مشفى الساحل مجدداً على بعض الأمصال بفضل جهات خاصة ومتبرعين أدركوا حجم الخطر، ومجدداً وزع بعضها على المراكز والمشافي المحيطة، كي لا يضطر المصابون إلى التنقل مسافات بعيدة وينتشر السم أكثر في أجسادهم، ولكن الكميات على وشك النفاد من جديد.
قد يستهلك علاج كل مريض من عشرة إلى 15 جرعة من المصل المضاد، كما أوضح مدير صحة الساحل، مشيراً إلى أن نوعية السم وكميته تؤثران في طرق العلاج وفائدتها ومدى تجاوب المريض معها، ما يعني أن الكمية المتبقية من الأمصال قد تنتهي بعد وصول عدد قليل من المرضى، إذا لم يتم تعويض المراكز بأمصال جديدة.
وأضاف الدكتور خليل أن الأمصال متعددة الأنواع، منها الهندية والتركية، والتي تملك فعالية أكبر، كون الأفاعي الموجودة في منطقة الشمال الغربي شبيهة بالأفاعي الموجودة في تركيا ولذا فإن الأمصال المضادة المخصصة لها مفيدة أكثر، وقال إن مديرية الساحل "موعودة" بكميات جديدة من الأمصال، مشيراً إلى أنها تعتبر الوجهة لعلاج المرضى المصابين باللدغات إذا لم تمتلك بقية المشافي العلاج اللازم.
الوقاية خير من العلاج
تستخدم المراكز الطبية والصحية المنتشرة في أرجاء إدلب مضادات الهيستامين ومضادات الصدمات التحسسية التي من الممكن أن تنتج عن لدغات الأفاعي، لكنها لا تمتلك على الدوام الأمصال التي تعتبر أساس العلاج.
قال مدير مركز الرعاية الثانوية والثالثية بمديرية صحة إدلب، الدكتور يحيى نعمة، إن المديرية طلبت من المنظمات المانحة تأمين الأمصال واللقاحات، خاصة خلال فترة الصيف، التي تنشط خلالها الزواحف والحشرات الضارة، في الأماكن البرية التي يسكنها النازحون.
وأشار الدكتور يحيى إلى أن السكان، المقيمين بمساكن على تماس مع الوسط البري، بإمكانهم اتباع بعض النصائح لتجنب التعرض للدغ واللسع، أولها إبعاد أماكن النوم وأماكن لعب الأطفال عن الأماكن غير المأهولة، وأن يناموا على أسرة مرتفعة عن الأرض، مع إحكام إغلاق أبواب الخيام وغرف الإقامة.
وأيضاً بإمكان العاملين في الأراضي الزراعية ارتداء واقيات القدم المرتفعة والقفازات الضرورية للحماية، مع استخدامهم المبيدات لإبعاد الكائنات القارضة والحشرات.
وفي حال التعرض للدغ فإن الوصول إلى المراكز الصحية بأسرع وقت ممكن هو أفضل حل إسعافي، مع ربط الطرف المصاب، ما بين مكان اللدغة والقلب، كي لا ينتشر السم في الجسم.
ويمكن عرض المصاب على شخص مدرب ومؤهل لإخراج السم، ويجب تجنب الحركة المجهدة والركض لمن تعرض للإصابة، وعدم الإكثار من شرب السوائل، أو أخذ الأدوية المميعة للدم، كي لا تنشط الدورة الدموية وينتشر السم.