وسط المعرض وعلى طاولة مستطيلة، جلست غدير الحافظ على كرسي أمام الحاضرين، منهمكةً في حياكة قطعة من الصوف، تحاول أن تثبتَ كفاءتها ممّا تعلّمته، رغم ظرفها الاستثنائي.
غدير هي إحدى المتدرّبات الكفيفات، كان لها نصيب المشاركة في معرض للأعمال اليدوية برداء وقبعة من الصوف، كانا "باكورة" إنتاجها من الأعمال بعد تخرّجها في دورة تعليم "حياكة الصوف" الخاصة بفئة الكفيفات.
وجاء المعرض، اليوم الأربعاء (15 كانون الأول) بتنظيم من منظمة "Good Days" لأكثر من 12 سيدة وفتاة كفيفات، وأظهر عدداً من أعمال وأشغال الصوف التي أنتجتها المشاركات خلال فترة التدريب، وذلك ضمن نشاطات مشروع "أراكم ببصيرتي".
وخضعت المتدربات الكفيفات لتدريب هو الأوّل من نوعه في منطقة شمال غربي سوريا، مدته شهران، تعلّمن خلاله مهارات حياكة الصوف، وأساسيات التعامل مع أسياخ الحياكة.
طموحات وتحديات
تتنوع الخلفيات الاجتماعية للمُشاركات، فمنهنّ ربات منزل وأخريات طالبات في المدرسة، وبعضهنّ ما زلن يقمن في منازل عائلاتهنّ، ولكن يجمعهنّ شغف التعلّم وإثبات ذواتهنّ في المجتمع، ومحاولة كسر حالة العزلة التي يعشنها.
هند حسن - متدرّبة من مدينة إدلب - توضح أنها قادرة على الاستمرار في حياكة الصوف، في حال توفّر متدرّبة إلى جانبها، كما كان خلال الدورة، معتبرةً أنّ "تجربتها في الدورة كانت جيدة، لكن تحتاج إلى مزيدٍ من التدريب".
وتقول لموقع تلفزيون سوريا إنها "تنجز أعمال المنزل من طهي وتنظيف وغيرها لعائلتها، فهي أختٌ لكفيفين اثنين، وجاءت الدورة لتكسر نمط حياتها وتقدم أعمالاً ذات فائدة للمجتمع".
أمّا راما الحلبي - طالبة شهادة ثانوية عامة في الفرع الأدبي - فتقول لموقع تلفزيون سوريا إنها "أرادت بمشاركتها في المعرض، أن تكتسب مهارات حياتية جديدة، وكانت في النهاية قادرة على إنتاج قطع شتوية من الصوف".
وتعلّمت "الحلبي" خلال الدورة، أن "تشرع ببداية سليمة في حياكة الصوف، والتعامل مع الأسياخ، متجاوزةً عقبة الاستمرار بفضل وجود مدرّبة إلى جانبهنّ"، على حدّ قولها.
الطفلة لانا جبارة - كفيفة مشاركة في المعرض - تستمر اليوم في صناعة أشياء من الصوف رغم توقف الدورة؛ لأنّها تعلّقت بهذا الفنّ والمهنة.
تقول أم معاذ (والدة الطفلة لانا) لموقع تلفزيون سوريا إنّ "مهنة الصوف مناسبة لظرف ابنتها التي وصلت إلى الصفّ العاشر، ولذلك اختارت أنّ تلتحق بدورة لتعليم حياكة الصوف".
وتشير إلى أنّ "البداية كانت صعبة على اعتبار أنها كفيفة، لكن تمكنت بعد اكتسابها مهارات الحياكة الخاصة بالكفيفات من تجاوز العقبات، وتعمل في الوقت الحالي على حياكة قبّعة شتوية لأخيها الصغير".
"تحدٍ حقيقي"
عدنان وكيل وهو مدير مكتب المكفوفين في المنظمة يقول لموقع تلفزيون سوريا إنّ "معرض حياكة الصوف، يأتي ضمن برنامج تأهيلي تدريبي لدعم المكفوفين، وخاصةً السيدات لإعطائهنّ الثقة ودعمهنّ نفسياً".
ويوضح أنّ اختيار تدريب حياكة الصوف كان "تحدّياً حقيقياً، لما تتطلبه هذه المهنة والمهارة من دقّة في العمل، وكان التعويل من البداية على تصميم الكفيفات وإصرارهنّ رغم صعوبة البرنامج التدريبي المقرر، وهو ما دفع المنظمة لإطلاق تدريب نوعي هو الأول في المنطقة".
ويهدف المعرض إلى "تسليط الضوء على فئة الكفيفات المهمّشة اجتماعياً، رغم امتلاكها كل مقومات النجاح والإبداع، وإعادة الثقة لهنّ ليأخذن دوراً فاعلاً في المجتمع، كل واحدة منهنّ من موقعها".
برنامج متكامل
يشير "وكيل" إلى أنّ برنامج "أراكم ببصيرتي" الذي يندرج المعرض تحته، شامل لجميع الجوانب المرتبطة بالكفيفين، بدءاً من النفسية والتدريبية وصولاً إلى التعليمية، وللجنسين الذكور والإناث.
ويهدف البرنامج - بحسب "وكيل" - إلى "إنتاج كمٍ كبير من النماذج الملهمة من الكفيفين، ليكونوا قدوة للآخرين من أبناء الفئة ذاتها".
ووصل البرنامج بأنشطته المختلفة إلى أكثر من 1600 كفيف وكفيفة في محافظة إدلب، والأعداد في ازدياد على اعتبار أنّ الأنشطة مستمرة، حيث تركّز أنشطة البرنامج على عدة تدريبات منها المشي بالعصا البيضاء ولغة برايل للمكفوفين، ولعبة الجرس وصناعة القشّ وتعليم برنامج الناطق على الهاتف النقّال، فضلاً عن عدد من الرياضات منها السباحة.
"تدريب الكفيفات أكثر نجاحاً"
مها عجيني - مدربة حياكة الصوف للكفيفات - تقول لموقع تلفزيون سوريا إنّ "تجربتها في تدريب حياكة الصوف للكفيفات كانت الأولى، مستفيدةً من تجربة تعاملها مع طفلها الكفيف".
وتوضح "عجيني" في هذا السياق أنّ تعاملها مع طفلها، ساعدها على إتقان طريقة التعاطي مع هذه الفئة خلال التدريب على صعيد الحركة والكلام والتسيير.
وعلى الرغم من تنبّئها بالفشل بدايةً، فهي ترى أنّ "الدورة كانت تحدّياً، على اعتبار أنها مهمّة دقيقة وتحتاج إلى تدريب طويل وخاصةً أنّ المتدربات لا يستطعن النظر"، لتُفاجَأ في نهاية الدورة أنها أكثر نجاحاً من دورات للمبصرات أدّتها "عجيني" سابقاً.
وتوضح أنّ "السيدات الكفيفات يحملن تصميماً كبيراً على تعلّم أي شيء، وهو ما جعل الدورة أكثر نجاحاً وتميزاً من الدورات الأخرى، كما تقرّ أنها "استمدت عدداً من الأفكار الجديدة على صعيد حياكة الصوف".
وتلفت إلى أنّ "الكفيفات يتمتعن بكم هائل من الأفكار الجديدة، إلا أنّ وضعهنّ يحدّ من إخراج جميع تلك الأفكار إلى النور، لكن مع التدريب والمتابعة هنّ قادرات على تقديم وصنع المزيد دائماً".