بالرغم من مرور ثلاثة أعوام على عودة أهالي قرى "الهبارية، سلطانة، حمريت، سبسبة"، بريف دمشق الغربي، إلا أنها مازالت تعاني انعدام سبل العيش فيها، من ماء وكهرباء ومراكز صحية وتعليمية ومواصلات عامة.
يقول أحد سكان بلدة حمريت (إحدى قرى وبلدات مثلث الموت) لقب نفسه "أبو عساف" لـ موقع تلفزيون سوريا إن الدمار والخراب ونقص الخدمات وإهمال حكومة النظام المنطقة بأكملها يتسبب بمعاناة كبيرة للأهالي، حيث يعاني السكان من نقص بكافة الخدمات للعيش حياة كريمة في ظل أزمات اقتصادية متلاحقة، خاصةً بعد سيطرة قوات النظام على منطقة (مثلث الموت) الذي يجمع أرياف درعا والقنيطرة ودمشق الغربي.
ويضيف "أبو عساف" أن الغالبية العظمى من العائلات المقيمة في بلدة حمريت وبقية القرى المجاورة، بحاجة ماسة إلى مختلف أنواع المساعدات الإنسانية، والتي لم تدخل إلى قراهم منذ سيطرة النظام قبل ثلاثة سنوات، خاصة مع أزمة الغلاء التي تزداد يوما بعد يوم.
"لا حياة لمن تنادي".. بهذه الجملة أنهى "أبو عساف" حديثه لنا، مضيفا أنه وبرغم نداءات أهالي تلك القرى المتكررة لحكومة النظام إلا أنه لم تصل إلى المنطقة إلا الوعود وسط إهمال متقصد من حكومة النظام، باستثناء إعانة بسيطة لا تفي بالمطلوب ولاتلبي حاجات العوائل هنا.
الزراعة مصدر العيش الوحيد:
تعتبر الزراعة المحلية في قرى الهبارية وسلطانة وحمريت وسبسبة، المصدر الرئيسي لدخل السكان، وتلعب دوراً هاماً في إنقاذ الأهالي من المجاعة والفقر، وتساهم في الوقت ذاته في تمكينهم من إنتاج مواد أساسية يعيشون منها وتكون مصدر دخل لهم، إلا أن انقطاع التيار الكهرباء والمياه عن المنطقة حرم معظم الطبقات المتوسطة والفقيرة من القيام بزراعة أراضيهم، بحسب ما قاله أحد سكان قرية الهبارية.
ويضيف "أبو عبد الله" أن الأهالي مازالوا يضطرون لشراء المياه من الصهاريج الجوالة، والتي تعتمد على الآبار السطحية في عملية تعبئة الماء، فضلاً عن عدم وجود الكهرباء ومستلزمات الزراعة من سماد وبذور إلا بشكل نادر ما يضطرهم إلى استقدامهم من مدن بعيدة وهذا ما يجعلهم عاجزين عن الزراعة.
ويتابع أن كلفة زراعة الدونم الواحد من القمح في المنطقة تتجاوز الـ 10 آلاف ليرة سورية، بينما يصل سعر كيس القمح 25 ألف ليرة سورية، ويعتمد الإنتاج على كمية الأمطار بعد العجز عن سقاية المزروعات يدوياً، عدا عن أن المواسم الزراعية قد تتأثر بحالة الجو وتتلف وتتسبب بخسارة كبيرة للمزارعين.
بدورها تقول "أم محمد" وهي ربة أسرة إنها تعمل في الأراضي الزراعية ببلدة الهبارية لإعالة أبنائها، بأجر لا يتجاوز ال 50 ألف ليرة سورية وتضطر لشراء صهريج المياه للاستخدام المنزلي بما يقارب الـ 15 ألف ليرة سورية ولا يكفي إلا لأسبوع واحد، وتضيف أن بعض أقرانها من النساء في البلدة يعملن بتربية المواشي، بالإضافة إلى كونهن ربات أسر.
قرى محرومة من التعليم ولا مدارس فيها:
أهملت حكومة النظام تأهيل المدارس والمراكز التعليمية في ريف دمشق الغربي، وخاصة قريتي سلطانة وسبسبة، إذ لا يوجد بهذه القرى أي مركز تعليمي أو مدرسة فمدارسها مدمرة نتيجة القصف الجوي على المنطقة والمعارك، وبدوره يضيف المدرّس "أبو خليل" أن التلاميذ في القريتين يضطرون للذهاب إلى مدارس القرى المجاورة والتي تبعد عنها مسافات، مشياً على الأقدام نتيجة انعدام المواصلات وزاد من معاناتهم دخول فصل الشتاء، وعدم تأهيل الطرق العامة، لاستكمال تعليمهم.
ويضيف المدرس أن الكثير من الأهالي يمنعون أبنائهم من الذهاب للمدارس في القرى المجاورة بسبب أمراض فصل الشتاء والمطر والبرد، مؤكداً أن المدارس التي تتم فيها العملية التعليمية في قرى "الهبارية وحمريت"، لم تجهز أيضا بالشكل المطلوب والمناسب للطلاب.
حيث يسعى الكادر التدريسي إلى تجديد هيكلية تلك المدارس لكن دون أي استجابة من مديرية التربية، هذا فضلاً عن عدم وجود مدرسين مؤهلين في تلك المدارس.
انقطاع دائم في التيار الكهربائي ولا مراكز طبية في المنطقة:
تعاني القرى والبلدات الواقعة في ريف دمشق الغربي من استمرار انقطاع التيار الكهربائي، لساعات طويلة ودمار في البنى التحتية الأساسية التي تخدم وصول الكهرباء إلى تلك القرى، ويقول "أبو أنور" أحد قاطني قرية حمريت أن جميع القرى في المنطقة تعاني من انقطاع دائم للتيار الكهربائي، باستثناء قرية حمريت بعد أن عمد الأهالي إلى تمديد أسلاك كهربائية بطريقة غير نظامية من الثكنات التي تتحصن فيها قوات النظام على أطراف القرية، وتتضرر هذه الأسلاك يومياً ويقومون بصيانتها على نفقتهم الخاصة.
ويضيف "أبو أنور" أنه قريته "حمريت"، شهدت حالات وفاة كثيرة جراء الإصابة بماسات كهربائية وغيرها الكثير من الحوادث والأمراض، بسبب عدم وجود أية مراكز صحية ولو حتى مركز بسيط مجهز بإسعافات أولية للمرضى والمصابين، وتحدث لنا كيف نجى ابنه الأصغر من الموت بصعقة كهربائية أثناء إصلاحه لأحد أسلاك الكهرباء التي تصل إلى منزلهم، ما اضطرهم لإسعافه إلى مدينة مجاورة لعلاجه، لافتقار المنطقة للمراكز الصحية.
غلاء المعيشة وحلول مفقودة في ظل كورونا:
يبلغ متوسط المصروف الشهري المتوسط للعائلة المكونة من خمسة أشخاص في قرى ريف دمشق الغربي ما يقارب 500 ألف ليرة سورية، وفق ما يقوله "أحمد" لـ موقع تلفزيون سوريا، ويعتمد الأهالي الذين لديهم أبناء مغتربين على حوالاتهم المالية، بالإضافة إلى مصادر الدخل المعتمدة على الزراعة والمواشي.
ويضيف "أحمد" أن الغلاء والفقر وقلة الموارد المالية تدفع بالكثير من الشبان إلى ترك المنطقة والبحث عن العمل في المدن المجاورة، والتي تنشط فيها أعمال البناء وأعمال حرة أخرى.
وبحسب المصادر هناك، فإن هذه البلدات لم تسجل أي حالة إصابة بكورونا حتى ساعة كتابة الخبر، بينما يقول ناشطون من المنطقة أن العديد من الحالات المرضية قد تكون كورونا لكن المنطقة تفتقر لأجهزة فحص الفيروس ومراكز حجر وعلاج.
تسويات أمنية مهددة بالانهيار:
تحتوي قرى ريف دمشق الغربي على العديد من المطلوبين للخدمتين الإلزامية والاحتياطية، ويلتزمون منازلهم خوفاً من الاعتقال، أو زجهم على جبهات القتال، خاصة أن التسوية الأمنية التي أجراها النظام بعد سيطرته على المنطقة مهددة بالانهيار نتيجة تحكم الحواجز الأمنية التابعة له بمصير المئات من الذين أجروا التسوية، بينما يعاني قسم كبير منهم الرفض من العمل في المؤسسات الحكومية نتيجة التسوية.
وسبق أن أدى الخلاف على بقاء السلاح مع أكثر من 200 عنصر مسلح لتأجيل عملية "التسوية" بين الفصائل والنظام الذي يحاصر بلدة كناكر في ريف دمشق الغربي.
وسبق أن خضعت بلدة كناكر لـ اتفاق تسوية كما حصل مع المدن والبلدات في محافظتي درعا والقنيطرة، أواخر عام 2018، حيث كان عدد مِن أبناء البلدة يقاتلون إلى جانب الفصائل العسكرية في تلك المناطق، وعادوا إليها بناء على اتفاق "المصالحة" بضمانات روسية.
وكان فرع الأمن العسكري، التابع لنظام الأسد في منطقة سعسع بريف دمشق الغربي، هدّد، في نيسان الماضي، أهالي بلدة كناكر التابعة للمنطقة بين القبول بالتهجير القسري لأبنائهم المطلوبين، أو حسم ملف البلدة عسكريّاً.
ويتعرض سكان الريف الدمشقي لحملات دهم واعتقال متكررة من قبل قوات النظام، بهدف اعتقال الشبان لسوقهم للتجنيد الإجباري في قوات النظام، فضلاً عن اعتقال النساء بتهم مختلفة، أبرزها التواصل مع الأقارب في الشمال السوري.
اقرأ أيضاً: ريف دمشق.. مئات حالات التسمم نتيجة تلوّث المياه في المعضمية
وسبق أن شهدت مؤخّراً، جدران المباني في بلدات دير ماكر والدجانة وكناكر وبيت جن وجديدة عرطوز في المنطقة الجنوبية مِن ريف دمشق الغربي، كتابة العديد مِن العبارات المناهضة لـ نظام الأسد، والمطالبة بخروج الميليشيات الإيرانية، فضلاً عن المطالبة بالإفراج عن المعتقلين مِن سجون "النظام".
كذلك في عموم محافظات الجنوب السوري، فإن مجهولين يكتبون -باستمرار- على جدران عدد مِن مدن وبلدات محافظتي درعا والقنيطرة المجاورتين، عبارات مناهضة لـ نظام الأسد وحلفائه روسيا وإيران، فضلاً عن خروج مظاهرات في بعض المناطق تطالب بالإفراج عن المعتقلين وإسقاط "النظام".