تعيس وضع اللاجئ السوري في لبنان، إذ منذ عام 2019، والبلد يتعرض لأزمات عديدة، حيث خسرت الليرة اللبنانية 90% من قيمتها، ما جعل الآلاف يرزحون تحت وطأة وضع اقتصادي مريع. وإضافة لذلك، هنالك ما يربو على 1.5 مليون لاجئ سوري ممن وصلوا إلى تلك الدولة الصغيرة فقط ليحظوا بحياة كلها عوز وفقر.
تبنت دول شرق أوسطية، وعلى رأسها لبنان، نهج عرقلة فكرة حماية اللاجئين منذ بداية أزمة اللجوء، وقد شمل ذلك هدم البيوت، وعمليات الإخلاء الجماعي، وسياسة طرد السوريين الذين يدخلون إلى لبنان بطريقة غير رسمية وذلك بعد 24 نيسان 2019. وإضافة لكل ذلك، من الصعب تخيل لبنان كملاذ آمن أو مكان يوفر فرصاً للاجئين، بما أن ثلاثة أرباع سكانه يعيشون في فقر مدقع.
إذ تقول مديرة المشاريع ليا قوتلي التي تعمل لدى جمعية الدعم الاجتماعي والتعليم في بيروت، بأن هنالك صعوبة تتمثل بمواصلة تقديم المساعدات لـ89% من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في فقر في الوقت الذي يقاسي فيه الشعب اللبناني من الظروف نفسها. ولهذا فإن اللاجئين الذين يعيشون في ذلك البلد الصغير قد علقوا في هذا المستنقع، إذ بعدما هربوا من الاضطهاد والعنف الدائر في بلدهم، باتوا اليوم يعيشون حالة قهر على المستوى الاقتصادي، ناهيك عن خوفهم المستمر من الترحيل إلى بلدهم.
العالم خذل كل السوريين
يخبرنا بسام علي وهو لاجئ سوري يبلغ من العمر تسع سنوات (وقد تم تغيير اسمه حفاظاً على أمانه) أنه هرب من بلده التي تمزقت بسبب الحرب في عام 2015 على يد مهربين، حيث فر إلى لبنان على أمل أن يؤمن دخلاً يعيل من خلاله أسرته التي بقيت في سوريا، بعدما قتل والده، ككثير غيره من السوريين، في غارة جوية شنتها قوات الأسد في 10 كانون الأول 2016. وبعد مرور سبعة أعوام على ذلك، مايزال بسام ينام في أحد المطاعم التي يعمل فيها منذ عام 2015، في حين أن آماله وأحلامه بالتطور اقتصادياً ما تزال على حالها، وذلك لأنه يتقاضى 120 دولاراً بالشهر، ولا يستطيع دفع إيجار شقة أو تكاليف التنقل، أما تعليمه الذي لم يتجاوز مرحلة الصف الثالث الابتدائي فيعني أن فرصه بالتوظيف ضعيفة.
لقد رحل هذا الفتى عن سوريا بسبب رفضه لنظام بشار الأسد المتوحش المجرم، وقد بقي على موقفه الذي لم يتزعزع المتمثل برفضه للنظام وعدم عودته إلى سوريا إلى أن تتم إزاحة الأسد الذي يعتبر مسؤولاً بشكل مباشر عن مقتل والده. يذكرنا بسام بالمعاناة والطرد والنهب التي خلفتها الحرب في سوريا. إلا أن كرم هذا الفتى والعطف الذي يبديه تجاه زبائن المطعم يوحي بطيبة قلب المدنيين العزل الذين عاشوا بين نارين في تلك الحرب التي لم يكونوا طرفاً فيها، لكنهم يحملون المعاناة التي خلفتها على عاتقهم كل يوم.
يخبرنا بسام أنه يعتقد "بأن العالم خذل الشعب السوري"، أما قصته فخير شاهد على الدمار الكبير الذي خلفته الحرب السورية على الناس العاديين، إذ يتحدث بعينين دامعتين عن عدم قدرته على إعالة أمه وشقيقه الأصغر منه سناً بسبب الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان. ثم إن حياته في المنفى كلاجئ في لبنان لا تبدو لها أية نهاية، ولهذا يأمل بمغادرة لبنان إلى مكان لجوء جديد يمكنه فيه أن يعيل أسرته في سوريا. بيد أن دورة السلب والنزوح والنفي والاضطهاد تستمر باختراق حياة اللاجئين السوريين الذين تشتتوا في تلك المنطقة، وصاروا يعيشون في حالة خوف مستمرة.
مايزال توقيت مغادرة بسام لهذا المكان غير معلوم، وينطبق الأمر نفسه على كثير من اللاجئين السوريين الذين دخلوا لبنان منذ أن اندلعت الحرب في بلدهم.
لن تنتهي أزمة اللجوء إن لم ينته الأسد
تحولت الحرب السورية إلى نزاع مجمد، بعد استعادة قوات الأسد لما يزيد عن 65% من الأراضي السورية. أما قوات الثوار فقد تشتتت وتفرقت نظراً لعدم وجود هيكلية قيادة موحدة لها بوسعها التشبث بالمقاومة والنضال. والأنكى من ذلك هو أن دولاً عربية كالإمارات والسعودية بدأت بالتطبيع مع الأسد الذي ذاع صيته كجزار بسبب الحملات الهمجية التي شنها نظامه على شعبه، إذ ذكرت منظمة حظر السلاح الكيماوي أمام مجلس الأمن الدولي أن خبراءها خلصوا إلى أن هنالك 17 حالة استخدم معها السلاح الكيماوي ضد المدنيين.
إن التطبيع مع نظام الأسد يعني التخلي عن الشعب السوري وآماله بالديمقراطية، ولهذا من الضروري أن تقوم حكومات الدول الغربية بالوقوف ضد هذا التطبيع، مع ممارسة الضغط على دول الجوار لتدفع نحو حالة استقرار سلمي يعيد الأمل لملايين السوريين الذين باتوا يخشون من الانتقام في حال عودتهم إلى بلدهم. وذلك لأن أزمة اللجوء السورية لن تنتهي طالما بقي الأسد دون محاسبة على جرائمه التي ارتكبها بحق الإنسانية.
إذ أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان من المملكة المتحدة بأن 159.774 مدنياً قتلوا على يد النظام السوري وحلفائه. ثم إن المحاججة التي ترى بأن الأسد يمثل أهون الشرور تتجاهل حقيقة الهدف الأوحد للثورة السورية وهي إسقاط الأسد وأجهزته التي ظلمت الناس وقهرتهم. كما أن أطفال الثورة مايزالون في كل زاوية وشارع من شوارع الشرق الأوسط، سواء في سوريا أو لبنان أو تركيا. أما محاولة بعض دول الخليج إحياء علاقاتها مع نظام الأسد فتمثل أهدافاً جيوسياسية انتهازية ضيقة ومحدودة تقوم على الواقعية السياسية. لكن تلك الدول عبر قيامها بذلك تضفي حالة شرعية على نظام مسؤول عن قتل الآلاف من السوريين.
بعد 11 عاما، مايزال الإخوة العرب يواصلون تخليهم عن اللاجئين السوريين، كما تبدي حكومات الدول الغربية عدم اكتراثها بمعاناتهم بشكل غريب. فقد كشفت الحرب في أوكرانيا وأزمة اللجوء التي تبعتها عن ازدواجية معيار حماية اللاجئين، إذ احتضنت الدول الغربية، لاسيما الأوروبية منها، اللاجئين الأوكرانيين بطريقة إنسانية، وهذا ما افتقرت إليه استجابتها تجاه أزمة اللجوء السورية. إذ باستثناء ألمانيا، وتركيا بدرجة ما، فإن اللاجئين السوريين تركوا ليتدبروا شؤونهم بأنفسهم في تلك المنطقة التي ترفض وجودهم وتتعامل مع مجموعة من قضاياها الداخلية. لذا، فإن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو إعادة آمال الشعب السوري بالديمقراطية إلى الواجهة، والتركيز على إجراء عملية سلام شفافة ومسؤولة تشمل جميع السوريين، سواء في سوريا أو من يعيشون في المنفى كلاجئين.
المصدر: ماكجيل ديلي