في تطور لافت بعد الهجوم الانتحاري الذي استهدف المديرية العامة للأمن التابعة لوزارة الداخلية في العاصمة التركية أنقرة يوم الأحد الماضي والذي تبناه حزب العمال الكردستاني، قال وزير الخارجية التركية هاكان فيدان إن منفّذي هجوم أنقرة دخلا من سوريا وتلقيا تدريبات في تركيا.
كما أطلق الوزير التركي تهديدات جديدة قائلاً " من الآن فصاعدا جميع البنى التحتية والفوقية ومنشآت الطاقة التابعة لحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق أهداف مشروعة لقواتنا الأمنية والعسكرية والاستخبارية" في إشارة واضحة إلى تورط وحدات حماية الشعب التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية بالهجوم.
وفي وقت سابق أوضحت صحيفة حرييت التركية أن قوات الأمن أشارت في تحقيقاتها إلى أن قاذفات الصواريخ والأسلحة التي استخدمت في الهجوم تم تهريبها من الأراضي السورية.
التصريحات التركية تأتي في إطار سلسلة القرائن والأدلة التي تقدمها أنقرة لحلفاء قسد وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية حول تبعية وحدات حماية الشعب لحزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية، خاصة أن الهجوم جاء بعد أقل من عام على الهجوم الذي استهدف شارع الاستقلال في مدينة إسطنبول في 13 من شهر تشرين الثاني الماضي وخلف 6 قتلى وعشرات الجرحى، حيث اعترفت المتهمة بأنها تلقت تدريبات من قبل وحدات حماية الشعب في سوريا، وأنها دخلت تركيا بشكل غير قانوني عبر عفرين لتنفيذ تعليمات تلقتها من عين العرب "كوباني".
حقيقة التبعية لحزب العمال الكردستاني
رغم الأدلة الكثيرة على تبعية حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكري وحدات حماية الشعب لحزب العمال الكردستاني، تواصل القيادة السياسية والعسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي نفيها لأي ارتباط تنظيمي بينها وبين العمال الكردستاني، كما تنفي ضلوعها بأي عمل يستهدف تركيا انطلاقاً من الأراضي التركية، والتي كان آخرها تصريح مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية الذي قال أمس بأن منفذي الهجوم في أنقرة لم يمروا من مناطق سيطرتهم في شمال سوريا، معتبرا أن قسد ليست طرفاً فيما سماه "الصراع الداخلي التركي" ولا يشجعون على تصاعد وتيرته، لكن الوقائع على الأرض تنفي هذه الادعاءات.
ففي دراسة أعدتها مجموعة الأزمات الدولية في نهاية شهر حزيران الماضي أكدت أن معدل العنف في الصراع القائم بين تركيا وحزب العمال الكردستاني انحسر داخل تركيا بينما زاد في شمال العراق وشمال سوريا.
The rate of violence in the conflict gradually receded within Türkiye and increased across northern Iraq and northern Syria.
— Crisis Group (@CrisisGroup) June 23, 2023
4/5 pic.twitter.com/7OSvlFGKB2
كما نشرت خريطة تفاعلية تتبعت من خلالها ديناميكيات ساحات المعارك وبيانات الوفيات منذ انهيار وقف إطلاق النار بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في تموز 2015.
We @CrisisGroup closely track battleground dynamics and have compiled and visualised fatality data since a ceasefire between Türkiye and the PKK broke down in July 2015.
— Crisis Group (@CrisisGroup) June 23, 2023
🔑 takeaways from the update to our visual explainer, w/ new data from @ACLEDINFO.
2/5 pic.twitter.com/jmz46QzkYZ
وفي هذا الخصوص يقول رديف مصطفى المحامي والسياسي السوري ونائب رئيس رابطة المستقلين الكرد السوريين لتلفزيون سوريا، يجب إدراك حقيقة مهمة أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وأن استراتيجية العمال الكردستاني واضحة في هذا الخصوص حتى قبل تشكيل الاتحاد الديمقراطي إبان احتضان حافظ الأسد لعبد الله أوجلان حيث كان يستخدم أكراد سوريا وقودا لأجنداته الخاصة.
وأضاف مصطفى بأن العلاقة بين حزب العمال الكردستاني وأذرعه السياسة العسكرية، بما فيها حزب الاتحاد الديمقراطي هي كالعلاقة بين الرأس والجسد لا يمكن فصلها، وهو تنظيم عسكري شديد المركزية وأي محاولة للخروج من عباءته ستكلف صاحبها التصفية.
في ذات السياق يقول محمود علوش الباحث في العلاقات الدولية لتلفزيون سوريا بأن حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب كيان واحد، ولا يمكن الفصل بين التنظيمين، وهناك ارتباط عضوي وعقائدي وفكري بين الطرفين والوقائع على الأرض تؤكد بما لا يترك مجالا للشك هذا الارتباط.
لأي حد يستغل العمال الكردستاني أكراد سوريا في تنفيذ أجنداته؟
تؤكد الوقائع على الأرض ومن بينها الهجمات التي يشنها حزب العمال الكردستاني في تركيا انطلاقاً من مناطق سيطرة وحدات حماية الشعب، أن قادة العمال الكردستاني في قنديل لا يأخذون بعين الاعتبار الأضرار التي قد تلحق بالمجتمع الكردي في سوريا نتيجة ممارسات كهذه.
وهو ما يؤكده الباحث المختص بالشأن الكردي بدر ملا رشيد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، حيث يقول إن مصلحة أكراد سوريا ليست ضمن حسابات حزب العمال الكردستاني، ويمكن تحليل تحركات الحزب وهجماته منطقياً ضمن إطارين، الأول أنه وقع تحت سيطرة أقلية داخل الحزب لديها خلافات مذهبية وتاريخية مع أطراف أخرى داخل البلدان التي يعيش فيها الكُرد، والثاني أنه كما ذكر في بيانه فيما يخص العملية الأخيرة حول قيامه بإرسال رسائل للحكومة التركية، لكنه لم يصرح عن هوية المرسل.
بدوره يؤكد رديف مصطفى أن حزب العمال الكردستاني وعلى لسان زعيمه التاريخي عبد الله أوجلان يرى بأنه لا توجد قضية كردية في سوريا، بل هم عبارة عن مجموعة مهاجرين دخلوا إلى سوريا، وسيعودون إلى بلدهم عند إقامة الدولة الكردية.
وشدد مصطفى على أن العمال الكردستاني يعتبر مناطق الإدارة الذاتية حالة مؤقتة، وجنين يمكن أن يضحى به وورقة يتم استخدامها ضد تركيا، لذا يتم توريطهم بهجمات إرهابية ستكلفهم أثمانا باهظة هم بغنى عنها.
ما الذي يدفع العمال الكردستاني لاستغلال مناطق قسد في تنفيذ هجماته؟
من خلال حيثيات الهجوم الأخير في أنقرة والهجمات التي سبقته في تركيا يبدو بشكل واضح اعتماد حزب العمال الكردستاني على مناطق سيطرة وحدات حماية الشعب في تنفيذ هذه الهجمات، حيث يرى محمود علوش أن مرد ذلك إلى الضغط العسكري الذي يواجه حزب العمال الكردستاني في شمال العراق بسبب العمليات العسكرية وضعف قدرته في الدخول إلى تركيا من شمال العراق، لذلك يستغل مناطق شمال سوريا كبوابة للدخول إلى تركيا وشن هجمات في الداخل التركي، وهذا ما تم رصده في هجوم أنقرة وهجوم إسطنبول العام الماضي.
ويشدد علوش على أن هذا الواقع يضع وحدات الحماية تحت مزيد من الضغط ويحرج الولايات المتحدة الأميركية، ويشير دخول الانتحاريين في هجوم أنقرة من سوريا إلى أنه رغم نجاحها في الأعوام الأخيرة بتحقيق تقدم كبير في صراعها مع حزب العمال الكردستاني، إلا أنها غير قادرة في النهاية على الحد بشكل كامل من خطر هجمات كهذه من دون أن تقوض قدرة العمال الكردستاني على استخدام قواعده وعلاقته مع وحدات الحماية في سوريا، وهذا الموضوع يعيد مجددا طرح مشروع إنشاء منطقة عازلة على الحدود السورية بشكل أكثر جدية.
ختاما يبقى السؤال الأساسي الذي يجب على قادة حزب الاتحاد الديمقراطي وقسد الإجابة عليه، هل من مصلحة أكراد سوريا الانخراط في مشروع حزب العمال الكردستاني وجرهم لعداء مع جارة إقليمية بحجم تركيا، أم الأفضل الالتفات إلى مشروع وطني سوري جامع يجنبهم ويجنب جميع السوريين في مناطق سيطرتهم حربا جديدة سيكون السوريون بكل أطيافهم هم الخاسرين الوحيدين فيها؟