بعد نصف قرن من الاندماج ضمن "الاتحاد الأوروبي"، وعند الساعة 23,00 بتوقيت غرينيتش يوم أمس الخميس، أصبح "بريكست" واقعاً بمفعول كامل، بعدما خرجت بريطانيا رسمياً من "الاتحاد الأوروبي"، وفق مرحلة انتقالية لتخفيف تبعات هذا القرار.
خروج المملكة المتحدة نهائياً من الاتحاد الأوروبي، جاء بعد أربع سنوات ونصف سنة من مسلسل "بريكست" الطويل والمليء بالتحوّلات، وفتحت صفحة جديدة من تاريخها وسط أزمة كبيرة تشهدها البلاد.
واعتبر رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أن خروج المملكة من السوق الأوروبية الموحدة يشكل "لحظة رائعة"، مؤكداً أن بلاده ستكون "مفتوحة وسخيّة ومنفتحة على الخارج".
وقال في كلمة له بمناسبة حلول السنة الجديدة، "إنها لحظة رائعة، باتت حريتنا بين أيدينا، ويعود إلينا أن نستفيد منها إلى أبعد حدود".
من جهته، اعتبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في كلمته إلى الفرنسيين، أن "المملكة المتحدة تبقى صديقتنا وحليفتنا رغم خروجها من الاتحاد".
وأوضح ماكرون أن "بريكست كان ثمرة التململ الأوروبي وكثير من الأكاذيب والوعود الزائفة"، مؤكداً في ما يتعلق بفرنسا أن "مصيرنا هو أوروبي أولاً".
ويجنّب الاتفاق، الذي وقّع في ربع الساعة الأخير، انفصالاً غير منظّم لبريطانيا عن الاتحاد الأوروبي مع ما يمكن أن يحمله من تداعيات مدمّرة على الاقتصاد، إلا أن حرية التنقل التي كانت تسمح للسلع والأفراد بالتحرك من دون عوائق ستنتهي.
وستواجه شركات التصدير والاستيراد معضلة الإجراءات الجديدة كما يمكن أن تؤخر تدابير التفتيش نقل البضائع عبر الحدود.
وستخسر الشركات العاملة في مجال الخدمات المالية، وهو قطاع رئيسي في لندن، حقها في عرض خدماتها بشكل تلقائي في الاتحاد الأوروبي، وعليها أن تفتح مكاتب في الدول الأعضاء لتتمكن من العمل فيها. وستستثنى الجامعات البريطانية من الآن وصاعدا من برنامج "إيراسموس" لتبادل الطلاب.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يتوصلان لاتفاق بريكست التجاري
يوم حزين
ومنذ استفتاء 23 حزيران في العام 2016، الذي فاز به مؤيدو الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بنسبة 51,9 %، تعاقب على حكم المملكة المتحدة ثلاثة رؤساء وزراء وسُجّلت نقاشات برلمانية عاصفة وطويلة فيما أُرجِئ موعد الانسحاب ثلاث مرات.
وبسبب هذه العملية الشاقة، لم تُنجَز المفاوضات الصعبة للتوصل إلى اتفاق للتبادل الحر بين لندن وبروكسل إلا عشية عيد الميلاد.
ورغم إقرار النواب البريطانيين نص الاتفاق أول أمس الأربعاء، إلا أن النواب الأوروبيين لن يقروه إلا في الربع الأول من عام 2021، ما يتطلب في الوقت الحالي تطبيقاً مؤقتاً.
وفي تصريح لشبكة "LCI" الفرنسية علّق وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، كليمان بون، إنه "للمرة الأولى يغادر الاتحادَ الأوروبي بلدٌ منذ أكثر من 45 عاماً من العيش المشترك، لكن يجب التطلّع إلى المستقبل رغم هذا اليوم الحزين".
اقرأ أيضاً: تركيا وبريطانيا توقعان اتفاقية التجارة الحرة بينهما
قواعد الاتحاد الأوروبي لم تعد تطبق في بريطانيا
ويوفر الاتفاق لبريطانيا إمكان الوصول إلى السوق الأوروبية الشاسعة التي تضم نحو 450 مليون مستهلك، من دون رسوم جمركية أو نظام حصص، لكن الاتحاد الأوروبي يحتفظ بحق فرض عقوبات والمطالبة بتعويضات لتجنب أي منافسة غير عادلة في حال عدم احترام قواعده في مجال المساعدات الحكومية والبيئة وحق العمل والضرائب.
ومنذ الساعة 23.00 بالتوقيت المحلي مساء أمس الخميس، لم تعد المملكة المتحدة تطبّق قواعد الاتحاد الأوروبي، وانتهت حرية التنقل لأكثر من 500 مليون شخص بين بريطانيا و27 دولة في الاتحاد الأوروبي.
إلا أن جبل طارق، وهو جيب بريطاني قبالة سواحل جنوب إسبانيا، يبقى استثناءً، بعد إبرام صفقة في اللحظة الأخيرة مع مدريد لتجنّب عراقيل حدودية كبيرة.
وفيما يتعلّق بالصيد البحري الذي كان موضوعا شائكاً في المفاوضات حتى اللحظة الأخيرة، ينصّ الاتفاق على مرحلة انتقالية حتى حزيران من العام 2026.
اقرأ أيضاً: "بريكست" يهدد آمال اللاجئين السوريين في بريطانيا
تحديات تواجه حكومة جونسون
وعلى الرغم من انتقاداته للاتفاق التجاري الذي اعتبره غير كافٍ، أبدى رئيس "حزب العمال" المعارض، كير ستارمر، تفاؤله، معتبراً أن "سنواتنا الأفضل قادمة".
وشكّل إبرام الاتفاق ومصادقة البرلمان البريطاني عليه انتصاراً لرئيس الوزراء جونسون، الذي فاز في الانتخابات بعدما وعد بإنجاز بريكست، إلا أنه يواجه صعوبات كبيرة منذ انتشار جائحة "كورونا".
يأتي ذلك في وقت شارفت المستشفيات البريطانية على بلوغ قدرتها الاستيعابية القصوى مع استمرار ارتفاع الإصابات بالوباء، وتشمل إجراءات الحجر الجديدة جزءاً كبيراً من السكان، ما يُغرق البلاد في أسوأ أزمة لها منذ 300 سنة.
وفضلا عن الجائحة، تواجه حكومة جونسون تحديات هائلة أخرى، إذ ستخسر قريباً حليفاً كبيراً مع انتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الولايات المتحدة، وهو مؤيد كبير لـ "بريكست"، ليحل محله الديموقراطي جو بايدن، الأكثر قرباً من الاتحاد الأوروبي.
وفي الشأن الداخلي، يتوجب على جونسون توحيد صفوف البريطانيين الذين انقسموا حيال "بريكست" مع تصدّع وحدة البلاد، إذ إنّ إيرلندا الشمالية واسكتلندا صوتّتا ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتحلمان بالاستقلال عن المملكة المتحدة.
اقرأ أيضاً: تداعيات "بريكست".. اسكتلندا تدعو للاستقلال عن بريطانيا