icon
التغطية الحية

بعد مقتل قيادات حزب الله.. إيران محشورة في الزاوية فهل سترد؟

2024.10.01 | 17:18 دمشق

لوحة كبيرة تعلن عن استشهاد زعيم حزب الله حسن نصر الله علقت وسط العاصمة الإيرانية طهران- تاريخ الصورة 29 أيلول 2024
لوحة كبيرة تعلن عن استشهاد زعيم حزب الله حسن نصر الله علقت وسط العاصمة الإيرانية طهران- تاريخ الصورة 29 أيلول 2024
Time  - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عندما دُمّر مبنى القنصلية الإيرانية في سوريا خلال شهر نيسان الماضي، تعهد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بمعاقبة إسرائيل على فعلتها، إلا أن ما حدث بعد ذلك لم يكن أكثر من هجوم كبير وليس حرباً شاملة.

وبعد مرور ثلاثة أشهر، قتل مسؤول عسكري كبير من حزب الله الذي تدعمه إيران، كما قتل أحد زعماء حماس السياسيين بفارق ساعات بين عمليتي الاغتيال هاتين، ومع ذلك لم يندلع النزاع الإقليمي الأوسع الذي اعتبره بعض المحللين وشيكاً.

جعجعة بلا طحين

وجهت إسرائيل ضربة أكبر عبر اغتيالها لزعيم حزب الله حسن نصر الله يوم الجمعة الفائت في بيروت، ولكن من غير المرجح لهذه العملية أيضاً أن تدفع لقيام حرب مباشرة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذلك بحسب ما ذكره مسؤولون وخبراء أميركيون وشرق أوسطيون سابقون وحاليون، وذلك لأنه من المحتمل لإيران أن تركز على إعادة بناء جماعتها المقاتلة في لبنان، مع الاحتفاظ بشبكة الوكلاء لديها نشطة وفاعلة بحسب ما ذكرته تلك الثلة من المسؤولين والخبراء.

ورغم كل الجعجعة والتهديد، كشف ما تسميه إيران بمحور المقاومة العتيد لديها عن نقاط ضعفه من جديد وعلى أرض الواقع، فقد ضعف كل من حزب الله الذي يعتبر من أهم الأصول التي تمتلكها إيران ضمن هذا المحور، وإيران نفسها، ولم يعد لديهما سوى خيارات ضئيلة، ولهذا من غير المرجح لهما تصعيد النزاع، بحسب ما أورده شخص مطلع على طريقة التفكير الأميركية.

بيد أن الجانب الذي لم يتوقعه أحد هو احتمال مواصلة إسرائيل لغاراتها على أهداف تابعة لإيران وذلك لإنزال ضربة موجعة بحزب الله، في وقت تركز فيه الولايات المتحدة على الحملة الانتخابية الرئاسية، وذلك بحسب ما ذكره أحد المسؤولين العرب. ثم إن مقتل نصر الله أتى عقب هجوم استهدف ما يمكن وصفه بالجملة العصبية لحزب الله، وذلك عندما تعرضت أجهزة البيجر والووكي تووكي التي يملكها عناصر الحزب بغرض التواصل للتفجير.

وتعليقاً على ذلك، تقول دينا إسفاندياري وهي مستشارة مهمة تعمل على مشروع الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا لدى المجموعة الدولية للأزمات: "لا بد أن تحشر إيران في الزاوية بشكل يدفعها للرد بما أن الأصوات قد تعالت مطالبة بالثأر، لكن هذه الإدارة لا ترغب بالتورط في صراع لا يمكنها أن تنتصر فيه، ولهذا على المسؤولين أن يحسبوا رد فعلهم".

لا رغبة إيرانية بالحرب

أبدى مسؤولون مؤشرات أولية تفيد بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستمارس شكلاً من أشكال ضبط النفس الذي أظهرته عقب استفزازات إسرائيلية أخرى ظهرت مؤخراً، ولا يعود سبب ذلك إلى تفوق إسرائيل عسكرياً، ولا إلى نشر الولايات المتحدة مزيداً من قواتها في المنطقة لردع أي هجوم كبير يستهدف حليفتها إسرائيل.

في لقاء عبر أثير التلفزيون الرسمي لإيران بث يوم الأحد الماضي، قال محمد جواد ظريف وهو أحد كبار معاوني الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الخارجية السابق: "سنرد في التوقيت المناسب الذي سنختاره نحن".

وفي أول تصريح لخامنئي ظهر قبل يوم على تلك المقابلة، أكد الرجل بأن لدى حزب الله ما يكفي من الأشخاص الذي بوسعهم أن يحلوا محل نصر الله، وبأن: "محور المقاومة سيقرر مصير المنطقة".

هذا ويعبر خطاب طهران عن رغبة المؤسسة الدينية والعسكرية باجتناب الحرب، إذ على المدى القريب، تتلخص مهمة إيران بإحياء قوة الجماعات المقاتلة التي تدعمها في المنطقة مع ضمان عدم انجرارها إلى حرب شاملة.

أما في لبنان، فالأولوية للحفاظ على ما تبقى من حزب الله وذلك بحسب ما أعلنه ولي نصر وهو مستشار كبير سابق لدى وزارة الخارجية الأميركية وأستاذ متخصص بدراسات الشرق الأوسط في جامعة جونز هوبكنز، بما أن حزب الله مثله مثل حماس قد صنفته الولايات المتحدة وكثير من حلفائها على أنه تنظيم إرهابي، وأضاف نصر: "يعتبر الردع أولوية بالنسبة لإيران، فهي لا ترغب بدخول حرب أكبر حالياً، وتشك في رغبة إسرائيل بذلك، أي أن المسألة ليست مسألة انتقام من أجل مقتل نصر الله، بقدر ما يتعلق الأمر بإحياء مكانة إيران".

لا يخفى على أحد مدى الضعف الذي اعترى إيران في الآونة الأخيرة، إذ في خضم سلسلة الهجمات الكبرى التي استهدفت حلفاء إيران وجنودها، توفي الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية، وهذا ما أدى لإجراء انتخابات اختير من خلالها الرئيس الإصلاحي بزشكيان في تموز الماضي، بيد أن الضعف الذي اعترى هذه الدولة يمتد لما هو أبعد من ذلك بكثير، وذلك لأن مقتل زعيم حزب الله يذكرنا باغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني في مطلع عام 2020، وهو أبرز جنرالات إيران وبطل قومي في عيون أبنائها، وقد وقعت حادثة الاغتيال تلك في عهد الرئيس دونالد ترامب، أحد الصقور المناهضين لإيران والذي يؤيد عودته إلى البيت الأبيض أحد الشركاء الأساسيين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الحكومة الائتلافية الحالية.

يعلق نصر على ذلك بقوله: "إنها ضربة مادية كبيرة بعد مقتل سليماني بما أن نصر الله كان خليفة سليماني من نواح كثيرة، لكونه يتمتع بشخصية مميزة، كما يعتبر محوراً أساسياً ومسمار العجلة [في محور المقاومة]، ولا يمكن لأي أحد أن يحل محله ببساطة، كما لا يمكن إعادة بناء حزب الله بسرعة".

سوريا..ممر لعبور الموارد الإيرانية

لا بد أن تتحول الدولتان الحليفتان لإيران في سوريا والعراق إلى مناطق عبور مهمة لنقل موارد حزب الله وذلك بحسب مصدر مطلع اطلاعاً مباشراً على التحركات العسكرية في شمال شرقي سوريا وعلى الميليشيات الإيرانية التي تعمل في كلا البلدين.

ولذلك، ستحاول إيران اليوم نقل الآلاف من مقاتليها إلى المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا، بحسب ما ذكره ذلك المصدر، وأضاف بأنه خلال الشهرين الماضيين، توجهت بضعة آلاف من المقاتلين من العراق إلى سوريا، ما يشير إلى أن طهران بدأت تستعد لتعزيز عمليات الردع الخاصة بها.

منذ تورط حزب الله في سوريا عام 2012 دفاعاً عن نظام بشار الأسد إلى جانب ميليشات أخرى مدعومة إيرانياً، أسس هذا الحزب قواعد عسكرية ووسع شبكة الأنفاق في المناطق السورية القريبة من الحدود اللبنانية. كما فر كثير من القادة العسكريين الميدانيين لدى حزب الله من لبنان إلى سوريا برفقة أهلهم وعائلاتهم وذلك بحسب ما ذكره مصدر مطلع على الوضع.

وتعليقاً على ذلك يقول جوناثان لورد وهو مسؤول سابق في البنتاغون ومدير برنامج أمن الشرق الأوسط لدى مركز الأمن الأميركي الجديد: "لا تحارب إيران عن وكلائها، بل وكلاؤها هم من يحاربون عنها، لأن أهم شيء بالنسبة للنظام هو أن يحافظ على نفسه ولهذا لا يعرض نفسه للخطر عندما يكون على دراية بذلك".

في الغارة الكبيرة التي شنتها إسرائيل على جنوبي بيروت لتغتال نصر الله، قتل أيضاً قائد عسكري من الحرس الثوري الإيراني، وبذلك زاد عدد ضباط وجنود الحرس الثوري الذين قتلتهم إسرائيل إلى جانب اغتيالها لشخصيات رفيعة من الجماعات التابعة لإيران، ليصل بذلك العدد إلى 12 شخصية على الأقل منذ هجمات حماس التي بدأت في 7 تشرين الأول الماضي.

لا تغيير في السياسة الخارجية لإيران

في الوقت الذي يعتبر مقتل نصر الله واستنزاف قادة حزب الله خسارة كبيرة للحزب ولإيران، لا أحد يتوقع لذلك أن يؤدي إلى تغيير في السياسة الخارجية والإقليمية لإيران أو لإعادة النظر فيها، فقد حظي بزشكيان بدعم ضمني من خامنئي لمواصلة سياسة التعامل الحذر مع الغرب وذلك من أجل ضمان تخفيف العقوبات الاقتصادية الخانقة المفروضة على البلد.

وذلك يتطلب وجود علاقات مريحة مع الولايات المتحدة وأوروبا وعدم تدهورها أكثر من ذلك حتى في الوقت الذي تواصل إسرائيل ضغطها على إيران عسكرياً.

تشرح الوضع ميري آيسين التي تحمل رتبة لواء متقاعد من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي والناطقة الرسمية باسم رئيس الوزراء السابق، فتقول: "لا تمثل الغارة التي استهدفت بيروت ولا اغتيال نصر الله حركة (كش ملك)، لأن العملية لم تقض على حزب الله، كما أن ترسانة حزب الله تفوق ترسانة حماس بعشرة أضعاف، ومايزال حزب الله يتمتع بدعم النظام الإسلامي في إيران والطريق مفتوح أمامه".

والحق يقال بأن قصف قيادات حزب الله وأفراده كشف مرة أخرى حدود الجمهورية الإسلامية الإيرانية فيما يتصل بالرد على إسرائيل، فالهجوم الصاروخي الذي نفذته طهران على إسرائيل في شهر نيسان الماضي، والذي أحبطته إسرائيل بمساعدة حلفائها، يعتبر أقسى رد إيراني على إسرائيل حتى اللحظة، على الرغم من توعد جنرالات إيران في أحيان كثيرة بانتقام "ساحق" أو "قاس"، وهذا ما أثار التساؤلات حول قدرة إيران فعلياً على تنفيذ وعيدها.

تعلق على ذلك باربارة سلافين وهي عضو بارز لدى مركز ستيمسون للأبحاث المتخصص في الشؤون الخارجية بالولايات المتحدة، فتقول: "من الواضح تماماً بأن إيران أصابها الذهول إلى حد كبير بسبب كل ما يجري، وبأنها بحاجة لوقت حتى تعيد ترتيب صفوفها، بيد أن الإيرانيين سيظلون متسلحين بالحذر، لأنهم يدركون بأن إسرائيل ماتزال مستعدة للتصعيد والضرب، ولهذا السبب ستعود إيران للاستعانة بتكتيكات حرب العصابات والصبر الاستراتيجي".

 

المصدر: Time