غادر شبّان وعائلات سوريون لبنان إلى سوريا "طوعاً"، رغم مخاوف الاعتقال من قبل قوات النظام السوري، وذلك بعد حادثة مقتل المسؤول في حزب "القوات اللبنانية" باسكال سليمان، وما خلّفته من تداعيات على اللاجئين السوريين.
وعقب الإعلان عن اختطاف "سليمان" ثم مقتله، بتاريخ 7 نيسان الجاري، ازدادت موجات العنصرية والتضييق والتهديدات العشوائية بحق اللاجئين السوريين في لبنان، من قبل تيارات وشخصيات حزبية لبنانية، إضافةً إلى تعرّض آخرين للاعتداء في عدة مناطق لبنانية.
عودة فردية
اللاجىء السوري خليل (33 عاماً) واحد من الذين تعرّضوا للتضييق واضطر إلى مغادرة لبنان، بعد إقدام سكان محليين في منطقة برج حمود -حيث يقيم- على تهديد اللاجئين السوريين في منازلهم ومحالهم وإعطائهم مهلة لمغادرة المنطقة.
ودخل خليل لبنان خلسة، منذ أقل من عام، واستقر في برج حمود، حيث يعمل في ورشة دهان بأجر يومي، ولم يتمكن من الحصول على إقامة أو تسوية وضعه، وهو ما عرّضه أحياناً لخسارة كثير من فرص العمل، بسبب طلب إقامته من بعض أرباب العمل.
ويروي الشاب الثلاثيني لـ موقع تلفزيون سوريا ما حدث له ولزملائه الذين يعيشون معه ضمن المنزل، قائلاً: "بعد سماعنا عبر مكبرات الصوت دعوات لإخراج السوريين من منازلهم ومحالهم لم نعد نستطيع مغادرة المنزل وبقينا ثلاثة أيام محبوسين خوفاً من دخول أحدهم والاعتداء علينا".
وعليه، قرّر خليل ترك لبنان والتوجه إلى سوريا بلا عودة: "عندما هدأت الأمور بعد بيان بلدية برج حمود الذي استنكر تلك الدعوات ضدنا عزمت على الرحيل بنفسي والعيش مع زوجتي وأولادي"، مشيراً إلى أنّه مطلوب للنظام من أجل الخدمة العسكرية، ورغم ذلك قرّر المغادرة عبر طريق المصنع الحدودي في ريف طرطوس.
وفي طريق عودته وبعد دخوله الحدود من الجانب اللبناني، طلب منه عنصر الحدود تصوير هويته لدفع غرامة التسوية من أجل المغادرة مع إعطائه كرتاً أحمر لإدخال بياناته (يثبت إجراءه للتسوية مع منع دخول دائم إلى لبنان)، لكنّه تفاجأ وهو يصوّر هويته بسمسار (مهرب) عرض عليه عبور الحدود اللبنانية دون تسوية ومنع.
يوضح لـ موقع تلفزيون سوريا قائلاً": "أخذني السمسار من وراء الجبل ومشينا قرابة 10 دقائق قطعنا بها الهنكار اللبناني وأصبحنا خلفه مقابل 10 دولار فقط"، مضيفاً أنّ السيارة التي كان تقله كانت تنتظره بعد الحدود حيث أكمل طريقه إلى الحدود السورية، وأجرى تسوية دخول غير شرعي وحصل بموجبها على تكليف لمراجعة شعبة تجنيده من أجل التحاقه بالخدمة في قوات النظام.
عائلات كاملة تُغادر
في المقابل، لم تقتصر تداعيات مقتل "سليمان" على السوريين في لبنان كأفراد، إنما طالت عائلات بكاملها واضطرّت للمغادرة "طواعيةً" إلى سوريا، وهذا ما حدث مع خمس عائلات غادرت إلى سوريا، بعد تعرّضها للعنصرية وتهديدات بالقتل في حال لم يغادروا مكان إقامتهم فوراً.
وكانت عائلة مفلح القاطنة في منطقة الدورة بالعاصمة بيروت والمكونة من 7 أفراد، واحدة من تلك العائلات التي حزمت حقائبها وتوجّهت إلى سوريا، بعد 7 سنوات من الإقامة في لبنان.
ويقول مفلح (46 عاماً) وهو من سكّان ريف دمشق لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ "مفوضية اللاجئين المسجّل هو وعائلته ضمن قوائمها كنازحين، لم تتحرك لمساعدتهم رغم إبلاغها بما حصل معه وعائلته من تهديدات"، مضيفاً أنّ "المفوضية ردّت بأن ينتقلوا إلى منطقة أخرى ريثما يهدأ الأمر".
ترك مفلح وعائلته لبنان وغادروا عبر معبر المصنع ومُنعوا جمعياً من دخول لبنان (منع دائم)، نتيجة مخالفتهم لنظام الإقامة وعدم قدرتهم على تجديد إقاماتهم، من جرّاء الشروط التعجيزية التي يفرضها الأمن العام اللبناني.
وعند وصولهم الحدود السورية أجروا تسوية الخروج غير الشرعي بعد إجراء الأمن السياسي تحقيقا معهم حول أسباب عودتهم وإن كان لهم علاقة بما حدث في لبنان، وماذا حدث، وغيرها من التفاصيل، عدا السؤال عن وجهتهم داخل سوريا ومكان سكنهم.
ورغم أنّ "مفلح" يتوقّع استدعاءه وعائلته لمراجعة فروع أمنية تابعة للنظام السوري بعد عودته، إلا أنه قرّر العودة والمخاطرة بحياة عائلته، كي لا يكون ضحية العنصرية في لبنان مع أطفاله (عمر أكبرهم 14 عاماً).
موقف مفوضية اللاجئين في لبنان
تعترف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان، بأنّ أعمال العنف والتهديدات العشوائية التي استهدفت السوريين أثارت حالة من الذعر بين العائلات السورية، وفقاً لحديث ليزا أبو خالد المتحدثة باسم المفوضية.
وقالت "أبو خالد" لـ موقع تلفزيون سوريا، إنَّ "المفوضية تراقب هذه التطورات عن كثب وتتابع الحالات الفردية للاجئين الذين أبلغوا عن تعرضهم للاعتداء أو العنف أو الإخلاء".
وأضافت أنَّ "المفوضية تدعو المجتمعات اللبنانية إلى الامتناع عن إلقاء اللوم بشكل جماعي وظالم على الأفراد السوريين، إذ تجدر حمايتهم من الاستهداف بسبب جريمة شنعاء لم يرتكبوها".
وشدّدت على أنه من المهم جدّاً أن يتمكّن اللاجئون من اتخاذ قرار العودة من عدمه، إذ إن معظمهم قلقون بشأن السلامة والأمن والسكن والوصول إلى الخدمات الأساسية وتأمين سبل العيش، عدا عن الخوف من الاعتقال والاحتجاز وعدم القدرة على التنبؤ بالخدمة العسكرية".
وختمت حديثها بالقول: إنّ "المفوضية تعمل مع كل الجهات المعنية، بما فيها النظام السوري والحكومة اللبنانية وغيرها من البلدان المضيفة والمجتمع الدولي، من أجل تذليل المخاوف التي يعتبرها اللاجئون عقبات أمام عودتهم بأعداد كبيرة".
وجاءت هذه التطورات، عقب عملية خطف وضرب تعرّض لها المسؤول في حزب "القوات اللبنانية" باسكال سليمان، من قبل عصابة قيل إنّها سوريّة نقلته إلى سوريا وتوفي هناك متأثراً بإصابته، ما أثار موجة غضب ضد اللاجئين السوريين، تعرّضوا خلالها للضرب والاعتداء، بالتزامن مع خروج مظاهرات تُطالب بترحيلهم.
وكان لاجئون سوريون في لبنان قد أصدروا، قبل أيام، بياناً استنكروا فيه جريمة مقتل المسؤول في "حزب القوات اللبنانية" باسكال سليمان، ونفوا مسؤوليتهم عنها.