سادت حالة من التوتر والقلق لدى اللاجئين السوريين المنتشرين في مختلف مناطق لبنان بعد الإشكال الكبير بين الأخيرين ومواطنين لبنانيين في منطقة "الدورة" ببيروت مساء الخميس الماضي، وكذلك بسبب الإشكال الحاصل في منطقة "الجديدة" أمس الجمعة، إذ تمدّدت الحالة لتصل إلى مناطق أخرى وتشكّل تهديداً متصاعداً لعموم السوريين داخل لبنان.
وعقب نشوب المشكلة في "الدورة"، ألقت مخابرات الجيش اللبناني القبض على 8 سوريين، قالت إنهم "متورطون في الإشكال وتبين بأن أوراقهم غير قانونية، وتم تسليمهم إلى الأمن العام"، وفق ما نقلت وسائل إعلام لبنانية.
مشكلة الدورة ببيروت
وليلة الخميس- الجمعة الماضية، جرح عدد من الأشخاص بعد إشكال وقع في منطقة الدورة بالعاصمة اللبنانية بيروت، بين لبنانيين ولاجئين سوريين. وبسبب ذلك، تدخلت القوى الأمنية والجيش اللبناني وضربوا طوقاً أمنياً حول الأبنية التي يقطنها اللاجئون السوريون لتوقيفهم، من دون أي إشارة للمواطنين اللبنانيين المشاركين بالحادثة.
وبحسب ما أفادت قناة "الجديد" اللبنانية، فقد وقع الإشكال "بسبب حادث سير بين سائق دراجة نارية وصاحب معمل خياطة استنجد بعماله من اللاجئين السوريين، قبل أن يتطور الإشكال ويتدخل الجيش اللبناني".
#لبنان تحريض إعلامي مكثف ضد السوريين بالمنطقة الشرقية لبيروت إعتداء على عمال سوريين بعد تحريض وسائل إعلام مأجورة لبنانية ومسؤولين ورؤساء بلديات وأحزاب وأقلام وأبواب عميلة تبث السموم العنصرية الطائفية وتحرض على إشعال الفتن
— صوت الذين لا صوت لهم (@aboaymankhaledk) October 6, 2023
نموذج سيناريو تركيا إنتقل إلى لبنان وإخراج عنصريون pic.twitter.com/m5sHzxN6HX
اعتداء على سوريين في الأشرفية
وعلى خلفية شجار "الدورة"، تعرض لاجئون سوريون لاعتداء جماعي من قبل مجموعة من الشبان اللبنانيين، في وقت متأخر من ليلة أمس الجمعة، بحي الأشرفية ببيروت. ونشرت شبكة "أخبار الساحة" اللبنانية، مساء الإثنين، مقطعاً مصوراً يظهر اللاجئين السوريين وهم يتعرضون للضرب والشتائم.
وقال المصدر إن شباناً من منطقة الأشرفية اعتدوا بالضرب والإهانة والإذلال على لاجئين سوريين، لمدة ساعة متواصلة، ولم يكتفوا بذلك، بل حملوا هواتفهم لتوثيق هذا الاعتداء أيضاً.
فراغ رئاسي وأزمات مختلفة
وفي ظلّ الفراغ الرئاسي، والإشكالات الأخيرة بين لبنانيين وسوريين، وتدفّق أفواج جديدة من اللاجئين السوريين عبر الحدود الشمالية والشرقية، تزامناً مع الأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية التي تضرب البلاد؛ بقي التوتر مسيطراً في مناطق الصدام بين الطرفين، والتي تشهد اكتظاظاً للوجود السوري، حيث أقفل اللاجئون أبواب محالهم خوفاً من مهاجمتها، وغادر فريق منهم تلك المناطق خشية التعدي عليهم. بينما صعّدت بعض الأطراف من خطابها التهجمي على السوريين.
الرابطة المارونية: انفجار اجتماعي شامل
"الرابطة المارونية" أعربت عن خشيتها من أن "يتطور هذا الوضع إلى انفجار اجتماعي شامل، ستكون له انعكاسات أمنية خطيرة وقاتلة في كل لبنان وفي المحيط القريب والبعيد. من شأنها أن تؤدي إلى تهديم لبنان".
وقالت الرابطة في بيان: "في ضوء ما يحصل من أحداث وتعديات وتجاوزات غير مقبولة، يقوم بها السوريون في أكثر من منطقة لبنانية، وفي ظل استمرار المواقف الأممية والدولية الرافضة رفضاً تاماً عودة السوريين إلى ديارهم، تحت حجج واهية وغير مبررة، لاستخدامها ورقة ضغط في الصراعات الدولية حول سوريا، فإن استمرار الأمور على ما هي عليه؛ لا سيما في غياب أي خارطة طريق رسمية، واضحة وقابلة للتنفيذ، لتنظيم وجود السوريين أولاً وإعادتهم إلى بلادهم ثانياً؛ سيؤدي إلى تثبيتهم في لبنان توطئة لدمجهم وتوطينهم".
وزعمت بأن ما يجري "جريمة موصوفة" يرتكبها المجتمع الدولي والهيئات الأممية، و"تستفيد منها المنظمات الإرهابية، وشبكات التهريب والاتجار بالبشر، وعصابات الإجرام، وسيفضي ذلك حتماً إلى إسقاط لبنان ككيان ووطن ودولة ذات سيادة"، على حد تعبيرها.
وطالبت الرابطة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR بـ "الالتزام أولاً ببنود الاتفاقية الموقعة معها، عام 2003، وثانياً تنفيذ مذكرة التفاهم مع الدولة اللبنانية لجهة تسليم "الداتا" الخاصة بالنازحين السوريين إلى الأمن العام ضمن المهلة المحددة ومن دون تأخير”، داعية “المنظمات غير الحكومية إلى التقيد بالقوانين وعدم ممارسة نشاطاتها على حساب المصلحة اللبنانية من أجل حفنة من المال".
المفتي قبلان: إغلاق مفوضية اللاجئين
ووفق تلفزيون "المنار" التابعة لـ "حزب الله" اللبناني، فقد طالب "المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان" بإقفال مكاتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وزعم أن "البلد يتعرض لغزوات دولية وأممية تحت ألف واجهة، والحل بحوار وتسوية، ودون ذلك نترك البلد بيد مفوضية اللاجئين التي تتعامل مع لبنان كالوكالة الدولية لليهود، واللعبة الأممية تقود أخطر حرب تجاه الدولة، وتموّل النزوح الجديد على حساب بقاء لبنان".
وأضاف أن "الجمعيات الدولية تستبيح البلد والمدارس الرسمية وبعض المعاقل الأمنية، وتعد داتا بأخطر ملفات البلد، فعليكم إغلاق أبواب مفوضية اللاجئين ومعاقبة جمعياتها وإنقاذ السيادة اللبنانية من لعبة السفارات"، بحسب تعبيره.
اللقاء الديمقراطي: الأزمة سببها العنصرية والإهمال الحكومي
أما "اللقاء الديمقراطي" فقد اعتبر أن "أزمة النزوح السوري في لبنان تحوّلت بفعل الإهمال الرسمي، والشعبوية السياسية، والتحريض العنصري، إلى واقع خطير".
وأضاف: "من الضروري تذكير الرأي العام والقوى المنغمسة في نظريات العصبية أو الاستغلال، بما يلي:
أولاً: لقد كان اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي أول من طالب، منذ أواخر2011، بضرورة تعامل الدولة بشكل منظم مع النزوح السوري، وإقامة مخيمات محددة، وضبط آليات تعامل المؤسسات الدولية مع هذه المخيمات، وحصر التداعيات في نطاق المخيمات وحدها. لكن الشعبويين أنفسهم رفضوا آنذاك تحت ذريعة أن إقامة المخيمات يُمهد للتوطين، وها هم اليوم يستخدمون الذريعة نفسها.
ثانياً: أمام الواقع القائم اليوم، لا بدّ من وقف كل موجات التحريض، لدرء مخاطرها على الأمن الداخلي، ووقف كل نظريات الاستغلال السياسي الغريبة التي طرحها البعض تحت مسمى (تصدير) النازحين، وفي مقابل ذلك على الحكومة الاجتماع فوراً واعتماد سياسة رسمية واضحة وتنفيذها، عبر إجراء مسح كامل للمواطنين السوريين والتمييز بين العمال واللاجئين، وتحديد سبل التعاون مع المؤسسات الدولية ذات الصلة، ومنح الجيش والقوى الأمنية الدعم اللازم في سياق مهماتهم في هذا المجال.
ثالثاً: على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين القيام بدورها كاملاً في ملف التعامل مع النازحين السوريين من دون أي تقصير، وتأمين التمويل اللازم بكل السبل المتاحة لدعم هؤلاء بالتوازي مع دعم المجتمع اللبناني المضيف".
مدير الأمن العام: تنسيق مع النظام السوري
من جانبه، كشف مدير الأمن العام بالإنابة، اللواء الياس البيسري، أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان بلغ نحو مليوني شخص "من بينهم نحو 500 ألف يملكون إجازتي عمل وإقامة، وهي نسبة بلغت ما بين 42 إلى 44 في المئة من عدد سكان لبنان".
وأشار البيسري إلى أنه تم تسجيل 200 ألف ولادة لسوريين من أصل 500 ألف، بالإضافة إلى "دخول نازحين خلسة إلى البلد، وغير مسجّلين لدى مفوضية اللاجئين ولا نعرف أعدادهم". ونفى أن يكون قد زار سوريا، وقال إن "أي زيارة أو مهمة تكون علنية ولا نخجل بهذا الأمر. ولكن علينا أن نعرف أن إدارة ملف النزوح ليست أمنية بحتة، ونحن ننسق مع (الدولة السورية) لحل الإشكالات الحدودية شبه اليومية".