ثماني سنوات ونظام الأسد يواصل ارتكاب المجازر في سوريا، مستخدما جميع أنواع الأسلحة بما فيها السلاح الكيماوي الذي أصبح من الأسلحة التقليدية مع تكرار استخدامه من قبل النظام! وبعد اعتراف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن المنظمة الأممية خذلت السوريين، يتحمل المجتمع الدولي والقوى العظمى وخاصة روسيا مسؤولية هذه المجازر أسوة بالنظام.
مجزرة أطفال ونساء
في 21 من آب عام 2013، لم يصح بعض أهالي غوطة دمشق من نومهم، حيث ارتكبت قوات النظام مجزرة الكيماوي بحق أهالي غوطة دمشق الشرقية ومعضمية الشام في الغوطة الغربية، مستخدمة غاز السارين (غاز الأعصاب)، ما أدى لمقتل أكثر من ألف شخص أغلبهم من النساء الأطفال.
شنت قوات النظام هجومها مستخدمة صواريخ تحمل مواد كيماوية بين الساعة الثانية والخامسة صباحا، قضى على إثرها أكثر من 1450 شخصا. ونفذ النظام المجزرة بعد ثلاثة أيام من وصول بعثة مفتشين دوليين إلى العاصمة دمشق.
التقارير أشارت إلى أن الصواريخ سقطت في عدد من مدن الغوطتين، أبرزها زملكا وعين ترما وكفر بطنا، وعربين بالغوطة الشرقية ومدينة المعضمية بالغوطة الغربية.
وأكدت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها بعد أسبوعين من الهجوم، توفر أدلة توضح مسؤولية قوات النظام وراء مجزرة الغوطة، كذلك قالت تقارير استخبارات غربية منها الاستخبارات الأميركية إن نظام الأسد مسؤول عن المجزرة.
ورغم ذلك لم يتمكن المجتمع الدولي من اقتياد الأسد والمسؤولين عن الهجوم إلى المحاكم الدولية بسبب حماية موسكو التي استخدمت الفيتو 12 مرة ضد قرارات لفرض عقوبات على النظام ستة منها تتعلق بالهجمات الكيماوية. إضافة إلى خطوط أوباما الحمراء التي تجاوزها النظام أكثر من 221 مرة استخدم فيها السلاح الكيماوي.
تحديد المسؤول عن مجزرة الغوطتين
قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني لـ موقع تلفزيون سوريا، إن لجنة التحقيق الدولية المستقلة أجرت تحقيقا أثبتت فيه مسؤولية النظام عن الهجوم عام 2013 على غوطة دمشق الشرقية، وكذلك فعلت منظمة هيومن رايتس ووتش والشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وأضاف أن لجنة نزع الأسلحة الكيماوية بعد تعديل ولايتها أصبح بإمكانها تحديد من ارتكب مجزرة الغوطة عام 2013، وتابع" هي أجرت التحقيق وقالت إن أسلحة كيماوية استخدمت لكنها لم تستطع تحديد الجهة المنفذة للهجوم".
ولفت عبد الغني إلى أن المجتمع الدولي لم يرد بشكل يناسب الجريمة المرتكبة، "فبعد هذه التحقيقات كان يجب على العالم التحرك ومعاقبة النظام بطريقة أكبر من فرض عقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية"، وأردف "النظام هو الوحيد الذي استخدم السلاح الكمياوي المحرم دوليا عام 2013 بعد إعلان اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية عام 1996".
ولفت إلى ظهور عدة آثار على الناجين من المجزرة وأقرباء الضحايا، "كالآثار النفسية التي من الصعب زوالها والرغبة بالانتقام من المجرم ما يشدد على ضرورة تحقيق العدالة، كما أصاب الناجين حالات مرضية كثيرة لكن لم يتم تحديدها ومعالجتها أو حصرها".
ومع سيطرة النظام على دمشق وتهجير المدنيين وخروج الفصائل العسكرية من الغوطة الشرقية أصبح مسرح الجريمة بيد نظام الأسد وروسيا، لكن عبد الغني أشار إلى أن ذلك لن يؤثر كثيرا على التحقيقات، وأوضح قائلا "سيحاول النظام طمس معالم الجريمة وتغييرها ومنع لجنة التحقيق من الحركة بحرية لكن ذلك سيؤدي لزيادة اتهامه لأنه يعرقل بالتالي هو متورط(..) ذلك غير ممكن بسبب آلاف الشهود والعدد الكبير من المصابين لا يمكن للنظام أن يغير الوقائع".
وأكد عبد الغني أن نظام الأسد نفَّذ 156هجوماً كيماويا منذ هجوم الغوطتين بمحافظة ريف دمشق في 21 من آب 2013 وحتى هجوم بلدة "عقيربات" بريف حماة الشرقي في 12 من كانون الأول عام 2016 و13 هجوماً كيماويا منذ هجوم عقيربات وحتى هجوم مدينة خان شيخون بمحافظة إدلب في الرابع من نيسان عام 2017.
كما نفذ النظام 14 هجوماً كيماويا منذ هجوم مدينة خان شيخون بمحافظة إدلب 4/ نيسان/ 2017 وحتى هجوم مدينة دوما بمحافظة ريف دمشق في 7 من نيسان 2018 وهجوماً واحداً عقب هجوم دوما وهو هجوم الكبينة بريف اللاذقية الشرقي في 19 من أيار الفائت.
لماذ بقي القاتل حراً؟
بعد الصدمة التي شكلها استخدام الأسد للسلاح الكيماوي عام 2013، قال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إن استخدام الأسلحة الكيماوية كان "خطًا أحمر" لواشنطن ، إلا أن الولايات المتحدة وروسيا اختارتا حلاً بديلاً.
وتم تسليم القضية إلى منظمة "حظر الأسلحة الكيماوية" (OPCW) ، التي دعت النظام إلى تدمير مخزوناته من الأسلحة الكيماوية. وفي 19 من آب 2014، أعلنت المنظمة أن العملية قد انتهت. إلا أن ذلك تبين أنه غير صحيح بسبب تنفيذ النظام لعشرات الهجمات الكيماوية لاحقاً أبرزها استهدفت مدينة دوما في الغوطة الشرقية العام الماضي.
ويرى مراقبون أن النظام مازال قائما والأسد حرا، بسبب دعم حلفائه الروس والإيرانيين، كما أن الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة، ليست راغبة البتة بالانخراط الواسع والذي من شأنه أن يزعزع "استقرار الحرب السورية".
ويضيف المراقبون أن واشنطن ليست بصدد التورط الجدي في سوريا. فالضربة الأميركية من شأنها دون شك إنزال الخسائر بالمقومات العسكرية للنظام. غير أن التعويل المتزايد لهذا النظام على الموارد الروسية والتي لن يطالها أي ضرر، يجعل من الخسارة المرتقبة ثمناً مقبولاً ليتمكن النظام من المزيد من التأصيل لحكمه الاستبدادي.
والواقع هو أن أية ضربة لا تقتل النظام تزيده قوة. ومهما كان حجم الضربة، ما لم تصاحبها رؤية واضحة للإطاحة بالنظام الاستبدادي، من شأنها تعزيز موقفه وروايته القائلة أن العالم غير المبالي، غير الراغب بالتورط، لن يقدم إلا على خطوات رمزية لا جدوى منها ولا تخدم إلا مصالح من قام بها. وعندها لا يبقى للإنسان السوري إلا الرضوخ لأمر قاتله.