ملخص:
- الأسد زار الصين بحثًا عن دعم اقتصادي ودبلوماسي، لكنه عاد بخيبة أمل بعد فشل الزيارة في تحقيق نتائج ملموسة.
- تأسيس شركة صينية واحدة فقط بعد الزيارة يعكس ضعف الاستثمارات الصينية في سوريا وسط العقوبات الأميركية وقانون قيصر.
- الصين تفضل الاستثمار في مناطق أكثر استقرارًا مثل الخليج، وتجنب الانخراط العميق في الاقتصاد السوري المتهالك.
- تجارب الشركات الصينية في سوريا قبل عام 2011 كانت فاشلة، مما دفع بكين للابتعاد عن مشاريع جديدة في البلاد.
- روسيا تسبق الصين في تعزيز استثماراتها في الساحل السوري، مستفيدة من الأوضاع الراهنة.
في مقابلة رئيس النظام السوري بشار الأسد مع تلفزيون الصين المركزي، على هامش زيارته لبكين في أيلول من العام الماضي، قال: استثمرنا الدور الكبير الذي لعبته الصين خلال السنوات العشر الماضية مع التطور الاقتصادي، مع المبادرات السياسية والتنموية، مع دور الرئيس شي جين بينغ لكي نصل إلى زيارة أستطيع أن نقول بأنها مثمرة إلى درجة كبيرة، وأعتقد بأنها كانت زيارة ناجحة بشكل حقيقي وفعلي بكل المعايير".
في اليوم التالي لوصوله، التقى الأسد بنظيره الصيني، شي جين بينغ، على هامش دورة الألعاب الآسيوية، حيث أعلن الأخير إقامة "شراكة استراتيجية بين الصين وسوريا"، واصفاً إياها بـ"المعلَم المهم في تاريخ العلاقات الثنائية".
استثمار صيني رمزي في سوريا
ومنذ ذلك التاريخ حاول موقع تلفزيون سوريا أن يرصد انعكاسات الزيارة ونتائجها المعلنة على أرض الواقع، وذلك من خلال مراقبة الشركات المرخصة عبر مديرية الشركات التابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وعبر الشركات المشهرة بقرارات تأسيس والمنشورة في الجريدة الرسمية، ومن خلال الموقع الرسمي للوزارات والمديريات العامة، وكانت النتائج خلال عام لم يتم تأسيس سوى شركة واحدة فقط تعود ملكيتها لكل من وو سونغ جون وجانغ دينغ وكلاهما يحملان الجنسية الصينية ويقيمان في دمشق.
الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون العربية الصينية ياسين الجابي أكد أن "الأسد حاول البحث عن دعم مادي جدّي بالتوجه شرقا لإعادة إحياء عجلة الاقتصاد في سوريا، في ظلّ العقوبات، لكن خطوته باءت بالفشل اقتصاديا وحتى على المستوى الدبلوماسي، فزيارة الصين لم تسهم في كسر عزلته دوليا، كما رأى محللون حينذاك أنّ الزيارة تمثل كسراً لنطاق مهم من العزل الدبلوماسي والحصار السياسي المفروض على الأسد".
وأضاف الجابي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا "تأسيس شركة صغيرة بهذا الحجم ليس سوى خطوة رمزية تريد بكّين من خلالها محاولة الاستفادة من انشغال إيران بإيجاد مخرج لمأزقها بعد أن اهتزت صورتها أمام أنصارها في المنطقة لعدم قدرتها على رد صفعات إسرائيل المتتالية لها، وكذلك انشغال موسكو بخسائرها الفادحة على محور كورسك والتقدم غير المسبوق للقوات الأوكرانية".
ولفت الجابي إلى أن بكين ستحاول الانخراط بالشأن السوري سياسيا بحيث يمكنها جعل الملف السوري ورقة مفاوضات إضافة إلى أوراق أخرى تمتلكها في حوارها مع واشنطن وأوروبا حول تايوان وغيرها من الملفات الدولية العالقة أما اقتصاديا "فكعكة الاقتصاد السوري لا تثير شهيتها".
وأشار الجابي إلى أن كل حديث عن مشاريع جديدة في سوريا لا أهمية له دون الأخذ بالاعتبار العقوبات الأميركية، وقانون قيصر، وبالتالي كل الأفكار الصينية إن وجدت ستبقى مشاريع على الورق من دون ضوء أخضر من واشنطن، وهو أمر مستبعد في الوضع القائم، يضاف لها عوامل أخرى مثل الوضع الأمني غير المستقر في مدن سورية كثيرة، والحالة الاقتصادية المتهالكة للبنية التحتية وخصوصا قطاع الطاقة.
تجارب صينية فاشلة في سوريا
وختم الجابي بأن تجربة الشركات صينية في سوريا كانت فاشلة قبل عام 2011، إذ استثمرت شركات صينية مختلفة مبالغ مالية طائلة، مثل شركتي "سينوبك" و"سينوكيم"، إلى جانب "مؤسسة البترول الوطنية الصينية"، حيث تم ضخ نحو 3 مليارات دولار في سوريا، مدفوعة بدعوة بكين للاستحواذ على أصول عالمية في مجال النفط والغاز، وذهبت أدراج الريح بناء على دراسات جدوى قدمها النظام لاستثمار حقلي بترول لإنتاج 50 ألف برميل لكل منهما يومياً، لكن الشركة الصينية اكتشفت أن طاقة الحقلين لا تتجاوز 25 ألف برميل يومياً، وهو ما منع سينوبك من توسيع استثماراتها في سوريا، لتحل محلها شركات إيرانية وروسية وفقا لاتفاقات جديدة أبرمها النظام مع الدولتين، واليوم تركز بكين استثماراتها في اقتصادات أكثر استدامة مثل الاقتصادات الخليجية من دون الدخول بمشاريع من شأنها أن تخلق لها مزيداً من الصراعات مع واشنطن مثل الملف السوري، وبذلك يكون قد عاد الأسد بعد عام من رحلته بجعبة خالية الوفاض إلا من خفي حنين من الصين.
وجاءت زيارة الأسد للصين في أعقاب الإعلان عن مشروع تدعمه الولايات المتحدة، لبناء شبكة نقل تربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، عبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وإسرائيل، وهي خطة تشكل منافسة جديدة ومباشرة لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
روسيا تسبق الصين إلى الساحل السوري
في عام 2022، انضمت دمشق رسمياً إلى مبادرة الحزام والطريق، بعد أن جذبتها المشاريع التي قد تساعد البلاد في إعادة إعمار بنيتها التحتية المدمرة، التي تفوق كلفتها 250 مليار دولار، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، لطالما كانت مدينتا طرطوس واللاذقية الساحليتان، تحت أنظار الصين، كونهما توفران منفذاً رئيسياً إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، مما يفتح ممراً مفيداً لمبادرة الحزام والطريق.
وتاريخياً تعتبر سوريا من أوائل دول الشرق الأوسط التي اعترفت بالحزب الشيوعي الصيني في عام 1956. وبعد الحرب الباردة، اقتربت دمشق من موسكو وبكين، حين غطت القوات العسكرية الأميركية معظم المنطقة، وبعد أن ورث بشار الأسد السلطة في عام 2000، زار الأسد بكين والتقى بنظيره جين تاو، رئيس جمهورية الصين آنذاك، وهي الزيارة الرسمية الوحيدة للرئيس السوري حتى ما قبل الزيارة الأخيرة.
الجدير بالذكر أن العلاقات الاقتصادية بين نظام الأسد والصين لم تكن تاريخياً في مستوى متقدم، فالتبادل التجاري ظل متأخراً مقارنة بالدعم السياسي الذي قدمته بكين إلى الأسد بعد 2011 .
ووفق أرقام غير رسمية نشرتها وسائل إعلام مرتبطة بالنظام السوري، شكلت الواردات السورية من الصين في عام 2010 ما نسبته 8.8% من إجمالي الواردات، مشيرة إلى أنها تذبذبت في أثناء الثورة بين 6.5%، و10.9%.
ومؤخراً بنى مستثمرون روس منشأتين سياحيتين في الساحل السوري، ستبدأان العمل قريباً وفق تصريحات لـ وزير السياحة في حكومة النظام السوري، محمد رامي مارتيني.
وعززت الشركات الروسية من استثماراتها في الساحل السوري بجميع المجالات الاقتصادية، وباتت هذه الشركات مقابل مبالغ بمليارات الليرات تقوم بمعظم التعهدات التي كانت حتى وقت قريب تتولاها مؤسسات النظام الحكومية.