تتصاعد الأحداث في غزة من قصف وتهجير ومجازر تحرك على إثرها العالم بأسره تقريباً، وبينما خرجت تصريحات من قادة دول عظمى وإقليمية بشكل شبه يومي، لم يخرج رئيس النظام السوري بشار الأسد بأي تصريح مباشر حول القضية وشحت البيانات الرسمية حول الأحداث، باستثناء ما خرج من لقائه مع وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان واتصاله مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، من تصريحات مكتوبة لا تحمل وعيداً بالتحرك ولا تصعيداً خطابياً غير مألوف.
ماذا عن الزمان والمكان المناسبين؟
لطالما وصف بشار الأسد القضية الفلسطينية بأنها مركزية ومحورية وأكد أن سوريا هي من ضمن مايسمى "بمحور المقاومة"، لكن اختفاءه عن الساحة بأي وعيد أو تهديد لإسرائيل، أو إعلان دعم علني للمقاومة الفلسطينية أو مباركة في الأيام الأولى أو حتى الحديث عن إرسال مساعدات لغزة مؤخراً، أثار تساؤلات من الشارع السوري والفلسطيني على حد سواء.
لم يكن بشار الأسد وحده من لم يخرج بأي تصريح مباشر يوازي مستوى الأحداث، بل حتى أمين عام "حزب الله " حسن نصر الله الذي اعتاد الظهور بشكل علني بين حاضنته والتهديد والوعيد لإسرائيل بكل مناسبة سواء دينية أو وطنية، خذل مؤيديه ومن يؤمنون بدور محور المقاومة.
بعد اليوم الثالث من العملية التي اقتحمت بها حماس مستوطنات غلاف غزة، بدأ الشارع السوري والفلسطيني في سوريا يتساءل عن دور محور المقاومة الذي رسم لهم على مدار عقود، والذي ارتبط بشكل مباشر بفلسطين، لكن شيئاً على الأرض لم يحدث، وحتى اليوم 13 من الأحداث التي شهدت مجازراً بحق الفلسطينيين وحصاراً خانقاً وقصفاً عنيفاً وتهديداً بالتهجير، لم يتغير المشهد.
غياب التصريحات "النارية"
في يوم مجزرة مستشفى المعمداني في غزة التي راح ضحيتها المئات، اعتقد البعض أن “حزب الله” والنظام وحتى إيران سيتدخلون لوضع حد لممارسات الاحتلال استناداً إلى خطاباتهم وشعاراتهم المتكررة، لكن شيئاً لم يحدث أيضاً، موقع تلفزيون سوريا استطلع آراء الشارع السوري في دمشق حول الموضوع، ويقول معتز وهو أحد المناصرين لما يسمى "محور المقاومة" "خذلونا، نحن ننام ونستيقظ على أمل أن يتحرك أحدهم بعمل يشفي الصدور، أو حتى أن يخرج أحدهم ويتوعد ويطلق تصريحات نارية على غرار الرئيس الأميركي جو بايدن أو رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتناهو أو أي قائد أوروبي".
يضيف "ليس من المعقول أن ترى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبايدن وقادة أوروبا ورؤساء عرب يتحدثون بشكل شبه يومي، بينما من تعتقد أنهم في ظهرك كالسيف نائمون، هناك شيء غير واضح ويثير الشكوك".
تتلاشى آمال رمزي بقدرة هذا المحور على مجابهة إسرائيل ومناصرة القضية الفلسطينية، ويقول "حتى لو تدخل المحور اليوم أو غداً فلم يعد ذلك كافياً. قتل الشعب ومات الأطفال وهم لا يرون بذلك تهديداً لمصالحهم، بالتالي الفلسطينيون ليسوا من ضمن مصالحهم، والخطابات كانت السابقة عبارة عن أفيون للحاضنات ومبررات لوجودهم".
تخبط فلسطيني وموقف محرج
يشير مصدر في إحدى الفصائل الفلسطينية بدمشق في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، إلى حجم التخبط ضمن الكوادر في الفصائل بخصوص ضرورة إدانة هذا المحور بشكل علني لتركه الشعب الفلسطيني يموت في أبشع محرقة تعرض لها منذ نكبته في 1948، أو ضرورة الانتظار أكثر لربما يكون هناك تكتيك ما، بينما يبحث البعض عن مبررات تعفي المحور من دوره، حيث يبرر البعض موقف "“حزب الله” " بأنه مقيد من حكومة لبنان وغير قادر على فتح جبهة قد تعود بالمآسي على بلاده المنهكة، بينما يبرر آخرون بأن سوريا بالفعل مشلولة وغير قادرة على محاربة "المحتلين"ـ كما تسميهم ـ على أراضيها لتحارب خارج حدودها.
لا يوجد أي شيء واضح بخصوص السبات الذي دخل به المحور فجأة مع بدء المعركة التي ارتدت بشكل دموي على سكان القطاع، فيقول مصدر آخر "وكأن “حزب الله” خشي من خسارة حاضنته فبدأ ببعض المناوشات المتقطعة والمحدودة على الحدود الجنوبية التي لا يرى فيها الفلسطينيون فائدة لرفع الظلم عن قطاع غزة في وقت ينتظر فيه الفلسطينيون حليفاً شرساً قوياً ينصرهم كما تتم نصرة إسرائيل بشراسة من حلفائها".
هناك عدة تبريرات لما يحدث. يرى المصدر أن أول احتمال، هو خشية النظام و“حزب الله” ومن خلفهم إيران من التحرك الأميركي وتهديد وجودهم بشكل مباشر وعلني وجدي في حال تدخلوا كونهم لم يتخيلوا أن تصل المعركة إلى هذا الحجم وليس لديهم أي خطط لذلك، لذلك ستبقى ردودهم محدودة ضمن القواعد الأميركية في سوريا والعراق وبعض مواقع الاحتلال القريبة جداً من لبنان.
وتابع "يبرر البعض أيضاً، سكوت سوريا بهذا الشكل أنها غير قادرة على دعم حماس التي وصفها الرئيس السوري مراراً بالسابق بأقسى الأوصاف ووضعها كما وضعت إسرائيل اليوم، بخانة الإرهاب لدعمها معارضيه سابقاً".
يضيف المصدر "الاحتمال الثاني، هو أن المحور لم يكن يعلم بالعملية كلها، وقامت بها حماس دون الرجوع لأي طرف، ما وضع المحور في موقف حرج من ناحية التوقيت الذي لا يريده حالياً، وسكوتهم وعدم قيامهم بأي رد فعل عسكري عبارة عن رسالة لحماس بأنها لا يجب أن تتصرف دون الرجوع إليهم، وأنهم غير راضين عما قامت به وأنهم لا يريدون أن تجرهم لحرب بينما هم من يجب أن يجروها لأي حرب يريدونها".
لو انتهت الأحداث في غزة لغير صالح الفلسطينيين ستنتهي شماعة المحور نهائياً، ويجب أن يكون ذلك نصب أعينهم وفقاً لمصدر ثالث في الفصائل الفلسطينية بدمشق، أضاف أنه من غير المقبول لو انتهت لصالح الفلسطينيين أن يخرج قادة المحور ليتغنوا بالنصر وأنهم من وقفوا وراءه، فهم في موقف صعب للغاية، حيث بدأت حاضنتهم الشعبية تتساءل عن قدرتهم الحقيقية بدخول معركة مع هذا المحتل في وقت دخلوا فيه بمعارك كبيرة في سوريا واليمن والعراق ودول عربية غير محتلة.