خلال الأشهر الخمسة الماضية منذ أن شنّت روسيا غزوها الشامل على أوكرانيا أواخر شهر شباط، لجأ نحو 890 ألف أوكراني إلى ألمانيا، أي أن عددهم يقترب من عدد السوريين والأفغان وغيرهم من المهاجرين الذين تقدموا بطلبات لجوء في ألمانيا خلال عام 2015، عندما بلغت أزمة اللجوء في أوروبا ذروتها.
بيد أن استجابة أوروبا في عام 2022 اختلفت كلياً عما كانت عليه في عام 2015، وفي ذلك بادرة خير بالنسبة للاجئين الأوكرانيين الذين استُقبلوا بحفاوة كبيرة اليوم، إلا أن الأمر ألقى بظلاله الثقيلة على الكثير من الحجج التي استعان بها الاتحاد الأوروبي لتبرير طريقة تطبيقه لسياسات تحد الهجرة من الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا وغيرها، وذلك بحسب ما يراه طارق الأوس، وهو أول سوري يترشح لمقعد في البرلمان الألماني، حيث يقول: "لقد كشفت لنا الأشهر الخمسة الماضية بأن أي شيء ممكن إن كانت هناك إرادة سياسية لوضع سياسات هجرة ولجوء إنسانية... ومن الرائع أن كل ذلك تغير اليوم لصالح الأوكرانيين، ولكن علينا أن نبحث كيف بوسعنا أن نحدث ذلك التغيير من أجل جميع اللاجئين".
تعود بدايات نشاط الأوس في مجال المجتمع المدني والدفاع عن حقوق الإنسان إلى أيام دراسته للحقوق في العاصمة دمشق، ومنذ أن دخل إلى ألمانيا لاجئاً في عام 2015، أصبح مدافعاً مفوهاً عن حقوق اللاجئين، حيث أخذ يطلق حملات لتحسين شروط استقبال اللاجئين وأسس مع غيره حركة Seebrücke لدعم جهود المنظمات غير الحكومية في إنقاذ طالبي اللجوء والمهاجرين من البحر المتوسط.
وخلال العام الماضي، ترشح الأوس، 33 عاماً، ليصبح نائباً في البرلمان الألماني، على أمل أن يصبح أول لاجئ سوري ينتخب في تلك الهيئة التشريعية، لكنه أنهى ترشحه بعد تعرضه لحملة انتقادات عنصرية، وتلقيه لتهديدات بالقتل.
التمييز بين الأوكرانيين وغيرهم في اللجوء
عندما بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في مطلع هذا العام، أخذ الأوس، كغيره من آلاف الناس في عموم أنحاء الاتحاد الأوروبي، بجمع التبرعات العينية وتوزيعها على الحدود البولندية-الأوكرانية، لمساعدة الناس هناك. وعقب صدور تقارير حول التعامل العنصري لخفر لحدود بين أوكرانيا وبولندا مع المهاجرين، أصبحت منظمة المجتمع المدني التي سافر معها الأوس تقدم المساعدة للأشخاص الملونين، ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك من ينتمون لمجتمع الميم، بهدف إيصالهم لبر الأمان في الاتحاد الأوروبي.
وعموماً، فإن نحو 3.7 ملايين أوكراني تقدموا بطلب الحماية لدى دول الاتحاد الأوروبي خلال هذا العام، وهذا العدد أكبر بكثير من 1.3 مليون نسمة والذي يمثل عدد الأشخاص الذين تقدموا بطلبات لجوء لدى الاتحاد الأوروبي في عام 2015.
إذ بالنسبة للأوكرانيين، أبقى الاتحاد الأوروبي حدوده مفتوحة أمامهم، كما سن قانون الحماية المؤقتة الذي لم يكن موجوداً من قبل، والذي يمنح الناس حق الحصول على الخدمات الأساسية وحق الإقامة والعمل في أي دولة يختارونها ضمن الاتحاد الأوروبي لمدة ثلاث سنوات.
كل ذلك لم يتسن لغيرهم من الناس، إذ في عام 2015، تجادل أعضاء الاتحاد الأوروبي حول عدم قدرتهم على استقبال واستضافة تلك الأعداد الغفيرة من طالبي اللجوء والمهاجرين، وذلك بهدف تقليص أعداد الواصلين إلى أوروبا، عبر تقييد طرق الهجرة إليها، وهذا ما جعل خفر السواحل الليبية يعترضون طريق الناس في البحر، كما أدى إلى ملاحقة المنظمات غير الحكومية والمتطوعين الذين يؤمنون الدعم الإنساني للمهاجرين، فضلاً عن منع الناس من قطع الحدود وصولاً إلى دول الاتحاد الأوروبي.
في مقابلة أجريت مع الأوس لمناقشة كيف اختلفت معاملة الاتحاد الأوروبي مع اللاجئين الأوكرانيين مقارنة بغيرهم من اللاجئين، والحاجة لتغيير نظام اللجوء والهجرة الحالي المؤلف من مستويين، بما أنه قال: "لماذا لا يمكننا معاملة جميع اللاجئين بالطريقة ذاتها التي نعامل بها الأوكرانيين؟"، تم طرح الأسئلة التالية عليه:
كيف كانت استجابة ألمانيا عند استقبال اللاجئين الأوكرانيين خلال الأشهر الأربعة أو الخمسة الماضية مقارنة باستجابتها عند وصول اللاجئين السوريين وغيرهم في عام 2015؟
طارق الأوس: من الرائع أن ترى الجميع يبدي تضامنه مع الأشخاص القادمين من أوكرانيا، إذ عندما بدأ الغزو، توجه كثيرون نحو الحدود، وهؤلاء ليسوا من ألمانيا فقط، بل من كل دول أوروبا، ليحاولوا مد يد العون للناس عبر نقلهم بسياراتهم ومساعدتهم على تأمين وسائل الراحة والعيش عبر تقديم شقق خاصة لهم. ومن الضروري أن يظهر ذلك التضامن، لأنه يفتح باب قلعة أوروبا.
كما كان هناك تضامن كبير في عام 2015، إذ إن الكثير من منظمات المجتمع المدني الألمانية حاولت أن تدعم اللاجئين على مدار السنين، ولكن قدوم هؤلاء اللاجئين في الوقت ذاته، أي في عام 2015، أدى لصعود اليمين المتطرف في ألمانيا، لذا ظهر من يطالب بإغلاق الحدود، كما دعت منظمات يمينية متطرفة لإطلاق النار على اللاجئين عند عبورهم للحدود.
وفي الوقت ذاته، أخذ الناس الذين ينتمون لوسط الطيف السياسي بمناقشة فكرة تحديد عدد اللاجئين والمهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا، مع مناقشة سبل إغلاق الطرق التي يأتي الناس عبرها إلى هنا، أي أن هذا لم يبدر من اليمين، بل من الوسط.
غير أننا لم نسمع في هذه المرة من يطالب بذلك أو حتى يناقشه، بل إن تلك النقاشات لم تطرح أصلاً حتى الآن، ولهذا أسأل نفسي إن كانت تلك النقاشات ستبدأ خلال الأشهر القادمة، لكننا لم نسمع عنها حتى الآن، وذلك لأن الجميع يتحدث عن مساعدة الأوكرانيين، وفي الوقت ذاته، يرى السياسيون في العديد من الدول الأوروبية بأن علينا ترك الحدود مفتوحة أمام الأوكرانيين، في الوقت الذي يصرحون فيه بأنهم لا يرغبون باستقبال أي لاجئ مسلم في تلك الدول.
ما ردة الفعل الأوروبية تجاه الأوكرانيين بالنسبة لقدرة أوروبا على استقبال اللاجئين؟
الأوس: كشفت لنا الشهور الخمسة الماضية بأن أي شيء ممكن إن كانت هناك إرادة سياسية لوضع سياسات لجوء وهجرة إنسانية، وبأن كل الجدل الذي دار حول القدرة الاستيعابية وضرورة الحد من الهجرة لم تكن حقيقية، بل كل ما هنالك هو أنه لم تتوفر وقتها إرادة سياسية لمساعدة الناس الذين وصلوا إلى حدود أوروبا. وإنه لشيء عظيم أن يتغير كل ذلك اليوم لصالح الأوكرانيين، ولكن علينا أن نبحث في السبل التي تمكننا من تحقيق هذا التغيير بالنسبة لسياسات الهجرة لدينا، وفي نظام تقديم اللجوء، وكذلك بالنسبة للقوانين التي تخص اللاجئين كافة.
إذ بالنسبة للاجئين من غير الأوكرانيين، مازلنا نتحدث حول احتمال حصولهم على حقوقهم وهم على حدود الاتحاد الأوروبي، أي تمكينهم من التقدم بطلب لجوء، وذلك لأن ذلك لا يتاح لهم إلا في حالات نادرة، إذ إن من يحاول قطع الحدود من بيلاروسيا إلى بولندا مثلاً، لا يحق له التقدم بطلب لجوء. إلا أن الحدود البولندية-البيلاروسية قريبة جداً من الحدود البولندية-الأوكرانية، ولكن على تلك الحدود هنالك جنود يحاولون مساعدة الأطفال، وعلى الحدود الأخرى ثمة جنود يقومون بمنع الناس من قطع الحدود ويعيدونهم إلى بيلاروسيا، وهؤلاء الجنود ينتمون إلى الجهة نفسها، ويمثل ذلك أحد الأمثلة عن سياسات اللجوء والهجرة العنصرية التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي منذ سنين طويلة، وبما أن شيئاً لم يتغير، لذا علينا أن نغير ذلك اليوم.
كما بوسعك أن ترى أيضاً المعاملة المختلفة والعبارات العنصرية التي تطول السود وسكان البلاد الأصليين والملونين القادمين من أوكرانيا. حيث سهلت الدول الأوروبية أمام اللاجئين الأوكرانيين الحصول على حقوقهم عبر سن قانون الحماية المؤقتة، في الوقت الذي بقي فيه الملونون القادمون من أوكرانيا يعانون من أجل الحصول على الحق ذاته، حيث تقوم دوائر الهجرة في الاتحاد الأوروبي في البحث والتدقيق بمدى صلتهم بأوكرانيا.
أعرف أشخاصاً عاشوا في أوكرانيا لمدة 15 عاماً، دون أن يحصلوا على إقامة دائمة فيها، بما أن الإقامة الدائمة تؤهل صاحبها للحصول على الحماية المؤقتة في الاتحاد الأوروبي، وهذا ما دفع دوائر الهجرة لأن تطلب منهم العودة إلى بلدهم الأصلي، حتى بعد انقطاع صلاتهم به، وارتباطهم بأوكرانيا التي عاشوا فيها لفترة طويلة ثم هربوا منها بسبب الحرب.
وهذا يعني أننا نقسم اللاجئين إلى طبقتين: الطبقة الأولى تضم الأوكرانيين والثانية تشمل غيرهم من اللاجئين، بل كل اللاجئين من غير الأوكرانيين.
هل ثمة مجال داخل المجتمع الألماني لمناقشة أسلوبي التعامل المختلفين مع اللاجئين الأوكرانيين وغير الأوكرانيين؟ أم أن الناس يرون أن الوقت غير مناسب نظراً لوجود حاجة لدعم أوكرانيا في الوقت الراهن؟
الأوس: لم يكن الوقت مناسباً خلال الأشهر الأربعة أو الخمسة الماضية لمناقشة هذا الأمر، لأنه كان يتوجب علينا دعم الأوكرانيين الواصلين إلى هنا، ولكن تراجعت الآن أعداد الواصلين منهم، أي أن الوقت قد حان للتفكير بنظام الهجرة واللجوء العنصري الذي نتبعه. كما حان الوقت لنسأل أنفسنا عن سبب عدم معاملتنا لجميع اللاجئين بالطريقة التي عاملنا بها الأوكرانيين.
أتفهم بأن الشعب الألماني لديه ارتباط عاطفي بأوكرانيا، لأنها دولة قريبة، لكن لا مجال للحديث عن العواطف هنا، بل عن حقوق الإنسان والقانون، ولهذا أتفهم رغبة الأفراد بدعم الأوكرانيين دون غيرهم من اللاجئين، وهذا خيارهم، إلا أن عليهم أن يفكروا بالأسباب التي تدفعهم لذلك وأصلها.
أما على المستوى السياسي، فلا مجال للعواطف، ولا مكان للخوف، وذلك لأن فكرة الخوف ليست مستحبة مع السياسة، كما أن سياسات الهجرة واللجوء لدينا قائمة على حقوق الإنسان الأساسية، لذا ما علينا إلا أن نطبقها، وأن نعامل الجميع بالطريقة ذاتها، فلقد أثبتت لنا الشهور الخمسة الماضية بأنه بوسعنا إقامة سياسات هجرة ولجوء إنسانية.
وفي الوقت ذاته، من الضروري أن نركز على أن الأوكرانيين ليسوا مسؤولين عن اختلاف المعاملة التي يتلقونها مقارنة بغيرهم من اللاجئين، بل إنها مسؤولية هذا النظام العنصري الذي نتبناه. فقد اضطر الأوكرانيون لترك بلدهم والسفر إلى دول أوروبية أخرى بسبب العدوان الروسي، إلا أن نظام الهجرة العنصري لدينا هو من قسم اللاجئين إلى درجتين، لذا علينا أن نناقش هذا الأمر.
بالنظر إلى المستقبل، ما التحديات التي سيتعرض لها اللاجئون الأوكرانيون وغير الأوكرانيين بنظرك في ألمانيا؟
الأوس: هنالك الكثير من التحديات، فأنا لم أقل بأن كل شيء رائع وجميل بالنسبة للأوكرانيين، لأن النظام في ألمانيا بيروقراطي جداً، حتى مع الأشخاص الذين تقدموا للحصول على الحماية المؤقتة. ولكن بوسعنا تسهيل الأمور عبر زيادة مرونة هذا النظام البيروقراطي ورفع مستوى التنسيق فيه.
وفي الوقت ذاته، يتضح هنا الفرق في التعامل مع اللاجئين القادمين من دول أخرى، وهذا ما يزعجهم، فكثيرون ممن تحدثت إليهم سألوا لماذا لم يتم تطبيق قانون الحماية المؤقتة في عام 2015 بالنسبة للقادمين من أفغانستان وسوريا في الوقت الذي لم يخف فيه على أحد بأن هنالك حرباً في سوريا وأخرى في أفغانستان. إلا أنني بصفتي ناشطاً في المجتمع المدني، لم أعرف أن أجيب عن هذا السؤال، لأني كنت من بين الواصلين إلى ألمانيا في عام 2015، ولهذا كنت أسأل نفسي السؤال ذاته.
من الرائع أن يكون لدينا قانون للحماية المؤقتة اليوم، إلا أن مهمتنا الحالية تتمثل في زيادة الضغط على السياسيين لضمان حصول جميع اللاجئين على تلك السمة. ثم إنه بوجود أزمة المناخ وتنقل البشر في مختلف بقاع العالم، لن يهبط عدد اللاجئين القادمين إلى أوروبا مستقبلاً، بل سيرتفع، ولكن بعد عام 2015، ارتأت الحكومة الألمانية السابقة أنه لابد لها من إغلاق الحدود وتفكيك المنظومة التي وضعتها لاستقبال اللاجئين، والآن، يتعين علينا إعادة بناء تلك المنظومة، لأننا سنحتاجها من جديد. لذا أتمنى من الحكومة الجديدة ألا تدمر تلك المنظومة بعد الأزمة الحالية.
المصدر: نيو هيومانيتيريان