أطلق صحافيات وصحافيون سوريون في الداخل السوري، العدد الأول من صحيفة "شامنا" الأسبوعية المنوّعة، لتغدو أول صحيفة ورقية تصدر في الشمال السوري المحرر تغطّي مختلف أخباره السياسية والاجتماعية والثقافية.
صدور الصحيفة بصورتها الورقية المطبوعة داخل الحدود السورية، يعدّ تجربة شجاعة وجريئة عقب تجارب مميزة ومريرة بالوقت ذاته، مرّت بها الصحافة الورقية منذ انطلاقها داخل المدن السورية الرافضة لنظام الأسد، في الأشهر الأولى لانطلاقة ثورة السوريين.
عصر الصحف والمجلات المطبوعة في الثورة
برزت مطبوعات كثيرة، من مجلات وصحف ونشرات بعد منتصف آذار 2011. وصلت أعدادها خلال السنوات اللاحقة، في الداخل السوري ودول المهجر وخصوصاً تركيا، إلى أكثر من 360 صحيفة ومجلة مطبوعة ورقياً وإلكترونية مصممة بقالب طباعي.
قسم كبير من تلك الإصدارات كُتب له أن يتوقّف، والقليل منها استمر في الصدور حتى هذا اليوم، إلا أن ذلك القليل -ممّا كان يصدر في الداخل- انتقلت أماكن طباعته وكوادره إلى خارج البلاد على أثر الظروف التي فرضتها آلة حرب النظام على المناطق الثائرة.
اقرأ أيضاً: 45 صحيفة لـ 4 ملايين سوري... كيف كان حال الصحافة بعد الاستقلال؟
ومن بين المطبوعات التي صدرت وانتشرت في الداخل، على سبيل المثال وليس الحصر، برزت صحيفة "عنب بلدي" الأسبوعية التي انطلقت من مدينة داريا بريف دمشق، وصحيفة "عين المدينة" في دير الزور، و"أوكسجين" في الزبداني بريف دمشق الغربي، بالإضافة إلى "حبر" و"زيتون"، و"سوريتنا" و"طلعنا عالحرية"، و"صدى الشام"، و"كلنا سوريون" و"الغربال" وغيرها. منها ما بقي مستمراً بالصدور، إلكترونياً، ومنها من توقف.
على أية حال، كان انطلاق تلك الدوريات معلماً هاماً في تطور الإعلام السوري، الذي صار يُطلق عليه "الإعلام البديل". كما شكّل محتواها الفكري؛ الأدبي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، جزءًا هامًا من ذاكرة السوريين وتاريخهم خلال مفاصل الثورة.
مضامين "شامنا"
من خلال تصفّح العدد الأول من "شامنا"، الصادر في مطلع هذا الأسبوع، والذي سبقه عدد تجريبي (رقم صفر) في تشرين الأول الماضي؛ يتبيّن أن محتوى الجريدة جاء مقسّماً على أبواب شتّى، حاول القائمون خلالها تغطية مختلف الجوانب الإعلامية بحيث تتوافق مع رغبات القراء والمتابعين.
اقرأ أيضاً: ملاذ الكتاب والقراء في زمن الممنوع السوري.. وداعاً رياض الريّس
وتوزّعت أبواب الجريدة على 20 صفحة، تناولت مواد إخبارية وتقريرية، من سياسية واجتماعية وثقافية ورياضية، بالإضافة إلى مقالات الرأي، ولم يغب عن فريق التحرير إرفاق صفحة خاصة بالتسالي والمنوعات أيضاً.
وبالرغم من وجود أخطاء محدودة في الطباعة والنحو والإملاء، وهذا واردٌ في الإعلام المكتوب في العموم، إلا أن الجريدة الوليدة جاءت غنية ومتنوعة في مواضيعها، بحيث لم يغب عنها حتى المواد الخاصة بالأطفال وبأدب الشباب، إضافة إلى غزارتها بالصور المنسجمة مع تلك المواضيع.
تعريف بالصحيفة
في معرض تقديمه للصحيفة، كتب رئيس تحريرها "رواد إبراهيم" افتتاحية في العدد التجريبي جاء فيها:
"ليست شامنا مكانا ضيقاً، بالمعنى الجغرافي، ولا هي تلك المدينة الأسيرة، حالياً، ولا تصدرُ عن حزبٍ، أو عن أيديولوجيا، ولا تمثّلُ تياراً، أو فكراً منغلقاً على ذاته، كذلك، هي، لا تنافحُ عن مفاهيمَ تاريخيةٍ، اختزلتْها سلطةُ الاستبدادِ تحتَ قاسيونَ كواقع مزيفٍ، مكانياً، وزمانياً.
شامنا، هي حدود الألم السوري على درب الحرية، في طور نهوضه، فهي بذلك حدود مغايرة، تمتد من دمشق إلى حلب، إلى حمص، والرقة، دير الزور، البوكمال، الجولان، الحسكة، وإدلب، بحجارتها، ورمالها، وجبالها، وسمائها، وهوائها، وقد تمردت ـ من غير رجعة ـ على الطاغية.
لكنها، أيضاً، ليستْ هويةً مسورةً، تستمدُ وجودَها من تضادِها لهويةِ الجلادِ، فليسَ ديدنُ شامنا التمترسَ خلفَ الحيزِ الجغرافيِّ، لأنها تبدأُ من حلمٍ، بأكثرَ من مساحةٍ حرةٍ، بين أولئك الذين هم لا يصمتون، وأولئك الذين هم صامتون كرها.
هي خطوة، طال انتظارها على طريق روايةِ ما يَجري، في واقع سوري معاصر، يحتاج بشدة لمن يروي ما حدث من غير تشويه، يحتاجُ بقوةٍ، لأن يروي ما يحدث، بالقرب من رائحة الدم، في ظل هشاشة، وتجاذب، وقصور المعبرين.
شامنا، هي محاولة جادة، قصوى، لسوريين في قلب المحرقة، يسعون بكل قوة، ومصابرة، لاستعادة ألق سوريةَ، بحضارتها الإنسانية، بعدما شوهها تزييف المستبد، ومخلفات سلطة الاستبداد نظرياً، وعملياً".
هل ستُشكّل الوليدة الجديدة استثناءً؟
ذلك التوصيف، وتلك المضامين والمواضيع التي جاءت عليها التجربة الجديدة، تتطابق مع توجهات ومضامين بعض التجارب السابقة، وتتميّز عن بعضها الآخر، وتقلّ جودة عن تجارب أخرى بالتأكيد.
وهي في جميع تلك الحالات تعيد إلى الأذهان ما تعرّضت له الصحف في السابق من منع انتشار بعضها وحرق بعضها الآخر وملاحقة كوادر إعلامية لصحف أخرى وهلمّ جرّا.
ويذكر أن تنظيم "الدولة"، أوقف على أحد حواجز محافظة الرقة في نهاية عام 2013، فريق توزيع جريدة "طلعنا عالحرية"، وتمّ إحراق نحو ألف نسخة من جريدة "طلعنا عالحرية"، بالإضافة إلى 500 نسخة من صحيفة "الغربال" التي كانت تصدر من كفرنبل بإدلب.
وفي نيسان 2015، أصدرت إدارة معبر "باب الهوى" على الحدود التركية السورية، أمراً بمنع توزيع صحيفة "عنب بلدي" في المناطق المحررة، لوجود مادة رأي ساخرة تنتقد الشيخ السعودي "عبد الله المحيسني" القيادي في "جبهة النصرة" التي كانت تدير المعبر آنذاك.
وبعدها بعامين، في نيسان 2017، صادر المعبر أيضاً، وكان تحت إدارة "حركة أحرار الشام" في ذلك الحين، نسخ العدد 70 من مجلة "كلنا سوريون" ومنعت دخوله وتوزيعه في المناطق المحررة، بذريعة احتوائه لمقال رأي حول "حرية التعبير".
فهل تتمكن الصحيفة الحالية من ضمان استمرار صدورها وتوزيعها في كافة مناطق الشمال المحرر، أم ستلتزم بـ "المعايير" و"الخطوط الحمراء" التي -قد- تفرضها بعض جهات السيطرة وإداراتها الحالية؟