في إطار سعي رأس النظام بشار الأسد للبقاء في الحكم لسبع سنوات قادمة، يفهم الأسد جيداً أن التلاعب السياسي بالتراث الثقافي يشكل أداة قوية في ترسانة القوة الناعمة، ليجسد نفسه كخيار وحيد بديله الفوضى بحسب تقرير أعده معهد دراسات الشرق الأوسط.
وفي أحدث مبادرة في هذا الإطار، تم الإعلان مؤخراً عن بناء صورة مصغرة طبق الأصل عن آيا صوفيا في بلدة السقيلبية ذات الغالبية المسيحية الأرثوذكسية في محافظة حماة بتمويل من روسيا.
وتسعى هذه المبادرة لتصوير بشار الأسد كأحد المعتدلين متعددي الثقافات عكس أردوغان، حيث قال نابل العبد الله قائد ميليشيا قوات الدفاع الوطني وصاحب الفكرة "لقد تم تصميمه لإظهار الوجه الحقيقي لسوريا، حيث تتعايش حضارات وثقافات مختلفة".
وتشير الدراسة إلى أنه بالتدقيق في آيا صوفيا السورية سيتبين أنها صغيرة جداً، ولا تتسع لعشرات المصلين، حيث يكذب حجمها الصغير الرسالة التي يحملها اسمها، وأنها وسيلة لروسيا للتحالف العلني مع المجتمع المسيحي الأرثوذكسي المحلي.
رواية الأسد
يؤكد التقرير أن التدمير المنهجي من قبل تنظيم "الدولة" للمواقع التاريخية البارزة في جميع أنحاء سوريا والعراق، يغذي رواية الأسد منذ بداية الثورة بأنه وحده المدافع الحقيقي عن البلاد وتراثها، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية السورية في حزيران المقبل، تتطلب هذه الرواية تمحيصاً دقيقاً، حيث تحتفظ العديد من المنظمات بسجلات صور وفيديوهات مفصلة للأضرار التي لحقت بالآثار الثقافية.
وبفضل جهود هذه المنظمات تم الآن تجميع قاعدة بينات ضخمة تثبت مدى الدمار الذي لحق بالآثار التاريخية في سوريا، والذي يتحمل النظام المسؤولية الأكبر عنه، كما تؤكد الأرقام أن 90 بالمئة من المدنيين و95 بالمئة من العاملين في المجال الطبي قتلوا على يد النظام.
الحفاظ على التراث الثقافي السوري
يشير تقرير المعهد إلى أنه عندما يتعلق الأمر بإعادة الإعمار الفعلي على الأرض، فمن النادر أن يكون نظام الأسد أو حلفاؤه الروس أو الإيرانيون هم من يتولى القيادة.
ويوضح التقرير أن الأسواق الشهيرة في حلب يتم إعادة بنائها من قبل شبكة الآغا خان للتنمية، حتى أنها أنفقت الملايين قبل الحرب على ترميم حلب القديمة. أما بالنسبة لترميم الفنادق في حلب مثل قصر المنصورية وبيت الصالحية، فيتم تمويله من قبل مغتربين سوريين أثرياء. كما قام الأفراد الذين لديهم أموال كافية بترميم منازلهم التي دمرتها الحرب دون دعم حكومي.
جهود ميدانية
يؤكد التقرير أن لدى معظم السوريين، فخر عميق ووعي عميق بالهوية الثقافية لبلدهم، كما يتضح من خلال شبكات المتطوعين العاملين على الأرض لحمايتها بأي طريقة ممكنة.
ففي إدلب أُعيد افتتاح متحف المدينة في 2018 بعد خمس سنوات من الإغلاق، مع استمرار العمل الممول من الخارج لتوثيق وتسجيل الألواح المسمارية التي لا تقدر بثمن من موقع إيبلا من العصر البرونزي. ولطالما اعترفت اليونسكو بالمساهمة القيمة للعديد من مجموعات المتطوعين، كما يعملون أيضًا لحماية المواقع الأثرية من الحفريات غير القانونية والمساعدة في تعقب الآثار المنهوبة.
وفي سوريا غادر كثير من موظفي المديرية العامة للآثار والمتاحف البلاد كلاجئين، فيما فقد البعض حياتهم بسبب شغفهم، مثل عالم آثار تدمر البارز خالد الأسعد.
ويشير التقرير إلى أنه بحال سقط النظام بعد انتخابات حرة ونزيهة في حزيران المقبل، فسيعود كثير من الموجودين في المنفى إلى بلدهم، حاملين معهم الخبرة والتمويل الأجنبي، إلى جانب أعلى معايير الاستعادة.
"الواقع" - أو نسخة الأسد منه
تروج وكالة أنباء النظام "سانا" للنظام من خلال النشر المتكرر لتقارير عن انتشار الجيش بأماكن ومواقع أثرية لحمايتها، كما يعرض صوراً لرحلات منظمة إلى تدمر مع مؤيدين مخلصين "حفاظا على التراث السوري".
بالمقابل أقام بوتين في 5 من أيار 2015 "حفل النصر" في تدمر، حيث تم إرسال أوركسترا خاصة من موسكو بعد طرد تنظيم "الدولة"، ليتمكن بوتين من اغتنام الفرصة لإطلاق نفسه من المسرح القديم في تدمر إلى المسرح العالمي، بصفته "منقذ سوريا" و"المدافع ضد الإرهاب".
وأشار التقرير إلى أنه بينما كان العالم مصدوما باستيلاء تنظيم "الدولة" على تدمر في عام 2015، لم يتحدث أحد عن الأضرار التي سببتها قوات النظام في وقت سابق من الحرب، وبالتحديد بالمواقع الأثرية حيث قاموا قبل دخول التنظيم بتركيب قاذفة صواريخ متعددة في معسكر "دقلديانوس"، وقادوا دبابات ثقيلة ومركبات عسكرية عبر الموقع الأثري، وقصفوا معبد بل، ما أدى إلى انهيار عدة أعمدة"، وأدى تفجير تنظيم "الدولة" للمعالم الرئيسية خلال صيف 2015 إلى محو كل الأدلة للانتهاكات السابقة التي ارتكبها جنود النظام.
كما أشار التقرير إلى ما فعله سلاح الجو التابع للنظام في قلعة الحصن التي تعتبر أفضل قلعة صليبية تم الحفاظ عليها في العالم، حيث تسببت الغارات الجوية بتفجير النحت المعقد أمام قاعة الطعام، ما تسبب بأول ضرر يلحقه الإنسان بنسيج القلعة التي يعود تاريخها إلى قبل 800 عام، رغم أن النظام ألقى باللوم على المعارضة، ويحاول تقديم نفسه أنهم مصلحون، وليسوا السبب.
وفي حلب رواية النظام أيضاً مضللة، حيث تم تصوير الأضرار التي لحقت بالجامع الأموي بحلب على أنها من عمل المعارضة، على الرغم من تسجيل لقطات فيديو سابقة لقيام عناصر الجيش الحر بمساعدة متطوعين بتفكيك الأشياء الثمينة مثل المنبر الخشبي الذي يعود إلى القرن الثالث عشر إلى بر الأمان، كما قام طلاب علم الآثار المحليون ببناء جدران واقية من انفجار القنابل أمام قبر النبي زكريا، وغطوا المزولة الشمسية التي تعود إلى العصور الوسطى في الفناء داخل كتل واقية ثم أغلقوا الغطاء.
للإطلاع على المادة الأصلية إضغط هنا