صدرت تأكيدات عن الجانبين الروسي والإسرائيلي حول استعدادات لعقد اجتماع، هو الثاني من نوعه بين مستشاري الأمن القومي، الأميركي والإسرائيلي والروسي. ومن الواضح أن أجندته لا تختلف عن أجندة الاجتماع الأول للمسؤوليين الأمنيين الثلاثة في القدس صيف عام 2019. وسيركز على بحث الوضع في سوريا والملف الإيراني.
لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى إمكانية تحقيق اختراق نوعي في القضايا المدرجة على جدول أعمال الاجتماع، في ظل تضارب كبير في رؤية كل طرف لمصالحه المرتبطة بالوضع الراهن في سوريا ومستقبله. الأمل الوحيد أمام روسيا لتحقيق نتيجة خلال الاجتماع يعتمد على موقفها من إيران في سوريا. وهذا يعتمد بدوره على موقف رئيس النظام، الذي يدرك أن مجرد تحجيم الدور الإيراني في سوريا، يعني تسريع نهاية نظام حكمه.
الأهداف الروسية من الاجتماع
في مرور سريع على ما قد يسعى كل طرف لتحقيقه خلال الاجتماع الأمني رفيع المستوى المرتقب، يبدو واضحاً أن روسيا تسعى من خلاله إلى تحقيق جملة أهداف تخدم مصلحة تعزيز وجودها في سوريا، ونفوذها في المنطقة بشكل عام. لذلك ستعمل من جانب أول على إقناع الإسرائيليين بالتوقف عن توجيه ضربات لأهداف إيرانية على الأراضي السورية؛ أو على أقل تقدير تحسين مستوى التنسيق قبل توجيه تلك الضربات وإبلاغ الجانب الروسي بتفاصيلها في وقت مبكر. وبالطبع ستكرر كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأنها مستعدة للعمل على اجتثاث مصادر التهديد لأمن إسرائيل الصادرة عن الأراضي السورية، في حال أبلغت تل أبيب موسكو بتلك المصادر. من جانب آخر ستحاول روسيا خلال الاجتماع التوصل إلى تفاهم مع الأميركيين بشأن مصير وجودهم العسكري على الأراضي السورية. علاوة على ما سبق من الطبيعي أن سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي سيبحث مع نظيريه الأميركي والإسرائيلي عملية التسوية السياسية للملف السوري، وضرورة تقديم الولايات المتحدة المزيد من التسهيلات لإطلاق بداية عملية إعادة الإعمار، بذريعة الوضع الإنساني، وضرورتها لتهيئة ظروف لعودة اللاجئين.
إلا أنه ومن خلال متابعة المواقف والممارسات الإسرائيلية، يمكن القول إنه لا يوجد حتى الآن أي مؤشر يدفع للاعتقاد بموافقة تل أبيب على أي طرح روسي، يقيد من قدرتها توجيه ضربات للإيرانيين في سوريا. وعلى عكس الطرح الروسي المتوقع، يرجح أن الإسرائيليين سيطالبون موسكو بالتعاون بشكل أفضل لإنهاء الوجود الإيراني في سوريا. إذ طالما كان ملف "أمن إسرائيل" رئيسياً، بل ووحيداً على الأجندة الإسرائيلية خلال المحادثات حول الوضع في سوريا، مع المسؤولين الروس من مختلف المستويات. ولن تضع إسرائيل عقبات أمام المساعي الروسية لتعويم نظام الأسد، في حال تخلصت من الوجود الإيراني في سوريا، وربما تكتفي بموقف عام تؤكد فيه على ضرورة إنجاز التسوية السورية وفق القرارات الدولية.
وكذلك يُستبعد أن تستجيب الولايات المتحدة للطرح الروسي بشأن سحب قواتها من الأراضي السورية. وعلى الرغم من ليونة أخذت تظهرها الإدارة الأميركية حيال الملف السوري في الآونة الأخيرة، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة موافقتها على أي صيغة للانسحاب العسكري أيضاً من سوريا. فهي لا تزال حتى الآن عرضة انتقادات واسعة بسبب الانسحاب من أفغانستان، الذي جعلها تبدو في أعين الجميع "شريكاً غير موثوق". وبالتالي يُستبعد أن تقوم الإدارة الأميركية بسحب قواتها من شمال شرقي سوريا، في المرحلة القريبة القادمة على الأقل.
من جانب آخر فإن الوجود العسكري الأميركي في سوريا، وإن كان عنوانه العريض "مكافحة الإرهاب" و"مواصلة دعم الحلفاء في شمال شرقي سوريا"، إلا أنه مرتبط من الناحية الاستراتيجية بحاجة الولايات المتحدة في البقاء عسكريا ضمن الرقعة السورية، التي باتت نقطة انطلاق رئيسية للنفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط، سياسيا واقتصاديا، فضلا عن أن سوريا باتت قاعدة روسية رئيسية متقدمة في مناطق انتشار وتحركات الأساطيل الأميركية وقوات الناتو في البحر المتوسط، ولهذا يرجح أن تحافظ واشنطن على موطئ القدم في سوريا. في الوقت ذاته هي لا تزال بحاجة للبقاء عسكريا في تلك المناطق لكبح توسع النفوذ الإيراني، وبصورة حصرية فيما يخدم مصلحة أمن إسرائيل.
روسيا والتعامل مع إيران في سوريا
إن "نافذة الأمل" الوحيدة أمام روسيا لتحقيق أي تقدم خلال الاجتماع الأمني المرتقب، تعود بالدرجة الأولى إلى قدرتها على التعامل مع الوجود الإيراني في سوريا. هذا ما تؤكده قمة هلسكني في تموز 2018 بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترمب، حيث كان التوافق على إبعاد الإيرانيين عن الحدود مع إسرائيل، واحدة من النتائج الرئيسية لتلك القمة، والتي رأت فيها موسكو نافذة لتوسيع المشاورات مع الأميركيين حول ملفات أخرى. ولا تزال روسيا حتى اليوم تعيد لأذهان الأميركيين اتفاق بوتين –ترمب كلما احتاجت للتأكيد على أن الحوار الأميركي-الروسي، إن مضت به الولايات المتحدة، من شأنه أن يضع حلولاً للكثير من القضايا الشائكة؛ وهي بذلك لا تزال تسعى للحصول على اعتراف أميركي بها كشريك في الشأنين الإقليمي والدولي.
إلا أنه لن يكون من السهل على روسيا الاستجابة للمطالب الإسرائيلية المدعومة أميركيا بشأن الوجود الإيراني في سوريا، وذلك لأسباب كثيرة، بينها أن بقاء الإيرانيين يضمن في الظروف الراهنة استمرار الاهتمام الإسرائيلي والأميركي بالدور الروسي في سوريا والمنطقة ككل. فضلا عن ذلك لن تغامر روسيا بتخريب تلك العلاقات مع الإيرانيين، التي طالما شكلت ملفاً غاية في الأهمية، حملته روسيا للعودة إلى المسرح الدولي بقوة، في المفاوضات حول الملف النووي الإيراني. كما أنها تستغل تلك العلاقات حاليا للعب دور في منطقة الخليج العربي، يضمن لها توسيع نفوذها في تلك المنطقة الحساسة. أخيراً فإن موافقة روسيا على لعب درو لإبعاد الإيرانيين سيواجه معارضة شرسة من النظام، الذي يدرك أن ابتعاد الإيرانيين سيجعله رهينة بيد الروس وحدهم، وسيضعف موقفه سياسيا وعسكريا، وسيسرع من نهايته.
نقطة التوافق الوحيدة الممكنة خلال الاجتماع الأمني الروسي-الأميركي-الإسرائيلي رفيع المستوى هي العمل على دفع جهود التسوية السورية، وإنجازها وفق ما نصت عليه القرارات الدولية، بما في ذلك المرحلة الانتقالية، ودستور جديد وانتخابات بإشراف دولي صارم. بهذا الشكل فقط هناك أمل بإنهاء حقبة نظام الأسد، وبالتالي خروج جميع القوات الأجنبية، وبصورة خاصة الإيرانية من سوريا، مع انجاز التسوية السياسية، وفق ما نصت عليه القرارات الدولية أيضاً، والتفاهمات بين القوى الكبرى المنخرطة في جهود التسوية. وباعتبار أن بقاء نظام الأسد مرتبط مصيريا باستمرار الوجود الإيراني في سوريا، ونهايته توفر الظروف المناسبة لإبعاد الإيرانيين، فإن استمرار الأسد يبقى عقبة أمام رغبة روسيا في تحقيق أي اختراق ملموس في العلاقات مع الأميركيين عبر "تفاهمات سورية".