منذ منتصف شهر تشرين الأول بدأ مزارعو القطن بحصد مواسمهم في أرياف إدلب وحماة وحلب، التي غابت عنها هذه الزراعة منذ ما يزيد على 10 أعوام، إثر الجفاف وقلّة المياه المتاحة للري وندرة الأمطار وارتفاع تكاليف الزراعة وغياب البذور وتوقف المحالج عن العمل، والآثار التي خلّفتها الحرب على الزراعة والمزارعين.
ولكن مع منتصف هذا العام وتحديداً مطلع شهر أيار، غامر عدد من الفلاحين شمال غربي سوريا، بزراعة أراضيهم بالقطن بعد أن قدّمت مديرية زراعة إدلب التابعة لحكومة الإنقاذ التسهيلات للمزارعين من تأمين البذار الجيدة وتصريف إنتاجهم؛ ما شجعهم على إحياء زراعته، وخاصّة أن هذه الزراعة كانت من المحاصيل الاستراتيجية التي كان يعتمد عليها الاقتصاد السوري قبل سنوات الحرب.
زراعة فاشلة
المزارع أحمد عبد القادر بكور الملقب (أبو جمعة) من بلدة باتبو بريف حلب الغربي، الذي جازف هذا الموسم في زراعة أرضه بالقطن بمساحة هكتار واحد (10 دونمات)، يقول لموقع تلفزيون سوريا إن القطن من المزروعات المربحة لكن زراعته هذا العام كانت كارثية على المزارعين بالكامل نتيجة أسباب عدّة.
وتكمن أبرز الأسباب وفقاً لـ بكور، أولها نوعية البذار السيئة التي تم استلامها من قبل مديرية الزراعة في حكومة الإنقاذ، والأمراض التي أصابت الثمار، بالإضافة لكميات المياه الكبيرة التي استهلكها الحقل، والتي قدّرها بـ"12" ألف متر مكعب من المياه للهكتار الواحد، مشيراً إلى أن الهكتار الواحد بلغت كلفته على الفلاح قرابة 1500 دولار أمريكي أو ما يزيد على ذلك، في وقتٍ يبلغ سعر الطن الواحد في الأسواق اليوم 700 دولار أمريكي .
ومع اقتراب موسم القطاف، أكّد بكور على أن موسمه هذا العام من القطن فاشل وخاسر، إذ من المستحيل أن يجلب حقله أكثر من طن واحد فقط في أحسن أحواله نتيجة نوعية البذار السيئة، وفق قوله.
عروض مغرية
ولكن المزارع محمد عبد الهادي من منطقة سهل الروج بريف إدلب يأمل بعدم خسارة موسمه هذا العام وتعويض ما دفعه على حقله البالغ 3 هكتارات (30 دونم)، بالإضافة إلى التزام وزارة الزراعة بوعودها وشراء الإنتاج من المزارعين بسعر جيد.
يقول عبد الهادي لموقع تلفزيون سوريا إن أحد الأسباب التي دفعتهم إلى إحياء هذه الزراعة هي العروض المغرية التي تم تقديمها من قبل المديرية، والتي تركزت على تأمين البزار الجيدة وشراء المحاصيل وتزويد المزارعين بالوقود، إذ منحت كل مزارع 200 لتر مازوت على كل هكتار قطن.
وأوضح أنه اشترى بذار القطن عبر مبادرة "القرض الحسن" التي أطلقتها مديرية الزراعة، بسعر 5 دولارات أمريكية للكيلو الواحد، مشيراً إلى أن الهكتار الواحد يحتاج إلى 10 كيلو من البذار فقط، لافتاً إلى أنه اكتفى هذا العام بزراعة 3 هكتارات، باعتبار أنها زراعة قيد التجربة.
وتكمن الكلفة في زراعة القطن بحسب عبد الهادي في كمية المياه التي يحتاجها هذا المحصول بالدرجة الأولى بالإضافة إلى تكاليف حراثة الأرض لمرات عدّة قبل زراعته، وغلاء اليد العاملة وارتفاع أسعار الأسمدة وغلاء سعر المبيدات الحشرية.
ولا تزال طريقة تصريف الإنتاج وأسعار الشراء غير واضحة وفقاً لـ عبد الهادي، متأملاً في التزام المديرية بوعودها للمزارعين بشراء محاصيلهم بأسعار جيدة.
وأجمع من التقينا معهم من مزراعي القطن خلال إعداد هذا التقرير على عدم تجربة زراعته مرة ثانية في المواسم القادمة، نتيجة كلفته العالية وعدم نجاحه وغياب البذار السورية.
الإنقاذ تلقي باللوم على المزارعين
وعلى إثر ما تحدث به المزارعين، التقينا مع مدير العام للزراعة في حكومة الإنقاذ المهندس "تمام الحمود"، والذي اعتبر أن سبب عدم نجاح بعض المواسم في منطقة إدلب يعود بالدرجة الأولى لعدم خبرة بعض المزارعين بزراعة القطن، ولذلك قد لا يصل المزارع للفائدة الاقتصادية المرجوة منها، وفق قوله.
واعتبر أن زراعة القطن هي "من الزراعات ذات المردود الإقتصادي الجيد، وأن نجاح هذا الموسم هو أمر طبيعي، باعتبار أن القطن من الزراعات التي تناسب المناخ والتربة في المناطق المحررة، وأنها كانت تزرع في السنوات الماضية وهي ليست بزراعة جديدة على المناطق المحررة".
وتعتبر سورياً من أكثر البلاد المناسبة لزراعة القطن، بسبب تناسب مناخها وتربتها مع هذه الزراعة، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة FAO.
المساحات المزروعة
بلغ عدد المستفيدين من مشروع زراعة القطن هذا العام في منطقة إدلب 107 مزارعين، كما قُدرت المساحة المزروعة بـ 1814 دونماً، فيما يُقدر الإنتاج المتوقع لهذا الموسم 500 طن، وفقاً لـ الحمود.
وعزا الحمود انقطاع هذه الزراعة في المنطقة منذ أكثر من 10 سنوات، إلى عدم توفر أسواق التصريف، والتهجير المستمر للأهالي وهجر الأراضي الزراعية بسبب سياسة النظام الإجرامية، وخروج مشاريع الري عن الخدمة بعد استهدافها بالقصف من قبل قوات النظام السوري.
وأشار إلى أن هذا العام ساهمت مديرية الزراعة في دعم محصول القطن، حيث قدمت البذار والأسمدة والمحروقات بموجب قرض يتم تسديده المزارع وقت الحصاد، ويكون دون فائدة وبالسعر المتداول في أثناء المنح.
أهمها البذور التركية.. أسباب تردي الإنتاج
المهندس الزراعي موسى البكر مسؤول القسم الزراعي في مؤسسة "كرييتيف"، وصانع محتوى زراعي في الشمال السوري يقول لموقع تلفزيون سوريا إن زراعة القطن هذا العام كانت قليلة جداً مقارنة مع الأعوام قبل الثورة السورية، مشيراً إلى أن زراعته جاءت على مبدأ تجربة محصول بعد انقطاع لا أكثر.
وعزا البكر ضعف إنتاج هذا الموسم لـ سببين:
الأول: ابتعاد المزارعين بشكل كبير عن زراعة القطن لأكثر من عشرة سنوات
الثاني: تردي نوعية البذار التركية المستوردة وغياب البذار السورية الممتازة.
مشيراً إلى أنه من المفترض أن يكون إنتاج الدونم الواحد 500 كيلو غرام إذا كانت البذار جيدة، ولكن البذار التي تم استخدامها هذا العام فمن المفترض أن يصل إنتاج الدونم في أحسن أحواله من 100 إلى 150 كيلو غرام فقط.
يقول البكر إنه في العموم تعتبر هذه الزراعة ناجحة إذا تم استثمارها بشكل جيد عبر تأمين بذار جيدة ومصادر مياه غير منقطعة، باعتبار أن محصول القطن يحتاج إلى كميات مياه كبيرة تُقدر ما بين 8 إلى 12 سقاية خلال دورة حياة النبات كاملة.
بذار تركية سيئة
وبالعودة إلى مدير زراعة إدلب، أوضح "الحمود" أن البذور التي تم تسليمها للفلاحين جميعها مستوردة من تركيا، على اعتبار أن زراعة القطن كانت منقطعة لما يزيد على عشرة أعوام، فهذا يعني عدم توفر البذار السوري المستخدمة سابقاً، مشيرا إلى أنه تمت زراعة عينات من البذار ضمن حقول تجريبية من قبل الإدارة العامة للبحوث العلمية الزراعية وكانت النتائج جيدة، بحسب قوله.
ولفت إلى أنه سيتم استلام كامل المحصول من قبل وزارة الاقتصاد التي ستتولى لاحقاً مسؤولية حلجه أو تسويقه، مشيراً إلى أن المديرية أنشأت محلجاً محلياً سيتم استخدامه لحلج الإنتاج.
ورفض مدير الزراعة خلال حديثه لـ تلفزيون سوريا الكشف عن سعر طن القطن المراد شراؤه من المزارعين، مشيراً إلى أن الوزارة تقوم حالياً بدراسة تكاليف إنتاج الطن الواحد من المحصول، وذلك عبر إجراء جولات ميدانية على عدة حقول ورصد حالتها وأخذ عدة قراءات من المزارعين بعمليات الفلاحة والبذار والري والتكاليف كاملة من الدوائر الزراعية المنتشرة في المناطق كافة، مضيفاً أنه عقب الإنتهاء سيتم تقدير كلفة إنتاج الطن الواحد ورفعها لوزارة الاقتصاد والموارد، والتي تقوم بدورها بوضع السعر الذي يضمن تحقيق الربح المناسب للمزارع.
ويعد القطن من المحاصيل ذات المردود الاقتصادي الجيد، بسبب قيمته المادية المرتفعة للكيلو غرام، كما أن بذاره يستخدم في استخراج الزيت وهذا سيعمل على توفير المادة الأولية لمعمل الزيت، بحسب الحمود، والذي أعتبر أيضاً أن هذه الزراعة من شأنها أن تؤمن فرص عمل سواء في أثناء الزراعة وقطاف القطن أو من خلال تشغيل معمل الزيت، كما يمكن الاستفادة من بقايا البذور في تركيبات الأعلاف للمواشي فضلاً عن استخدام الأوراق الخضراء كمراعي للأغنام.
الذهب الأبيض
وحصلت سوريا لموسم 2009-2010 على المرتبة الثانية على مستوى العالم بعد الهند في إنتاج ألياف القطن العضوية لموسم، إذ بلغ الإنتاج بحسب بورصة الأقمشة العالمية ما يقارب 20 ألف طن.
كما كان يعد القطن من أهم المحاصيل الزراعية المهمة في سوريا، حيث كان يُطلق عليه المزارعون لقب "الذهب الأبيض".
وتعتبر زراعة القطن من الزراعات القديمة جدا التي عاش معها السوريون منذ قديم الزمان، حيث تعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد منذ زمن صناعة النسيج والغزل، وقد وجد في سوريا آثار مغازل من الحجر القديمة تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد.