في الوقت الذي يعمل نظام الأسد فيه على شراء واستملاك عقارات وناطحات سحاب في أرقى أحياء موسكو، بحسب تحقيق استقصائي أعدته منظمة "غلوبال ويتنس" ونشر الإثنين 11-11-2019، يصدر النظام قرارات حجز على أملاك من هجرهم من السوريين.
لطالما ركز نظام الأسد على فكرة "محاربة الفساد" بعد اندلاع الثورة السورية، وحاول حصر كل مطالب الشارع بموضوع محاربة الفساد الإداري وسوء استخدام السلطة، وساق بذلك الأمثلة التي تظهر استجابته لمطالب هو خلقها من خلال إلقاء الحجز الاحتياطي لعدد من مسؤوليه ورجال أعماله بعد الانتهاء من الدور المناط بهم.
فمن عائلة عنزروتي وحميشو وصولاً إلى هزوان الوز ومخلوف، والقائمة تطول، حيث يُمنَع المحجوز عليه من التصرف بأملاكه حتى رفع الحجز.
وفي سابقة لم تحصل منذ استلاب عائلة الأسد سدة الحكم في سوريا، أعطى بشار الأسد أمراً لوزير ماليته بإلقاء الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لـ150 رجل أعمال، بتهم فساد، وفي مقدمتهم ابن خاله رامي مخلوف، الذي تقدر ثروته بـ35 مليار دولار، وذلك وفقا لتقديرات مجلة فوربس لأثرياء العالم، وتستند المجلة إلى معلومات دقيقة تستقيها من البيانات المالية للمصارف والشركات وحركة الأموال التجارية حول العالم.
إجراءات تثير أسئلة في ذهن المتابع عن بعد للشأن السوري، كيف لنظام أن يعاقب مواليه، ولكن نظرة قريبة على حيثيات الأمور، سيما الاطلاع على وثائق رسمية صادرة عن النظام نفسه توضح الصورة أكثر وتساعد على فهم المشهد برمته.
سرقة الممتلكات تمهيداً لتغيير ديمغرافي
يوثق هذا التحقيق من خلال بيانات حصل عليها " موقع تلفزيون سوريا" كيف أصدر النظام قرارات الحجز الاحتياطي بحق مواطنين من مناطق محددة في سوريا، الغوطتين، درعا، السويداء، إدلب وحماة والكثير من المدن والبلدات التي انتفضت في وجه النظام، للحجز على ممتلكاتهم، كعقوبة جماعية ضد قاطنيها، وتمهيدا لإجراء تغيير ديموغرافي بطرق "قانونية".
المحلل الاقتصادي صلاح حسن، قدّر قيمة الثروة التي تحصل عليها النظام من جراء مصادرة أملاك رجال أعماله بنحو 300 مليار دولار، وبعد إطلاعه على الوثائق التي تحصلنا عليها، أكد بأن الأموال التي ستدخل خزينة النظام نتيجة استيلائه على أموال نحو 5 ملايين سوري تم تهجيرهم لخارج البلاد ستكون أكبر بكثير من الأموال التي روّج بأنه استحوذ عليها من أزلامه.
حاولنا التواصل مع بعض الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في الوثائق لمعرفة الأسباب التي قد يتذرع بها النظام لاغتصاب أملاكهم، توصلنا إلى معتز صلاح – اسم وهمي- وهو مواطن من كفربطنا في ريف دمشق، كان يمتلك محل أدوات صحية في السوق الرئيس في بلدته، نزح في 2012 إلى داخل دمشق بعد تعرض البلدة لقصف من قوات النظام، ومن بعدها اضطر للجوء إلى لبنان بعد ضيق الأحوال داخل دمشق.
معتز صلاح تفاجئ بالمعلومات التي سقناها له من حيث استيلاء النظام على عقاره في كفربطنا، وهو الذي يتحين الفرصة للعودة من لبنان بعد أن ضاق به الحال هناك ومع اندلاع أحداث وبوادر ثورة في هذا البلد.
يقول معتز "لا أعلم ماذا أقول، عشنا قرابة 6 سنوات في خيم التشرد واللجوء في لبنان على أمل العودة إلى بيوتنا، ماذا سنفعل اليوم"، ويتابع معتز حديثه والحسرة تعتصر قلبه وهو الذي رفض فرصة لجوء إلى فرنسا، "رفضت اللجوء إلى أوروبا على أمل العودة إلى بيتي وبلدتي، هل كتب علينا الشقاء والموت في الغربة".
حال خالد من الصنمين لم يكن بأفضل من حال معتز، خالد يقيم اليوم على أطراف العاصمة الأردنية عمان، كذلك الأمر تفاجأ نوعا ما بالقرار رغم علمه بالحكم الصادر بحقه من محكمة الإرهاب في المزة، حيث توقع بأن ينتج عن هذا الحكم الاستيلاء على ممتلكاته، ولكن الغرابة بالموضوع أن الحجز شمل أملاك والده وإخوته أيضاً.
قوانين مسلطة على رقبة المواطن
ولفهم الذريعة القانونية التي استند إليها النظام كان لابد من الاستعانة بالمحامي عبد المجيد الخالد، وهو محامٍ سوري مقيم في محافظة الكرك الأردنية، حيث شرح لنا الحجة القانونية التي تذرع بها النظام من خلال الحجز الاحتياطي.
وقال المحامي عبد المجيد لـ موقع تلفزيون سوريا، إن الحجز الاحتياطي هو أداة بيد الدائن يحفظ عبرها حقه المهدد بالضياع، ليبقى المال المحجوز في ملكية الشخص المحجوز عليه، إلا أن في حالة النظام، الذي يستعمل ويتصرف بالمال المحجوز، تحت ظرف أحكام عرفية وبهذا يعد مخالفاً للدستور السوري والقانون الدولي.
ويؤكد المحامي الخالد بأن إجراء النظام بإلقاء الحجز الاحتياطي مخالف لجميع القوانين والأنظمة والأعراف الدولية، حيث توجد بعض الحالات التي يتم بموجبها فرض الحجز الاحتياطي.
وبحسب المحامي خالد فإن نظام الأسد استند إلى تجربة الاتحاد السوفيتي حيث عمدت حكومة لاوسيا الاتحادية غداة انهيار الاتحاد إلى الاستيلاء على ممتلكات معارضيها وخصومها تحت ذرائع مختلفة من ضمنها إلقاء الحجز الاحتياطي بحجة أن أصحابها غير مقيمين داخل الاتحاد، واتهمت بعضهم بالفرار من وجه العدالة، والذريعة الأغرب حينها كانت لحفظ أملاك الآخرين من الضياع حيث إن أصحابها خارج إقليم الاتحاد.
والحجز الاحتياطي يعتبر أداة بيد الأنظمة الديكتاتورية للقضاء على خصومها اقتصادياً وبطرق تعسفية، ولجأ النظام للحجز على أموال الكثير من المعارضين السوريين منهم على سبيل المثال لا الحصر رجل الأعمال خالد المحاميد، ومحمد مرتضى الدندشي، ومحمد رهيف الحاكمي، ووليد الزعبي، وغسان عبود، ومحمود عنزروتي، وسمية صابر حمشو.
وسيلة لتمويل العجز وتمهيد لسيطرة إيران
"مرسوم تنظيم المزة (خلف الرازي) وكذلك قانون "مكافحة الإرهاب" رقم 19 لعام 2012، من أدوات النظام لتمويل عجز خزينته وللاستيلاء على الأراضي المطلوب السيطرة عليها تمهيداً لتحويل محيط السفارة الإيرانية في المزة لما يشبه الضاحية الجنوبية في دمشق" يقول الناشط عماد خاسكية لموقع تلفزيون سوريا.
والجدير بالذكر بأن قوائم الأسماء التي بحوزتنا تشمل ملاك عقارات في منطقة المزة خلف الرازي ممن رفضوا بيع عقاراتهم لتجار مكلفين من قبل النظام بشراء تلك الأملاك تحت تهديد فرع الأمن العسكري (السرية 215 وفرع فلسطين) المناط بهم تسهيل عملية الاستيلاء.
تمكنا من الوصول إلى أبي مازن، وهو مواطن من خلف الرازي استقر به المطاف في مدينة ماينز الألمانية، أيضا تفاجأ بورود اسمه في قوائم الحجز الاحتياطي.
يقول أبو مازن - وهو موظف سابق في مؤسسة مياه عين الفيجة -"إن القوانين التي يتذرع بها النظام هي قوانين عرفية طارئة، مخالفة للدستور الذي ينص صراحة بأن الملكية الخاصة مصانة ولا يجوز المساس بها، ولا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي مبرم".
"معتز صلاح، أبو خالد وأبو مازن هم الضحايا الحقيقيون لممارسات نظام أقرب ما تكون ممارساته لجرائم الحرب بمختلف أشكالها، حيث إن اغتصاب الحقوق والممتلكات والتغيير الديمغرافي ما هي إلا قتل الإنسان ولكن بأشكال مختلفة" يضيف المحامي خالد.
القضاء السوري "المستقل".. أداة بيد السلطة الحاكمة
وحول أهلية الجسم القضائي الذي يصدر هذه الأحكام، يقول المحامي خالد "استقلالية القضاء" كلمة شاعرية يتغنى بها كل مسؤول في النظام بأن القضاء السوري مستقل وفوق كل شبهة انحياز عن الحق، إلا أن سلطة قضائية تتهم مواطنيها بـ"الخيانة" لمجرد التعبير عن حق كفله الدستور وهو حق التعبير بالتأكيد هي سلطة غير مستقلة، وهذا ما حصل عندما أصدر القضاء السوري قرارات بمصادرة أملاك أصالة نصري وكنده علوش ويارا صبري، وبيعها بالمزاد العلني لصالح أبناء "شهداء الجيش العربي السوري"، وكذلك الأمر بالنسبة لفارس ﺍﻟﺤﻠﻮ، وﺟﻬﺎﺩ ﻋﺒﺪﻭ، وﻋﻠﻲ ﻓﺮﺯﺍﺕ، وﺃﺻﺎﻟﺔ ﻧﺼﺮي، وﻋﺒﺪ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻗﻄﻴﻔﺎﻥ، وﻣﺎﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺪﻟﻲ، وﻣﺎﺯﻥ ﺍﻟﻨﺎﻃﻮﺭ.
ويختم خالد " من المؤسف بأن هذه القضايا تبقى طي الكتمان، ولا تعار الاهتمام الكافي، رغم أن النظام يحاول أن يعطيها الشرعية من خلال نشرها بالجريدة الرسمية، وأنصح بأن يثار الموضوع على مستوى دولي، وأن يطلع كل من ورد اسمه ضمن الوثائق ويكون التحرك بشكل جماعي ليثمر".
أملاك نحو ستة ملايين سوري في مهب الريح، في حين تقدر منظمة غلوبال ويتنس أن أعضاء بارزين من عائلة مخلوف -أبناء خال بشار الأسد- يمتلكون ما لا يقل عن 40 مليون دولار من الممتلكات في ناطحات السحاب بالعاصمة الروسية موسكو. حيث يشكل أفراد العائلة مفتاحاً في الحفاظ على قبضة الأسد على السلطة.