في وسط مدينة الإسكندرية، استعاد المخرج السوري باسم العطار شغفه للعمل في المسرح، وأن يعود لمهنته التي كان يحبها منذ صغره في دمشق، التي خرج منها جريحاً بعدما فقد والده وعدداً من أفراد أسرته في الحرب.
باسم العطار (42عاما) من سكان مدينة جوبر، أصيب بطلق ناري في ركبته، مما دفعة إلى مغادرة دمشق، والنزوح مع زوجته وأطفاله الأربعة إلى لبنان للعلاج، ولكن تكاليف العلاج كانت عالية مما اضطره إلى أن يسافر إلى مصر.
كانت مصر بالنسبة له في البداية محطة عبور إلى أن يستطيع السفر إلى أوروبا، ولم يكن يعلم أنه سيستعيد حلمه على أرض الكنانة، ويعود لشغفه الأول يعيد ترتيب الحياة على خشبة المسرح.
المسرح التفاعلي.. مسرح الفقراء
المسرح التفاعلي هو فن جديد على عالمنا العربي، حيث يتفاعل الجمهور مع الممثلين في أثناء العرض وقد يكونون جزءا منه، هو فن مقتبس من مسرح المقهورين، كانت بداياته في فرنسا وبريطانيا، عندما كان المسرح نخبوياً وحكراً على طبقة الأغنياء.
في حين كان المسرح التفاعلي ملجأ لمحبي الفن من الفقراء الذي لا يضطرون لدفع مبالغ مالية مرتفعة ثمناً للتذاكر، واعتمد بشكل كبير على "مسرح الصورة".
باسم يعتمد في عمله على المسرح التفاعلي لأنه يثمن عالياً دور الفن بشفاء النفس، ومحاولة معالجة القضايا الاجتماعية، وقوة الفن في التغلب على الشدائد والجمع بين الناس.
ويقول في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا": إن المسرح يعتبر أداة للتعبير عن التجارب الإنسانية، وأستخدمه من أجل نقل قصتي وقصص الناس وعرض آلامهم.
فرقة "الرحالة المهاجرون"
بدأت حكاية باسم مع المسرح منذ أن كان في دمشق، شارك في العديد من العروض للأطفال بعد تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان عضوا في فرقة المسرح الخاصة بقناة "سبيستون" الشهيرة، مما جعله يشارك في العديد من المهرجانات الدولية.
في الإسكندرية، وبالمصادفة ومن دون تخطيط عاد إلى باسم شغفه بالمسرح من خلال عرض مسرحي عابر لروضة خاصة إلى مؤسس فرقة مسرحية بدعم من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
يقول باسم، عندما كنت أسجل أولادي في الحضانة، شعرت بالرغبة بأن أقيم عرضا للأطفال فوافقت مديرة الحضانة، وقدمت عرضا أعادني إلى عروض دمشق وخشبة المسرح.
يضيف، بعد فترة طلبوا مني القيام بعروض جديدة أخرى ومن هذا المكان الصغير كانت انطلاقتي، فعلمت مفوضية اللاجئين بأمري ودعوني من أجل المشاركة في بعض العروض، وعندما حققت نجاحا، طلبت من المفوضية أن يجعلوا لي مكانا خاصا، لأني أسعى إلى تأسيس فرقة مسرح، وهذا ما حصل فعلا.
في أحد المراكز المجتمعية بمدينة الإسكندرية، أسس باسم فرقة "صرخة قاسيون" وأخرى باسم "المهرجون المجانين"، الأولى كانت تعنى بقضايا درامية اجتماعية، كالعنف ضد المرأة، والهجرة غير الشرعية، والتمييز العنصري، وتعرض معاناة اللاجئين، بينما الأخرى كانت تقدم عروضا كوميدية للأطفال.
بعد فترة قرر باسم أن يضم الفرقتين مع بعض وأسس فرقة "الرحالة المهاجرون" التي جالت جميع المحافظات المصرية، وقدمت عروضا تحاكي ظروف المجتمع، واكتسبت الفرقة شهرة واسعة.
في عام 2018، تم ترشيح باسم لحضور منتدى شباب العالم الذي أقيم في مدينة الجونة المصرية، وذهب بصفته متحدثا باسم اللاجئين في مصر.
كما ساهم باسم بالكثير من الفعاليات وكان عضوا فعالا في العمل التطوعي وتطوير مجتمع اللاجئين تحت رعاية المفوضية وشركائها.
يقول باسم، قررت أن تضم فرقتي ممثلين من كل أنحاء العالم، فمنهم سوريون ومصريون ويمنيون، وذلك لتعزيز فكرة الاندماج بين الشعوب، مما وطد علاقة اللاجئين بالمصريين الذين أيدوا الفكرة ورحبوا بنا.
تبدل الأحوال يرهق كاهل باسم
ظل باسم مستمرا بالعمل الفني منذ عام 2015 وحتى عام 2021، مما جعل حياته مستقرة وشغفه نحو عمله في تجدد دائم، ولكن حصلت بعض المشكلات جعلته يلغي عقده مع المفوضية، الأمر الذي يصفه بأنه كان "كارثة في حياتي" الفنية والاقتصادية.
يقول باسم، حاولت مع فرقتي الاستمرار بالعمل بعد أن ألغي عقدي مع المفوضية، ولكن لم ينجح الأمر، فالتكاليف كانت عالية، والفرقة أصلا كانت تطوعية، فلم يعد الأمر يسد رمق عيشي.
انقلبت حياة باسم رأسا على عقب، وبعد أن كان يعمل في الفن، يضطر اليوم للعمل على سيارة لكي يعيل أسرته وأطفاله الأربعة.
يضيف باسم، لا أستطيع الوقوف كثيرا، ولا القيام بالأعمال المرهقة وقد تعرضت لوعكات صحية ونفسية بعد أن تركت مهنتي.
مصر وجهة للفنانين السوريين الهاربين من الحرب
باسم هو واحد من الفنانين السوريين الذين اختاروا مصر ملجأ لهم بعد أن فروا من جحيم الحرب، وكانت أرض الكنانة ملاذا للفن والفنانين على مر الزمان، فمن كان يريد تحقيق حلمه بالفن كان دائما ما يختار مصر.
مكسيم خليل، كندة علوش، جمال سليمان، عبد الحكيم قطيفان، والكثير من الفنانين والمخرجين والكتاب اختاروا مصر للاستقرار بعد الهرب من سوريا، وشارك العديد منهم بالمسلسلات والأفلام المصرية، واشتهروا في مصر، وكانت مكانا لرزقهم.