يتميز الجيش الروسي بأسلوب واحد للقتال يقوم على تدمير المدن، وقد استخدم هذا الأسلوب في أوكرانيا لتحقيق أهداف مخيفة.
إذ أظهرت صور جوية التقطت لمدينة باخموت الواقعة شرقي أوكرانيا والتي تركز فيها القتال بشكل دموي وشديد طوال أشهر، كيف تحولت المدينة إلى أطلال وخرائب، بعدما سويت بالأرض تماماً إثر قصفها بالمدافع والصواريخ بلا توقف.
على الرغم من الصدمة التي تعتري المشاهد عند رؤية هذه الصور، لا بد له أن يحس بأنه سبق أن رآها على مدار فترة 15 شهراً من حرب روسيا الشاملة على جارتها أوكرانيا، بيد أن المشاهد الحالية التي وصلتنا من باخموت تشبه الحصار المطبق الذي نفذته روسيا على مدينة ماريوبول الساحلية الواقعة في الجنوب خلال العام الفائت. لكن هذا الأسلوب الروسي القائم على إلحاق دمار شامل ليس بجديد، وذلك لأنه سبق لروسيا أن فعلت ذلك في سوريا عندما ساعدت نظام الأسد على البقاء في الحكم طوال سنين الحرب السورية.
غير أن باخموت مسحت من الخريطة بعدما تحولت إلى مسرح لأطول حرب في هذه الحرب، كما غادرها معظم سكانها، واستحالت مبانيها إلى ركام، إذ تظهر صور الأقمار الصناعية والمسيرات حجم الدمار وألسنة الدخان المتصاعدة من تلك المدينة والتي تختلف تماماً عن الصور التي تظهر سيرتها الأولى في السابق.
وحول مساعي روسيا الوحشية للسيطرة على المدينة خلال شهر نيسان الماضي، يحدثنا الكولونيل أوليكساندر سيرسكيي وهو قائد ميداني أوكراني، فيقول: "القتال حامي الوطيس من كلا الطرفين، ولهذا انتقل العدو لما يعرف بسياسة الأرض المحروقة في سوريا، فدمر المباني والمواقع بوساطة القصف الجوي ونيران المدفعية، في حين واصلت باخموت دفاعها عن نفسها".
هذا ولقد أعلنت القوات الروسية عن سيطرتها على كامل المدينة المقصوفة، على الرغم من تكذيب أوكرانيا لهذا الانتصار المزعوم.
إذ خرج علينا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم السبت ليخبرنا بأن الروس لم يحتلوا المدينة بالكامل، لكنه ذكر بأن باخموت لم يعد فيها أي شيء، حيث قال: "عليكم أن تدركوا بأنه لم يتبق أي شيء، لأنهم دمروا كل شيء، أي لم تعد هنالك مبان، وذلك مؤسف، بل إنه مأساة، ولكن باخموت اليوم باقية فقط في قلوبنا".
في أوكرانيا، لجأت القوات الروسية في البداية إلى سياسة الأرض المحروقة التي تحدث عنها سيرسكيي خلال أشهر طويلة من الحملة العسكرية للسيطرة على ماريوبول وذلك بعد فشل هجومها على العاصمة كييف خلال الأسابيع الأولى للحرب، وخلال فترة الحصار الوحشية على المدينة قصفت القوات الروسية بلا هوادة وبشكل عشوائي كل شيء بدءاً من المشافي وحتى المناطق السكنية، فظهرت فيها مشاهد تشبه تلك التي نراها اليوم في باخموت المدمرة.
إلا أن أسلوب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القائم على التدمير الشامل بهدف مسح مدن بكاملها ليس بجديد على الجيش الروسي في أوكرانيا، لأنه سبق أن فعل ذلك في دول أخرى، إذ نشرت موسكو جيشها في عام 2015 لتساعد قوات النظام السوري على سحق الثورة في البلد، وسرعان ما بدأ الجيش الروسي بالاستعانة بنيران المدفعية والقوة الجوية لقصف المناطق السكنية والبنى التحتية المدنية.
حدث ذلك النوع من القصف المشين على مدينة حمص الواقعة غربي سوريا حيث سوت الطائرات الحربية الروسية أحياء سكنية بالأرض.
كما استعانت روسيا بالأسلوب نفسه مع معقل الثوار في حلب والتي تعتبر أهم مدينة في شمال غربي سوريا، ولذلك اتهمت القوات الروسية باستهداف المشافي هناك، تماماً كما حدث في أوكرانيا، حيث وصف الدفاع المدني السوري، وهو منظمة إنسانية تعرف باسم الخوذ البيضاء، الغارات الجوية الروسية في عام 2016 بأنها عبارة عن: "قصف عشوائي مرعب".
أما سامانثا باور التي كانت حينئذ مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، فقد أعلنت أمام مجلس الأمن في عام 2016 بأن: "ما تموله روسيا وتفعله ليس بمحاربة للإرهاب، بل وحشية، إذ بدلاً من السعي لتحقيق السلام، تشن روسيا مع الأسد حرباً، وبدلاً من المساعدة في إيصال المساعدات التي تنقذ أرواح الناس إلى المدنيين، تقصف روسيا هي والأسد القوافل الإنسانية والمشافي والمسعفين الذين يحاولون إنقاذ أرواح الناس".
غير أن أسلوب روسيا في كل من أوكرانيا وسوريا يتجاوز حدود القصف العشوائي، إذ خلال هذين النزاعين، تكرر استهداف القوات الروسية للقوافل الإنسانية، إلى جانب شنها لغارات مزدوجة، حيث يتم قصف الهدف مرتين بفاصل زمني لا يتجاوز الثواني، وذلك لإيقاع مزيد من الضحايا بين فرق الإنقاذ التي تهب لإسعاف الضحايا الذين سقطوا في الهجمة الأولى.
المصدر: Insider